— كلمة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جينبينغ في مؤتمر إحياء الذكرى السنوية الـ70 لإصدار المبادئ الخمسة للتعايش السلمي
(يوم 28 يونيو عام 2024)
الحضور الكرام وأصحاب السعادة المحترمون،
السيدات والسادة والأصدقاء،
كان الإصدار الرسمي للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي قبل 70 عاما عملا رائدا عظيما في العلاقات الدولية، وله دلالات فارقة كبيرة. نجتمع هنا اليوم بشكل يليق بعظمة مناسبة الذكرى السنوية الـ70 لإصدار المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، من أجل تكريس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي في ظل الأوضاع الجديدة، والعمل سويا على بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وتوفير قوة دافعة جبارة لتقدم الحضارة البشرية.
في البداية، يطيب لي أن أتقدم نيابة عن الصين حكومة وشعبا، وبالأصالة عن نفسي، بالترحيب الحار للضيوف الكرام والأصدقاء!
تبقى معالجة العلاقات بين الدول والحفاظ على السلام والأمن في العالم بشكل مشترك وتعزيز تنمية وتقدم البشرية جمعاء، من العناوين الهامة في المسيرة التاريخية لتقدم المجتمع البشري في العصر الحديث والمعاصر، التي لا تتوانى كافة الدول عن استكشافها.
كانت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي هي ما نادى به العصر وما اختاره التاريخ. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تنامت حركات الاستقلال والتحرر الوطنيين مع تفكك النظام الاستعماري في العالم. وفي نفس الوقت، كانت غيوم الحرب الباردة تلقي بظلالها على العالم ويتكاثر لغط نظرية “القوة هي الحق”. كانت الدول الجديدة التي نالت استقلالها للتو ترغب في الحفاظ على سيادتها الوطنية وتنمية اقتصادها القومي. وكانت الصين الجديدة تلتزم بالاستقلالية، وتعمل على تحقيق التعايش السلمي مع دول العالم وتحسين البيئة الخارجية خاصة البيئة المحيطة بها. على هذه الخلفية، طرحت القيادة الصينية لأول مرة المبادئ الخمسة بكامل أبعادها التي تشمل الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، وأدرجتها في البيان المشترك بين الصين والهند والبيان المشترك بين الصين وميانمار، وذلك من أجل الدعوة المشتركة إلى تحديد المبادئ الخمسة كقواعد أساسية تحكم العلاقات بين الدول.
ولدت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي في آسيا، وسرعان ما توجهت نحو العالم. في عام 1955، طرحت الدول المشاركة في مؤتمر باندونغ، التي كانت من آسيا وإفريقية وتجاوز عددها 20 دولة، المبادئ العشرة لمعالجة العلاقات بين الدول بناء على المبادئ الخمسة، ودعت إلى روح باندونغ المتمثلة في الوحدة والصداقة والتعاون. واتخذت حركة عدم الانحياز التي نشأت في الستينات من القرن الماضي المبادئ الخمسة كمبادئ توجيهية لها. وتم إدراج المبادئ الخمسة بوضوح في كل من “إعلان مبادئ العلاقات الدولية” الذي اعتمد في الدورة الـ25 للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1970 و”الإعلان المتعلق بإقامة نظام اقتصادي دولي جديد” الذي اعتمد في الدورة الاستثنائية السادسة للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974. وأدرجت المبادئ الخمسة على التوالي في سلسلة من الوثائق الدولية الهامة، وتم قبولها وانتهاجها على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي.
على مدى العقود السبعة الماضية، تجاوزت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي المكانَ والزمان مهما كانت الفوارق، وازدادت متانتها وحداثتها على مر الزمان، وهي أصبحت من القواعد الأساسية للعلاقات الدولية والمبادئ الأساسية للقانون الدولي التي تتميز بالانفتاح والشمول والنطاق الواسع للتطبيق، الأمر الذي قدم مساهمة تاريخية لا تمحى لقضية تقدم البشرية.
