Friday 1st November 2024
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

العالم والاستقطابات الحادة الجديدة

منذ 3 أشهر في 25/يوليو/2024

شبكة طريق الحرير الإخبارية/

 

العالم والاستقطابات الحادة الجديدة

بقلم: دكتورة كريمة الحفناوى

 

منذ بدايات القرن الواحد والعشرين والعالم يموج بالتغيرات على كل المستويات فى داخل الدول وخارجها، وذلك مع تصاعد أقطاب جديدة على المستوى الاستراتيجى والاقتصادى والعسكرى (الصين وروسيا) تُزاحِم القطب الواحد(الولايات المتحدة الأمريكية) المهيمن اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على معظم بلدان العالم، تلك الهيمنة التى أسفرت نتيجة للسياسات النيوليبرالية إلى استقطاب طبقى حاد داخل البلد الواحد وبين بلدان الشمال والجنوب، حيث أصبح هناك قلة من الأغنياء يملكون الثروة والسلطة تستحوذ على معظم على ثروات ودخل البلد، مع غالبية من الشعب الفقير.

نتج عن ذلك ارتفاع أسعار السلع الضرورية، وتردى الخدمات فى الصحة والتعليم، والتضخم والغلاء وطابور من البطالة، وأدى أيضا إلى استحواذ الدول الكبرى على ثروات البلدان التى تتبع لها ولسياستها، واتسعت الفجوة الكبيرة بين البلدان الرأسمالية المتوحشة الاستعمارية وبين بلدان العالم الثالث (النامية).

استتبع ذلك فى العشر سنوات الأخيرة الصراعات بين الدول الاستعمارية الكبرى على مناطق الثروات من أجل بسط نفوذها، ورأينا الصراع الأمريكى ضد روسيا والصين خوفا من تعدد الأقطاب وانهيار إمبراطورية القطب الأمريكى الواحد، ورفعت أمريكا فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب شعار “أمريكا أولا” وبدأت تنطلق من جانب مؤيدى ترامب شعارات عنصرية ضد المهجرين وضد المرأة وضد السود داخل أمريكا ونتج عن ذلك ما أطلق عليه اليمين الشعبوى.

وفى الفترة الأخيرة ونتيجة للسياسات النيو ليبرالية، بدأت فى أوروبا حركات شعبية ضد السياسات الحكومية، وكانت معظم هذه التحركات الشعبية خارج الأيدولوجيات وخارج الأحزاب القائمة وجمعت الكثيرمن المهمشين والشباب والفقراء والطلبة والعمال والمتقاعدين والمتعطلين وأطلق على هذه الحركات ماسمى ب “الحركات المواطنية وأبرزها “السترات الصفراء” فى فرنسا.

ونلاحظ ارتفاع الأصوات العنصرية فى العديد من بلدان أوروبا تحت شعار “القومية” والذى يعيد لنا عصر النازية والفاشية والعنصرية ضد المهجرين وضد الأعراق والديانات الأخرى داخل الدول الأوروبية. وأدى ذلك إلى تبلور قطب اليمين المتطرف والعنصرى فى عدد من البلدان منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، هذا من جهة ومن جهة أخرى بدأت تبلور التيار اليسارى أو الاشتراكى داخل هذه البلدان واستقطب الكثيرين تحت شعارات العدالة الاجتماعية لعلاج الأزمات الاقتصادية، وأعتقد أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى فرنسا وانجلترا وأيضا البرلمان الأوروبى تؤكد هذا الاستقطاب، لقد أصبحت الشعوب لاتثق فى سياسات أنظمتها القائمة وأصبحت تسعى للتغيير.

وإذا انتقلنا إلى دول أمريكا اللا تينية، والتى تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية الحديقة الخلفية لها وبالتالى تحرص على صعود أنظمة يمينية تابعة وخاضعة لسياساتها ، فى هذه الدول لتستمر فى استنزاف ثروات القارة الأمريكية الجنوبية.
قامت الثورة البوليفارية منذ أكثر من قرنين على يد “المحرر سيمون بوليفار” للتحرر من الاستعمار الأسبانى ونشر مبادىء المساواة والعدالة والإنصاف، ونتج عن تلك الثورة تحرر بلدان أمريكا اللاتينية، بل وقيام تحالفات بينها لمواجهة الإمبريالية الأمريكية فى العصر الحالى، مما تسبب فى غضب الولايات المتحدة الأمريكية التى ساعدت على قيام عدد من الانقلابات اليمينية والفاشية من أجل استمرار أنظمة خاضعة وتابعة، وأبرز مثال فى العقدين الأخيرين من القرن الواحد والعشرين، ماحدث من انقلابات ضد الرئيس الفنزويلى الراحل الزعيم والقائد الثورى هوجو تشافيز، وضد الرئيس الحالى نيكولاس مادورو اللذان سارا على نهج الثورة البوليفارية ووقفا فى مواجهة الإمبريالية الأمريكية ومدا أيديهم للدول المجاورة من أجل مصلحة شعوبهم.

