شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
صحيفة الشعب اليومية أونلاين.
بقلم/ د. فايزة سعيد كاب، باحثة في الشؤون الصينية والعلاقات الصينية الدولية
” الجبال والبحر لا تفصل بين من لديهم تطلعات مشتركة” .. تربط الصين والقارة الافريقية علاقات تاريخية تعود الى عصور قديمة. وتتجسد أبرز الاتصالات الصينية الافريقية في العصور الوسطى، حيث وصل الرحالة المغربي ابن بطوطة، وهو أشهر رحالة في العالم العربي الى ميناء تشوانتشو في الصين عام 1345، حسب ما سجل في تاريخ رحلات ابن بطوطة. وأشهر ما قاله عنها: ” يسافر فيها من يريد منفردًا مسيرة تسعة أشهر ومعه الأموال الطائلة والتجارات فلا يخاف عليها. وترتيب ذلك أن لهم في كل منزل ببلادهم فندقًا، عليه حاكم يسكن به جماعة من الفرسان والرجال، فإذا كان بعد المغرب أو العشاء، جاء الحاكم إلى الفندق، ومعه كاتبه فكتب أسماء جميع من يبيت فيه من المسلمين وختم عليها، وأقفل باب الفندق عليهم.” ويكمل:” وفي هذه الفنادق جميع ما يحتاج إليه المسافر من الأزواد، وخصوصًا الدجاج والإوز.” وزار الباحث والمستكشف الصومالي سعيد من مقديشو الصين في القرن الرابع عشر، حيث كانت الصومال جسر يربط بين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، وحلقة وصل بين المحيط الهادئ والمحيط الهندي والمحيط الأطلسي، ومن أهم منافذ الحضارية وهمزة الوصل بين الشرق والغرب لموقعها الجغرافي الفريد، ما جعلها أهم المحاور التي انطلق منها الطريق الحريري التجاري حيث كانت المرافئ الصومالية معبراً للتجارة الدولية، ويُعتقد أن أوائل الأفارقة الذين اتصلوا بالصينيين كانوا من الصوماليين، حيث أن الصومال هي الدولة الإفريقية الأقرب جغرافيا إلى الصين، وقد ذُكرت الصومال لأول مرة في المصادر الصينية في كتاب “يويانغ تسا تسو” الذي ألّفه توان تشينغ شيه من أسرة تانغ عام 860 م، حيث كتب فيه عن أرض بو بالي هو اسم الصومال في ذلك الوقت، كما تم العثور على حفريات أثرية في مقديشو في إمبراطورية أجوران وكلوة على العديد من القطع النقدية من الصين، بالإضافة إلى ذلك، صدّر التجار الصوماليون الزرافات والحمير الوحشية والبخور إلى إمبراطورية مينغ في الصين، ما جعلهم قادة في التجارة بين آسيا وأفريقيا. وفي القرن الخامس عشر، شهد عهد سلالة مينغ وصول الأميرال الصيني تشنغ خه “حجّي محمود شمس الدين” وأسطوله إلى الساحل الشرقي لأفريقيا أربع مرات، ودار حول ساحل الصومال مرورًا بسلطنة أجوران، وتتبّع الساحل وصولًا إلى قناة موزمبيق. وكان من أهم أقواله: “في سبيل إقامة العلاقات الودية بين الصين وهذه الدول لا نعبأ حتى بالموت.”
في العصر الحديث وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، والتي عانت من ويلات الاستعمار الغربي تمامًا كما عانت الدول الإفريقية، اختارت السعي إلى استكشاف ما يتناسب مع ظروفها الخاصة مع مشاركة الخبرات والتجارب مع الدول الأخرى والعمل على التعاون مع الشعوب الأخرى والاستفادة من الحضارات الأخرى، وأعربت عن استعدادها والتزامها بالوقوف إلى جانب حركات التحرر الإفريقية ومساعدة الدول المستقلة لتدعيم استقلالها، ومرة أخرى تم التواصل مع منطقة شمال افريقيا، وهذه المرة عبر البوابة المصرية في خمسينات القرن الماضي عندما كانت القاهرة آنذاك بؤرة حركات التحرر الوطني، ثم الجزائر حيث كانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1958، وبعدها غانا وموزمبيق وزامبيا وزيمبابوي وغيرها من دول القارة. ولم يتوقف الدعم الصيني المعنوي والمادي ولم تتوقف شحنات السلاح الصيني إلى ثوار تلك الدول في سعيها للتحرر ومقاومة الاستعمار. كما كان لإفريقيا دور مهم في إعادة الصين مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والعشرين عام 1971 القرار رقم 2758 الذي ينص على إعادة كافة الحقوق المشروعة لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة والاعتراف بممثل حكومتها باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للصين في الأمم المتحدة، وقد شكلت الأصوات الإفريقية ثلث الأصوات الداعمة، في مقدمتها الجزائر.