أولا، وضعت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي معيارا تاريخيا للعلاقات الدولية وسيادة القانون الدولي. تجسد المبادئ الخمسة بجلاء مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتتماشى مع تيار العصر لتطور العلاقات الدولية، وتتفق مع المصالح الأساسية لشعوب العالم. وفي نفس الوقت، تؤكد المبادئ الخمسة على متطلبات “التبادل” و”المساواة” في معالجة العلاقات بين الدول، وتبرز روح سيادة القانون الدولي التي توحّد الحقوق والالتزامات والمسؤوليات للدول. كما تغطي المبادئ الخمسة القواعد الأساسية للتعايش السلمي بين الدول في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والدبلوماسية، وتوفر قواعد السلوك الدقيقة والواضحة والفعالة للدول عند تنفيذ روح سيادة القانون الدولي وتحديد الطريق الصحيح للتعامل مع بعضها البعض.
ثانيا، قدمت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي إرشادا صائبا لإقامة وتطوير العلاقات بين الدول ذات النظم الاجتماعية المختلفة. يمكن للدول، حتى ولو كانت تختلف من حيث النظام الاجتماعي والأيديولوجيا والتاريخ والثقافة والدين والمعتقدات ومستوى التنمية والحجم، أن تقيم وتطور علاقات من الثقة المتبادلة والصداقة والتعاون فيما بينها، طالما تلتزم بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي. قد شقت المبادئ الخمسة طريقا جديدا للتسوية السلمية للقضايا العالقة بين الدول في التاريخ والنزاعات الدولية، وتجاوزت المفاهيم العتيقة والضيقة مثل “سياسة التكتلات” و”نطاق النفوذ” وعقلية الاستقطاب والمواجهة.
ثالثا، حشدت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي قوة جبارة للوحدة والتعاون والتقوية الذاتية عبر التضامن بين الدول النامية. تجسد المبادئ الخمسة التأمل العميق للدول النامية في تغيير مصيرها والسعي إلى الإصلاح والتقدم. هناك عدد متزايد من الدول في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تضامنت وتبادلت الدعم، مشجعة بالمبادئ الخمسة، وهي قاومت بقوة التدخلات الخارجية، ونجحت في شق الطرق التنموية المستقلة. كما ساهمت المبادئ الخمسة في تعزيز التعاون بين الجنوب والجنوب، وتحسين وتطوير العلاقات بين الجنوب والشمال.
رابعا، ساهمت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بحكمتها التاريخية في إصلاح النظام الدولي واستكماله. انطلقت المبادئ الخمسة من الحفاظ على مصالح الدول الضعيفة والصغيرة ومطالبها في بيئة سياسة القوة، ورفضت بكل الوضوح الإمبريالية والاستعمارية والهيمنة، ونبذت قانون الغابة المتمثل في الإدمان في الحرب وتنمر القوي على الضعيف، مما أرسى أساسا فكريا مهما لدفع تطور النظام الدولي على نحو اتجاه أكثر عدلا وإنصافا.
أصبحت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بعد صمودها أمام اختبار الزمان لمدة 70 عاما، كنزا مشتركا للمجتمع الدولي، وهي تستحق الاعتزاز بها وتوارثها وتكريسها بكل العناية. بهذه المناسبة، يطيب لي أن أحي الجيل القديم من القادة الذين دعوا سويا إلى المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وأتقدم بالاحترام العالي لأصحاب الرؤية الثاقبة من الدول المختلفة الذين يتمسكون منذ زمن طويل بتكريس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي.
السيدات والسادة والأصدقاء!
يتطور التاريخ إلى الأمام كسباق التتابع، وتمضي قضية تقدم البشرية إلى الأمام عبر الإجابة عن أسئلة العصر. قبل 70 عاما، وفي وجه المحنة المؤلمة الناتجة عن الحرب الساخنة والانقسام والمجابهة الناجمين عن الحرب الباردة، أعطى ذلك الجيل من الناس جوابهم التاريخي حرصا على الحفاظ على السلام والدفاع عن السيادة، ألا وهو المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. صمد هذا الجواب أمام اختبارات تغيرات الأوضاع الدولية، ولم يبهت أو يعفُ عليه الزمن، بل يزداد لمعانُه ويلفت مزيدا من الأنظار. أما في يومنا هذا بعد 70 عاما، وفي وجه الموضوع الهام المتمثل في “ما هو العالم الذي يجب بناؤه وكيف بناء هذا العالم”، أعطت الصين جوابها في هذا العصر، ألا وهو بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. قد توسّع مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية الآن من مبادرة صينية إلى توافق دولي، وتحول من رؤية جميلة إلى ممارسات وفيرة، وهو يدفع العالم بقوة نحو مستقبل مشرق ينعم بالسلام والأمن والازدهار والتقدم.
ينحدر مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي من أصل واحد، إذ يتأصل كلاهما في الثقافة التقليدية الصينية المتميزة التي تدعو إلى حسن الجوار والوفاء بالعهود والوئام بين الدول، ويجسد كلاهما ميزة الدبلوماسية الصينية التي تتسم بالثقة بالنفس والاستقلالية والتمسك بالعدالة ومساعدة الضعفاء ونصرة الحق، ويعكس كلاهما الطموح العالمي للشيوعيين الصينيين بشأن تقديم مساهمات جديدة وأكبر للبشرية، ويظهر كلاهما العزيمة الصينية الثابتة على سلك طريق التنمية السلمية. وإن مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية خير وراثة وتكريس وترقية للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي في ظل الأوضاع الجديدة.
يقوم هذا المفهوم على أساس الواقع الموضوعي المتمثل في تشارك الدول في المصير والمستقبل والسراء والضراء، مما نصب قدوة جديدة للمساواة والتعايش. تدعو الصين إلى أن جميع الدول أعضاء متساوية في المجتمع الدولي مهما كان جحمها أو قوتها أو ثروتها، وتتشارك في المصالح والحقوق والمسؤولية في الشؤون الدولية، وتعمل يدا بيد على مواجهة التحديات وتحقيق الازدهار المشترك وبناء عالم نظيف وجميل يسوده السلام الدائم والأمن العالمي والازدهار المشترك والانفتاح والشمول، وتدفع التعايش السلمي الذي ينعم بمزيد من الأمن والازدهار للمجتمع البشري.
يتماشى هذا المفهوم مع تيار العصر المتمثل في السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك، مما فتح أفقا جديدا للسلام والتقدم. تدعو الصين كافة الأطراف إلى أخذ مستقبل البشرية ورفاهية الشعوب بعين الاعتبار، والتمسك بالمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي كالغاية الأصلية، وتكريس القيم المشتركة للبشرية جمعاء، وتدعيم الحوكمة العالمية القائمة على التشاور والتعاون والنفع للجميع، وإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية، وتنفيذ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، والتعاون في بناء “الحزام والطريق” بجودة عالية، بما يزيد من المصالح المشتركة لشعوب العالم.
ينطلق هذا المفهوم من الزخم التاريخي المتمثل في تعددية الأقطاب العالمية والعولمة الاقتصادية، مما أثرى الممارسات الجديدة في مجالي التنمية والأمن. تتضامن الصين مع كافة الأطراف لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية على نحو معمق وملموس، حيث تم تحقيق قفزة تاريخية له من المستوى الثنائي إلى المستوى المتعدد الأطراف، ومن المستوى الإقليمي إلى المستوى العالمي، ومن مجال التنمية إلى مجال الأمن، ومن التعاون إلى الحوكمة، مما قاد ودفع بقوة تعددية الأقطاب العالمية المتسمة بالمساواة والانتظام والعولمة الاقتصادية المتسمة بالشمول والنفع للجميع، وعاد بفوائد السلام والاستقرار على المجتمع الدولي، وزاد من الرفاهية لشعوب العالم لتحقيق الازدهار والتنمية.
عندما نستعرض الماضي ونستشرف المستقبل في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ، نؤكد أن استكشافنا للحضارة البشرية وجهودنا لبناء عالم جميل لن تتوقف. لا يمكن تغيير الواقع الأساسي المتمثل في أنه لا توجد في الكون إلا كرة أرضية واحدة وتعيش البشرية في ديار واحدة، مهما كانت تطورات العالم. علينا أن نعتز بالكرة الأرضية ونحميها بعناية، لترك أرض صالح للعيش للأجيال القادمة.
أمامنا مستقبل يستحق التطلع إليه، وتحديات يجب مواجهتها. في وجه الخيار التاريخي بين السلام والحرب، وبين الازدهار والركود، وبين التضامن والمواجهة، نحتاج بشكل أكثر من أي وقت مضى إلى تكريس روح المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وبذل جهود دؤوبة لتحقيق الهدف السامي المتمثل في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
يتعين علينا الالتزام بمبدأ المساواة في السيادة. إن جوهر المبادئ الخمسة للتعايش السلمي يكمن في المساواة في السيادة لجميع الدول، والدفع بتحقيق المساواة بين الدول من حيث الحقوق والفرص والقواعد على هذا الأساس، ولا يجوز استئساد الدول الكبيرة والقوية والغنية على الدول الصغيرة والضعيفة والفقيرة. إن الدعوة إلى تعددية الأقطاب العالمية المتسمة بالمساواة والانتظام تعني تمكين كافة الدول من إيجاد موقعها في المنظومة المتعددة الأقطاب ولعب دورها المطلوب بشرط الالتزام بالقانون الدولي، وضمان الاستقرار العام والطابع البناء لعملية تعددية الأقطاب العالمية.
يتعين علينا ترسيخ أساس الاحترام المتبادل. يجب على دول العالم أن تعطي الأولوية لمبادئ المعاملة على قدم المساواة والاحترام المتبادل والثقة المتبادلة عندما تتعامل مع بعضها البعض. يجب احترام التقاليد التاريخية والثقافية والمراحل التنموية المختلفة للدول، واحترام مصالحها الجوهرية وهمومها الكبرى، واحترام الطرق التنموية والنظم والأنماط التي اختارها أبناء الشعوب بإرادتهم المستقلة. ويجب العمل سويا على الحفاظ على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى على نحو جيد باعتباره “قاعدة ذهبية”، ورفض سويا فرض الإرادة على الآخرين، ورفض اللجوء إلى المواجهة بين المعسكرات أو تشكيل “الدوائر الضيقة” بأنواع مختلفة، ورفض إجبار الدول الأخرى على الاصطفاف.
يتعين علينا تحقيق رؤية السلام والأمن. يعلمنا التاريخ والواقع أنه من الضروري لجميع الدول أن تتحمل مسؤولية مشتركة للحفاظ على السلام، وتسير سويا على طريق التنمية السلمية، وتسعى وراء السلام وتحافظ عليه وتتمتع به بشكل مشترك. في يومنا الذي تعتمد فيه الدول على بعضها البعض، يكون السعي وراء الأمن المطلق أو الانفراد بالأمن بمثابة طريق مسدود. أما مبادرة الأمن العالمي التي طرحها الجانب الصيني، تدعو إلى تنفيذ مفهوم الأمن المشترك والمتكامل والتعاوني والمستدام، وتدعيم التنمية والأمن من خلال التعاون، وبناء منظومة أمنية أكثر توازنا وفعالية واستدامة.
يتعين علينا حشد قوة دافعة لتحقيق الازدهار المشترك. هناك مثل صيني قديم يقول إن “الرجل الفاضل يحب الآخرين والرجل الحكيم يفيد الآخرين”. وهناك مثل من أمريكا اللاتينية يقول أيضا إن “ما يفيد العالم يفيد وطننا”، فضلا عن مثل عربي يقول “باتحاده يشتعل الفحم وبتفريقه ينطفئ”. في ظل عصر العولمة الاقتصادية، ما نحتاج إليه هو بناء جسر التواصل وتمهيد طريق التعاون بدلا من خلق هوة الانقسام وإسدال الستار الحديدي للمواجهة. إن ما قمنا به من الدعوة إلى العولمة الاقتصادية المتسمة بالنفع للجميع والشمول والدفع ببناء مبادرة “الحزام والطريق” بجودة عالية وتنفيذ مبادرة التنمية العالمية، يهدف إلى استفادة الجميع من فوائد النمو ودفع الطريق التنموي نحو الشمول، وجعل شعوب الدول تتقاسم فرص التنمية وثمارها، وجعل الدول في القرية الكونية تسعى معا إلى التنمية والازدهار، وجعل مفهوم الفوز المشترك يكون توافقا.
يتعين علينا الالتزام بمفهوم العدالة والإنصاف. في حالة غياب العدالة والإنصاف، ستتصرف سياسة القوة بلا رادع ووازع ويصبح العالم غابة يفترس فيها القوي الضعيف. في وجه الأوضاع والتحديات الجديدة، من الضروري تعزيز مصداقية الأمم المتحدة ومكانتها الجوهرية بدلا من إضعافها. لم يعف الزمن على مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة، بل تتزايد أهميتها. إن الدعوة إلى مفهوم الحوكمة العالمية المتسمة بالتشاور والتعاون والنفع للجميع وتنفيذ تعددية الأطراف الحقيقية لأمر يتطلب مشاركة جميع الدول في صياغة القواعد الدولية والحفاظ عليها بشكل مشترك. يجب التعامل مع شؤون العالم عبر التشاور بين الدول، ولا يمكن السماح لصاحب العضلات باحتكار القرار.
يتعين علينا إظهار الصدر المنفتح والمتسامح. تتشارك دول العالم في مستقبل واحد، كأنها على متن سفينة كبيرة تحمل التطلعات للسلام والازدهار الاقتصادي وتقدم التكنولوجيا، وتنوع الحضارات وحلم البشرية للتنمية المستدامة. تلاقت الحضارات المتنوعة في العصور الماضية وتبادلت الإنجاح لبعضها البعض، وساهمت بشكل مشترك في دفع التطور والازدهار الكبيرين للمجتمع البشري، وسجلت صفحات باهرة من التواصل وتبادل الاستفادة والإعجاب. يسعى الجانب الصيني من خلال طرح مبادرة الحضارة العالمية إلى تعزيز التعارف والتقارب بين شعوب العالم وتدعيم التسامح والاستفادة المتبادلة بين الحضارات المختلفة. يتسع هذا العالم بما فيه الكفاية للتنمية المشتركة والتقدم المشترك لجميع الدول. ويمكن للحضارات المختلفة أن تتعزز وتتكامل وتتلألأ من خلال المعاملة على قدم المساواة والتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة.
السيدات والسادة والأصدقاء،
قد أثبت 70 عاما من مسيرة التطور مرارا وتكرارا أن تعزيز التضامن والتعاون وتدعيم التواصل والتفاهم لأمر يمثل الطريق الفعال الذي تلجأ إليه دول العالم لمواجهة التحديات وخلق المستقبل. في العالم اليوم، يتعاظم زخم “الجنوب العالمي” بشكل ملحوظ، وهو يلعب دورا حاسما في الدفع بتقدم البشرية. عند نقطة انطلاق جديدة من التاريخ، ينبغي أن يمضي “الجنوب العالمي” قدما يدا بيد بموقف أكثر انفتاحا وشمولا، في طليعة بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
علينا أن نكون قوة مستقرة تسهم في الحفاظ على السلام، وندفع بتسوية الخلافات والنزاعات بين الدول عبر طرق سلمية، ونشارك بشكل بناء في حل القضايا الدولية والإقليمية الساخنة سياسيا. علينا أن نكون قوة جوهرية للانفتاح والتنمية، وندفع بإعادة التنمية إلى مقدمة الأجندة الدولية وإحياء علاقات شراكة التنمية العالمية وتعميق تعاون الجنوب الجنوب والحوار بين الجنوب والشمال. علينا أن نكون قوة بناءة في الحوكمة العالمية، ونشارك بنشاط في إصلاح وبناء نظام الحوكمة العالمية، ونبذل جهودا لتوسيع المصالح المشتركة بين جميع الأطراف، ونجعل هيكل الحوكمة العالمية أكثر توازنا وفعالية. علينا أن نكون قوة دافعة لتبادل الاستفادة بين الحضارات، ونعزز التواصل والحوار بين الحضارات المختلفة لدى دول العالم ونكثف التبادلات حول الإدارة والحوكمة ونعمق التواصل في مجالات التعليم والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والحكومات المحلية والتبادلات الشعبية والشباب.
ومن أجل دعم تعاون “الجنوب العالمي” على نحو أفضل، سينشئ الجانب الصيني مركز الدراسات لـ”الجنوب العالمي”، وسيقدم 1000 منحة دراسية في إطار “منحة التفوق الدراسية للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي”، و100 ألف فرصة للدراسة والتدريب لدول “الجنوب العالمي” في السنوات الخمس المقبلة، مع إطلاق برنامج الرواد الشباب من “الجنوب العالمي”. وسيواصل الجانب الصيني تفعيل دور صندوق الصين والأمم المتحدة للسلام والتنمية وصندوق التنمية العالمية وتعاون الجنوب الجنوب وصندوق التعاون فيما بين بلدان الجنوب بشأن تغير المناخ، والتعاون مع الأطراف المعنية لإنشاء المركز النموذجي للتعاون الثلاثي لتنفيذ مبادرة التنمية العالمية، وذلك في سبيل دعم التنمية الاقتصادية لدول “الجنوب العالمي”. وسيمدد الجانب الصيني صندوق التعاون بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي في إطار الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ويقدم له تبرعا إضافيا بقيمة ما يعادل 10 ملايين دولار أمريكي من الرنمينبي، وذلك من أجل دعم التنمية الزراعية لـ”الجنوب العالمي”. يحرص الجانب الصيني على التشاور مع مزيد من دول “الجنوب العالمي” حول ترتيبات التجارة الحرة، ويواصل دعم ما أطلقته منظمة التجارة العالمية من مبادرة المساعدة من أجل التجارة، ويواصل تمويل “برنامج الصين”، ويرحب بمزيد من دول “الجنوب العالمي” للانضمام إلى المبادرة بشأن إطار التعاون التجاري والاقتصادي الدولي للاقتصاد الرقمي والتنمية الخضراء. من الآن إلى عام 2030، من المتوقع أن يتجاوز إجمالي قيمة الواردات الصينية من الدول النامية 8 تريليونات دولار أمريكي.
السيدات والسادة والأصدقاء،
لقد أصبحت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي التي تم وضعها في الدستور الصيني منذ زمن بعيد حجر الأساس لسياسة الصين الخارجية المستقلة السلمية. في الوقت الراهن، تعمل الصين على دفع القضية العظيمة بشأن بناء دولة قوية وتحقيق نهضة الأمة على نحو شامل من خلال التحديث الصيني النمط. ستواصل الصين في المسيرة الجديدة تكريس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، والعمل مع دول العالم يدا بيد على الدفع ببناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، بما يقدم مساهمات جديدة وأكبر للحفاظ على السلام في العالم وتدعيم التنمية المشتركة.
لن تتغير عزيمة الصين على سلك طريق التنمية السلمية. لن نسلك أبدا الطريق القديم من الاستعمار والنهب، أو الطريق المنحرف من حتمية الهيمنة للدول التي أصبحت قوية، بل سنسلك الطريق المستقيم من التنمية السلمية. تملك الصين أفضل سجل من بين الدول الكبيرة في العالم فيما يخص قضية السلام والأمن. نعمل على استكشاف حلول ذات خصائص صينية للقضايا الساخنة، ونلعب دورا بناء في الأزمة الأوكرانية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمسائل المتعلقة بشبه الجزيرة الكورية وإيران وميانمار وأفغانستان. إن ازدياد القوة الصينية يعنى زيادة الأمل للسلام في العالم.
لن تتغير عزيمة الصين على تعزيز الصداقة والتعاون مع كافة الدول. نسعى بنشاط إلى توسيع علاقات الشراكة العالمية المتسمة بالمساواة والانفتاح والتعاون، ونعمل على توسيع القواسم المشتركة للمصالح مع دول العالم. تعزّز الصين التنسيق والتفاعل الإيجابي للدول الكبيرة، وتدفع بتشكيل معادلة للعلاقات بين الدول الكبيرة تتميز بالتعايش السلمي والاستقرار العام والتنمية المتوازنة. وتعمّق الصين الصداقة والثقة المتبادلة واندماج المصالح مع دول الجوار التزاما بمفهوم الحميمية والصدق والترابح والتسامح ومبادئ الدبلوماسية تجاه دول الجوار المتمثلة في الصداقة والشراكة مع الجيران. وتعزّز الصين التضامن والتعاون مع الدول النامية وتحافظ على المصالح المشتركة للدول النامية التزاما بمفهوم الشفافية والعملية والحميمية والصدق والفهم الصحيح للمسؤولية الأخلاقية والمصلحة. وتطبّق الصين تعددية الأطراف الحقيقية، وتشارك بنشاط في إصلاح واستكمال منظومة الحوكمة العالمية.
لن تتغير عزيمة الصين على تعزيز التنمية المشتركة في العالم. توفر التنمية الاقتصادية العالية الجودة في الصين قوة دافعة قوية للنمو الاقتصادي في العالم. وإن دخول أبناء الشعب الصيني البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة إلى المجتمع الحديث ككل يعني خلق سوق ضخمة أخرى يتجاوز حجمها إجمالي الحجم الراهن للدول المتقدمة. ستفتح الصين أبوابها على الخارج أوسع فأوسع، ولن تغلقها أبدا. نقوم حاليا بتخطيط وتنفيذ إجراءات هامة لزيادة تعميق الإصلاح على نحو شامل، بهدف مواصلة توسيع الانفتاح المؤسسي، وخلق بيئة أعمال تحكمها بشكل أكثر قواعد السوق وسيادة القانون والمعايير الدولية. إن بناء “الفناء الصغير المحاط بالجدار العالي” و”فك الارتباط وقطع السلاسل” يعاكس تيار التاريخ، ولا يضر إلا بالمصالح المشتركة للمجتمع الدولي.
السيدات والسادة والأصدقاء،
قال أحد رواد الثورة الصينية قبل 100 عام إن “طريق التاريخ ليس ممهدا بجميع أقسامه، وتكتنفه في بعض الأحيان صعوبات وعقبات لا يمكن تجاوزها إلا بالروح البطولية”. اليوم، تسلم جيلنا بشكل تاريخي عصا التتابع لقضية السلام والتنمية للبشرية. لنتخذ الذكرى الـ70 لإصدار المبادئ الخمسة للتعايش السلمي كنقطة انطلاق جديدة ونتحمل الرسالة التاريخية ونتقدم يدا بيد إلى الأمام بكل الشجاعة والحزم وندفع ببناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية ونخلق مستقبلا أجمل للمجتمع البشري!
شكرا للجميع.