لذا فرضت أمريكا عقوبات اقتصادية جائرة على فنزويلا منذ عام 2015، من أجل تجويع الشعب حتى يثور على حكومته ولكن الشعب الفنزويلى ضرب لنا مثلا فى الصمود والتصدى والحفاظ على استقراره وعزته وكرامته.

وفى الفترة الأخيرة نجد صعود حكم اليسار فى عدد كبير من بلدان القارة الجنوبية، وتعاون هذه الحكومات مع بعضها فى تكتلات سياسية واقتصادية ومنها تكتل “الميركوسور” السوق المشتركة الجنوبية، وهو تجمع لدول المخروط الجنوبى بقارة أمريكا اللاتينية (11 دولة) فى إطار اقتصادى، تأسس فى 26 مارس 1991، وتهدف مجموعة الميركوسور إلى تحقيق نوع من التكامل الاقتصادى بين أعضائها من خلال تعزيز التجارة البينية الحرة، وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع، وأصبحت ضمن أكبر القوى الاقتصادية فى العالم، وعلى المستوى السياسى التزمت بالعمل على تثبيت دعائم الحكم الديمقراطى فى أمريكا اللاتينية.

وفى شهر يونيو الماضى وصل إلى الحكم فى المكسيك إمرأة يسارية، وإننى أقول إن وجود إمرأة يسارية على رأس البلاد فى المكسيك يقتضى التعاون بين كل دول أمريكا اللاتينية التى يرأسها رؤساء يساريون مناهضون للإمبريالية الأمريكية، والساسيات النيو ليبرالية، التى تقوم على نهب ثروات بلادهم، وإخضاعهم للقطب الأمريكى المهيمن. ويقتضى أيضا تعزيز التعاون والشراكات من أجل نهضة بلدانهم، وتحقيق الرخاء والعدالة والاستقرار لشعوبهم، ويقتضى أيضا التعاون مع الأقطاب الصاعدة فى عالمنا الجديد، كالصين وروسيا، والشراكة معها على أساس احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية، وتقوم على المصلحة المشتركة والمصير المشترك.

وبعد قيام المقاومة الفلسطينية بعملية “طوفان الأقصى” ضد المحتل الصهيونى فى السابع من أكتوبر 2023، قامت الحكومة اليمينية المتطرفة العنصرية بعدوان وحشى على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة، وأيضا فى مدن الضفة الغربية، وقامت أمام أعين العالم بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى وخاصة النساء والأطفال، ومنعت المساعدات الإنسانية من مياه وغذاء ودواء ووقود عن قطاع غزة مما أدى لسقوط مزيد من الشهداء، وقامت بتدمير البنية التحتية للقطاع بما فيها محطات المياه والكهرباء والمدارس والملاجىء ومقار الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجيئن “الأونروا” وتعمدت قتل المئات من الأطباء والصحفيين والأكاديميين وبدأت فى تنفيذ مخططها فى التهجير القسرى للفلسطينيين من أجل التطهير العرقى وإقامة دولة قومية يهودية خالصة.

هذا العدوان الوحشى المستمر حتى الآن لعشرة أشهر أيقظ شعوب العالم على حقيقة الاحتلال الصهيونى الاستيطانى العنصرى وعدالة القضية الفلسطينية وحق المقاومة فى مواجهة الاحتلال، كما أيقظ الشعوب على حقيقة المؤسسات والدول الاستعمارية الرأسمالية المتوحشة التى تتشدق بأنها تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بينما هى تدافع عن مصلحة حكامها وتساند الكيان الصهيونى المجرم وتمده بالمال والسلاح، وفى مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، ونتيجة لهذا خرجت شعوب العالم فى جميع الدول ضد الكيان الصهيونى، وضد حكوماتها المشاركة فى دعم هذا العدوان، وطالبوا بوقف الحرب على الشعب الفلسطينى، ووقف الإبادة الجماعية، وإدخال المساعدات الإنسانية فورا، ومحاكمة مجرمى الحرب الصهاينة أمام المحاكم الدولية.