وعند الوقوف على ضفة نهر تاريخ إنشاء منتدى التعاون الصيني الافريقي) فوكاك(، كمنصة تعاون رئيسة بين الصين وإفريقيا في العام 2000، ممكن أن نرى التطور الكبير الذي شهدته العلاقات الصينية مع القارة الإفريقية، والثمار المرضية والوافرة التي انتجها. ويعد منتدى التعاون الصيني الافريقي إطارا مؤسساتيا للتعاون الاقتصادي تأسس بمبادرة مشتركة من الصين والدول الأفريقية، يهدف الى تعميق التعاون لتحقيق التنمية الاقتصادية ومواجهة تحديات العولمة. ويلعب منتدى التعاون الصيني الافريقي دورا مهما في تفعيل وتعزيز التعاون بين الجانبين، وهو ما ينعكس في التبادلات الرفيعة المستوى بين الصين وأفريقيا، وذلك عبر التواصل والتنسيق المستمر بين قادة الجانبين بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك، وهو ما أدى إلى إرساء أسس سياسية متينة لتدعيم الصداقة التقليدية، وزيادة الثقة السياسية المتبادلة، وحماية المصالح المشتركة، ومواصلة التنمية والتعاون. وتعد القارة السمراء منطقة مهمة في السياسة الخارجية الصينية، حيث كانت ثلاث دول افريقية (تنزانيا، جنوب أفريقيا، جمهورية الكونغو) ضمن جدول الزيارة الخارجية الأولى التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد توليه منصبه في عام 2013، حيث أعلن من هناك عن مبدأ الإخلاص والنتائج الحقيقية والصداقة وحسن النية باعتباره ركيزة لسياسة الصين تجاه إفريقيا، وارتقاء العلاقات الصينية-الإفريقية إلى آفاق جديدة ودخولها المرحلة الجديدة المتمثلة في العمل معا لبناء مجتمع مصير مشترك صيني-إفريقي رفيع المستوى. كما أشار وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مؤتمر صحفي عُقد على هامش مؤتمر المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في مارس 2024، قائلا:” أن اختيار وزراء خارجية الصين إفريقيا لتكون محطة أولى في زياراتهم السنوية للخارج هو تقليد دبلوماسي استمر 34 عاما، وهو تقليد فريد ولا مثيل له في تاريخ التبادلات الدولية، وذلك لأن الصين وإفريقيا تجمعهما الأخوة وتعاملان بعضهما البعض بإخلاص وتتشاركان مصيرا مشتركا… وأننا حاربنا كتفا بكتف ضد الإمبريالية والاستعمار، لقد دعمنا بعضنا البعض في السعي لتحقيق التنمية، لقد دافعنا دائما عن العدالة في خضم مشهد دولي متغير”.
لقد اتخذت الصين موقفًا مخالفًا للحكومات الغربية في التعاون الاقتصادي مع أفريقيا. ويواصل التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وإفريقيا الارتقاء إلى مستويات جديدة منذ انشاء منتدى التعاون الصيني-الإفريقي، ما جلب منافع ملموسة لشعبي الصين وإفريقيا، وتوقع أن التعاون الثنائي سيدخل مرحلة جديدة من النمو بقوة دفع کبيرة بفضل فاعلية دور منتدى التعاون الصيني الأفريقي، الذي يتم من خلاله تعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات عدة، مثل تدشين المجمعات الصناعية، وتحسين البنى التحتية في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.
كما جاءت مبادرة “الحزام والطريق” الصينية (BRI) (عام 2013)، لتدق جدياً أبواب القارة السمراء الاقتصادية والاستثمارية. ونظراً إلى أن مبادرة “الحزام والطريق” تركّز على زيادة التدفّقات التجارية، وتحسين شبكات الاتصالات والسكك الحديدية والموانئ، والبنية التحتية لوسائل النقل الأخرى، فإن هذا من شأنه رفع كفاءة الموانئ الأفريقية وخفض تكاليف السفر والوقت بقدر كبير، وله تأثير كبير في زيادة التجارة البينية أفريقيّاً ودوليّاً. وقد حققت التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا رقمًا قياسيًا بلغ 282.1 مليار دولار في عام 2023، بزيادة نحو 11 بالمائة مقارنة مع عام 2021، لتظل بذلك بكين أكبر شريك تجاري لإفريقيا لمدة 15 عامًا على التوالي. ويستمر الهيكل التجاري بين الصين وأفريقيا في التحسن، وأصبحت المنتجات الزراعية المستوردة من أفريقيا هي أبرز معالم النمو. وفي عام 2023، شهدت الواردات الصينية من المنتجات الافريقية المتمثلة في المكسرات والخضروات والزهور والفواكه زيادة بنسبة 130%، و32%، و14. % و7% على التوالي على أساس سنوي. كما أصبحت المنتجات الميكانيكية والكهربائية “القوة الرئيسية” للصادرات إلى أفريقيا، وزادت صادرات مركبات الطاقة الجديدة، وبطاريات الليثيوم، والمنتجات الكهروضوئية بنسبة 291%، و109%، و57% على التوالي على أساس سنوي، وهو ما دعم بقوة تطوير الطاقة الخضراء في أفريقيا. وحسب الاخبار الصينية المحلية، فقد وافق مجلس الدولة على خطة عامة لبناء منطقة تجريبية للتعاون الاقتصادي والتجاري المتعمق بين الصين وإفريقيا، الذي بموجبه تنشئ الصين المنطقة التجريبية كمنصة للانفتاح على إفريقيا والتعاون معها، بحيث يصبح لها مستوى معين من التأثير الدولي بحلول عام 2027. وتعد المنطقة التجريبية للتعاون الاقتصادي والتجاري العميق بين الصين وأفريقيا منصة صينية مهمة أخرى للتعاون مع أفريقيا، والتي أنشأتها مقاطعة هونان بعد إقامة المعرض الاقتصادي والتجاري الصيني الأفريقي على المدى الطويل. كما أسهمت الشرکات الصينية في التصنيع وتحسين سبل العيش من خلال استثماراتها في أفريقيا، ما جعلها إحدى القوى الدافعة للنمو الاقتصادي الشامل للقارة.
ظلت أفريقيا من أكبر المستفيدين من مبادرة ” الحزام والطريق”، حيث استفادت من مشاريع في مجالات، مثل الطب والصحة، والحد من الفقر والتنمية الزراعية، وتعزيز التجارة والاستثمار، والابتكار الرقمي، والتنمية الخضراء وبناء القدرات، وغيرها. وأبدت الصين اهتمامًا بإنشاء المشاريع الكبرى كخطوط السكك الحديدية، وشق الطرق وبناء المستشفيات ومراكز المؤتمرات والصالات والملاعب الرياضية الكبرى، كما شيدت الصين أكثر من ألف مشروع حيوي في إفريقيا، وتلقى آلاف من الطلبة الأفارقة تحصيلهم العلمي في الجامعات الصينية، ومئات من الفرق الطبية الصينية عملت في المستشفيات الإفريقية وآلاف أخرى من الكوادر الإدارية والتقنية والفنية تلقوا ويتلقون تدريبات في المؤسسات الحكومية الصينية.
وستكون قمة المنتدى الصيني الافريقي القادمة هي المرة الرابعة التي يعقد فيها اجتماع فوكاك على شكل قمة. وسيكون حدثًا للاحتفال بالصداقة الصينية الإفريقية واستكشاف التعاون ورسم المسار للمستقبل تحت شعار ” يداً بيد لدفع التحديث وبناء مجتمع صيني-إفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك”. وسيعقد اجتماع كبار مسؤولي فوكاك والمؤتمر الوزاري يومي 2 و3 سبتمبر على التوالي استعدادا للقمة. وفي الفترة من 4 إلى 6 سبتمبر، سيعقد المنتدى سلسلة من الأنشطة بما في ذلك حفل الافتتاح، الذي من المقرر أن يحضر الرئيس الصيني شي جين بينغ مراسم افتتاح القمة، ويلقي كلمة رئيسية يوم 5 سبتمبر، كما سيستضيف الرئيس الصيني مأدبة ترحيب وفعاليات ثنائية مع قادة الدول الإفريقية الأعضاء في منتدى التعاون الصيني-الإفريقي وممثلي المنظمات الإقليمية الإفريقية والمنظمات الدولية ذات الصلة الذين تمت دعوتهم إلى القمة. كما ستكون القمة اجتماعا وديًا آخر للأسرة الصينية الإفريقية الكبيرة في بكين بعد قمة فوكاك 2018.
ويعد الاحترام المتبادل والمعاملة المتبادلة على قدم المساواة والتشاور المشترك من السمات المهمة لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي. ويجري الجانبان اتصالات ومشاورات مكثفة بشأن الإعداد للقمة والأنشطة الأخرى بهدف المضي قدما بروح الصداقة والتعاون بين الصين وأفريقيا وجعل هذه القمة رمزا آخر للصداقة والتضامن بين الصين وأفريقيا. وبفضل الجهود المشتركة للصين وأفريقيا، ينتظر أن تحقق قمة فوكاك 2024 نجاحا كبيرا، وستفتح آفاقا جديدة للعلاقات الصينية الأفريقية وتكتب فصلا جديدا في بناء مجتمع صيني إفريقي ذي مستقبل مشترك، وممارسة التحديث الصيني النمط، الذي يهدف الى الرخاء المشترك والازدهار المشترك والعدالة الاجتماعية.