شبكة طريق الحرير الإخبارية/ خاص بالشبكة/
بقلم: د. بن منصور إلهام
نشأت العلاقة بين الصّين والجزائر منذ منتصف القرن العشرين بعد أن تقاسما نفس المعاناة والإبادة وعاشا أفظع الجرائم الإنسانيّة والممارسات الرّهيبة جرّاء الإستعمار،وبعد أن إستقلت الصّين سنة 1948م ساندت الحركات التحرريّة للثورة الجزائريّة ضدّ الإستعمار الفرنسي لحين إنتزاع الجزائر لحرّيتها سنة1962م،ومنذ ذلك الحين تكاتفت الجهود الجزائرية الصّينيّة لتشكيل قوّة دوليّة صاعدة عبر إلتزام الطرفين بجملة من المبادئ المبنيّة على الإحترام المتبادل والمصلحة المشتركة والسعي لتعزيز علاقات الودّ والتعاون الدّائم ،بحيث عملا الأخيرين على التّنسيق والتّقارب في العلاقات على جُلِّ الأصعدة الإقتصاديّة والعسكريّة والسّياسيّة…لتصل العلاقة الوطيدة إلى توقيع إتّفاقيّة التعاون الإستراتيجي الشّامل وعليه نطرح إشكاليّة مفادها:
ما طبيعة العلاقات الصينية الجزائرية؟ وما مستقبل التعاون الإستراتيجي بين البلدين؟
بعد أن إنتزعت الجزائر إستقلالها سنة 1962م تطوّرت العلاقات الثّنائيّة بين الطّرفين لتساهم الجزائر بشكل فاعل في إستعادة الصّين لمقعدها الشّرعي في الأمم المتّحدة،كما دعمت الأعمال التّحضيريّة لمنتدى التّعاون الصّيني الإفريقي نتيجة رئاستها لمنظّمة الوحدة الإفريقيّة خلال الفترة 1999م و2000م.
في عام 2004م تبادل الرّئيسين “هوجين تاو” و”عبد العزيز بوتفليقة” زيارات عمل كثيرة بحيث تمّ التّوقيع على عدّة إتّفاقيات هادفة لتعزيز التّعاون وتوقيع بيان بخصوص تطوير علاقات التعاون الإستراتيجيّة في نوفمبر 2006م.
في 2014م وبالتحديد في 6 جوان تمّ التّوقيع على الخطّة الخماسيّة للتّعاون الإستراتيجي الشّامل وقد أعرب الصّين عن شكره للجزائر على دعمها لإنجاح الإجتماع الوزاري السّادس لمنتدى التّعاون الصّيني العربي،ومن هنا إرتقت العلاقات الصينيّة الجزائريّة،لتكون الجزائر أوّل دولة عربيّة تُقيم معها الصّين شراكة إستراتيجيّة سنة 2014 لتتبلور في بناء مشروع الحزام والطريق الذي انطلق سنة 2013 وإنظمت إليه الجزائر فعليّا سنة 2018م.
طبيعة التعاون المشترك في المجال الإقتصادي:
إستعانت الجزائر بخبرة الصّين في تنويع الدّخل لأجل التّحرّر من التّبعيّة للّريع النفطي والبحث عن مصادر بديلة عن الطاقة لتصبح الصّين سوقا للصين في شمال افريقيا،ففي 2019م كانت الصين الممول الاول للجزائر بنسبة 18 بالمائة،فضلا عن مشروع منجم الحديد بتندوف الذي سيكون تمويله بالإشتراك بين البلدين،دون أن ننسى مشروع بناء ميناء الحمدانيّة أكبر ميناء بالعالم.
طبيعة التعاون المشترك في الجانب العسكري:
وقد شهد التعاون المشترك في الجانب العسكري إنتعاشا بين الطرفين في السّنوات الأخيرة بإعتبار الصّين من أكبر المؤسّسات العسكريّة نظرا لتفوّقها من حيث التّقنيات والكفاءات التكنولوجيّة والقوّة النّوويّة فضلا عن شروعها في إنتاج معدّات أكثر تقدّماً،وبهذا صارت الجزائر أوّل مشتري للسّلاح الصّيني في البلاد العربيّة ففي ماي 2017 دخل السّوق الجزائريّة مدافع “هاوتز ذاتية الدفع” من صنع صيني و50 صاروخاً مضاد للسّفن وصواريخ أرض جو…فالجزائر أصبحت تعمل على جعل جيشها الأحدث تطوّرا في إفريقيا.
طبيعة التعاون المشترك في الجانب التكنولوجي والعلمي:
عمل الطّرفين منذ بداية التّعاون بينهما على تسطير مشاريع علميّة وذلك بتوأمة الجامعات الجزائريّة الصّينيّة وتبادل المُحاضِرين والمشاركة المتبادلة في الملتقيات والتّظاهرات العلميّة،إضافة إلى تشجيع طلبة الدكتوراه والباحثين في كلا البلدين وتشجيع تعليم اللغة الصّينيّة بالجزائرعلى أمل فتح مركز ثقافي صيني في الوطن.
طبيعة التعاون المشترك في مجال الفضاء:
تمّ إطلاق أوّل مشروع تعاون بين البلدين في ديسمبر 2017م،عبر إطلاق القمر الصّناعي الجزائري على متن صاروخ من مركز “شيتشانغ” في جنوب غربي الصّين والّذي يستخدم لأغراض البثّ التلفزيوني والتّعليم عن بعد.
أمّا عن طبيعة التعاون الصّحّي المشترك:
وتبلور بوضوح التّعاون الصّحّي ببداية جائحة كورونا وتفشّي الوباء في الصّين لتكون الجزائر في مقدّمة المساعدين للصّين بالمنتجات والمواد الطّبّيّة، ليمدّ هو الآخر الجزائر بعد تغلغل الوباء وتوسّعه فيها بمجموعة من الدّفعات من الأدوية و250.000 كمّامات طبّيّة وفريقا من الأطبّاء المتخصّصين للإستفادة من تجربتهم في التّشخيص للمرض وطرق العلاج واللّقاحات الأكثر نجاحا..
مستقبل التعاون بين الصين والجزائر(2023-2030):
يمكن صياغة عدّة سيناريوهات حول مستقبل التّعاون الجزائري الصّيني وذلك إنطلاقا من معطيات ومتغيّرات موجودة وعليه نجد سيناريوهين هما الأقرب:
إرتفاع التّعاون الصّيني الجزائري مستقبلا:
وبهذا يبقى سيناريو دوام التّعاون بين الصّين والجزائر الأكثر منطقا…
إنخفاض التّعاون الصّيني الجزائري مستقبلا:
خــاتمـــة:
*من خلال ما سبق يمكن الخروج بنتائج مهمّة بأنّ العلاقة بين الطّرفين تتأرجح بين التّوطيد والإنحلال لكن في المجمل نجد أنّ الجزائر في موقع الرّابح في العلاقة المشتركة فالصّين تبني سياستها على مقاربة المنفعة المتبادلة (رابح/رابح) مما يجعلها في الميلة الأثقل مقارنة بالتّشارك مع الدول الغربيّة المهيمنة بأسلوبها الإستغلالي.
إلاّ أنّ الشّراكة الحقيقيّة المتينة لا يجب أن تُبنى على إستيراد منتج بنوعيّة متدنية بل يجب تجديد شروط التعامل بنوعيّة جيّدة وأسعار معقولة.
مع ضرورة تشجيع الإستثمارات والأعمال الصّينيّة في الجزائر لما له من أثر بالغ على التّخفيف من البطالة بتوفير قرابة 3000 منصب عمل وأرباح طائلة.
*دكتورة إلهام بن منصور- تلمسان، الجزائر