وأصبح هناك استقطاب حاد داخل البلدان فى كل دول العالم بين الشعوب الحرة الأبية التى تدعم الحق الفلسطينى من جهة، وبين الحكومات ومن يؤيدونهم من تكتلات المصالح التى تدعم الكيان المحتل العنصرى من جهة أخرى، والمثال على ذلك فى الانتخابات الأخيرة فى بعض الدول الأوروبية حيث كان التصويت لصالح الأحزاب والشخصيات التى تدعم حق الشعب الفلسطينى وضد الكيان العنصرى الصهيونى.
وفى الداخل الأمريكى خرج الشعب بالملايين ضد مساندة الكيان الصهيونى بالأموال والسلاح واتهموا الرئيس بايدن بالمشاركة فى الإبادة الجماعية للأطفال والنساء، وخرج اليهود الأمريكان المناهضين للفكرة الصهيونية الاستعمارية الاستيطانية، خرجوا لرفض العدوان الصهيونى على الفلسطينيين. ونجد الآن الاستقطابات الحادة فى الانتخابات الأمريكية بين الدىمقراطيين وبين الجمهوريين.

ومن وجهة نظرى أن أمريكا تحكم من خلال مؤسسات على رأسها المجمع الصناعى العسكرى، تعمل للحفاظ على المصالح الأمريكية والحفاظ على مناطق نفوذها وتعمل على المساندة الأبدية للكيان الصهيونى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وأيضا ينتشر اللوبى الاقتصادى الصهيونى الذى له التأثير القوى فى تمويل الحملات الانتخابية الرئاسية، بجانب ذلك ملايين الفقراء والسود والملونين من الجنسيات المختلفة، وأيضا الجالية العربية المسلمة والمسيحية، والمهجرين. كل ذلك سيكون له تأثيره فى الانتخابات الأمريكية. وعودنا التاريخ على أن أمريكا لم ولن تتخلى عن الكيان العنصرى فى حربه على الفلسطينيين سواء كان الرئيس من الحزب الجمهورى أو الديمقراطى ولكن قد يحدث تغير فى بعض السياسات الخارجية الأخرى الخاصة بالحرب الروسية الأوكرانية أو الصراع مع الصين وإيران. وهذا موضوع آخر يستحق نقاشا طويلا.

إن صعود تيار يمينى شعبوى أمريكى مؤيد لدونالد ترامب قد يحسم نتيجة الانتخابات الأمريكية فى نوفمبر القادم لصالح الحزب الجمهورى ومرشحه دونالد ترامب، وخاصة بعد انسحاب جو بايدن من الانتخابات الرئاسية نتيجة للأعراض الصحية الكبيرة التى يعانى منها بحكم تقدمه فى العمر، ونتيجه لنقص شعبيته نتيجة لسياساته الخارجية بدعمه لأوكرانيا فى حربها ضد روسيا، ووضع الدول الأوروبية أمام الأمر الواقع لدعم أوكرانيا ومحاولاته لتوريط حلف الأطلنطى فى الحرب ضد روسيا، بجانب فرضه للعقوبات الاقتصادية على روسيا مما تسبب فى أزمات اقتصادية للدول الأوروبية.
كما وضع بايدن ونيتانياهو العالم فى الشهور الأخيرة أمام تصعيد وتوسيع الحرب على غزة إقليميا ودوليا بما ينذر بحرب عالمية ثالثة وقد تكون حربا نووية، كل ذلك يرجح كفة دونالد ترامب الذى سيعمل بكل قوة على إنشاء الدولة القومية اليهودية.

وأمام هذه التطورات الخطيرة نجد البلدان ذات المصلحة المشتركة تتقارب وتعمل على بناء شراكات استراتيجية (الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا)، أيضا بلدان قارة أمريكا اللاتينية كما (أوردنا من قبل)، بجانب تبلور الحلف الأمريكى الصهيونى وتعاون العديد من الدول الأوروبية، وعدد من أنظمة الدول العربية الرجعية معه
وإذا كانت الشعوب تعى مصلحتها، فهل تدرس الأنظمة ماذا يدور فى العالم وتعمل لمصلحة شعوبها وبلدانها أم ستستمر فى سياسة التبعية لأمريكا لتحقيق مصلحتها على حساب تخلُف بلدانها وإفقار شعوبها،؟!

إننا نتطلع لرؤية عالم جديد متعدد الأقطاب خالٍ من الصراعات والحروب ويسوده العدل والمساواة والسلام تقوم العلاقات فيه على التعاون المشترك لتحقيق مصالح الشعوب وتحقيق النهضة والتقدم.

** تعبر المقالة عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة موقف شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية.

بواسطة: khelil

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

إقتباسات كلاسيكية للرئيس شي جين بينغ

في مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني

أخبار أذربيجان

الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء الصين

أنا سفير لبلدي لدى جمهورية الصين الشعبية

مبادرة الحزام والطريق

حقائق تايوان

حقائق شينجيانغ

حقائق هونغ كونغ

سياحة وثقافة

هيا نتعرف على الصين

أولمبياد بكين 2022

الدورتان السنويتان 2020-2024

النشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الإحصائيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *