Wednesday 25th December 2024
شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

 التَّقارب الدَّلاليِّ بينَ حِكمَ كونفُوشيُوس الصِّينيِّة والأمثال الشعبيَّة الجزائريَّة

منذ 8 أشهر في 16/أبريل/2024

شبكة طريق الحرير الإخبارية/ خاص/

 

 التَّقارب الدَّلاليِّ بينَ حِكمَ كونفُوشيُوس الصِّينيِّة والأمثال الشعبيَّة الجزائريَّة

 

بقلم: محمد الأمين معطى الله

 

يَعجُّ التراثُ الصينيِّ بآلافِ الحِكمِ التي تُعبِّرُ عن فطنةِ ذلكَ الشعَّبِ ونضوجِ عقلهِ، واقتِفائِهِ لوصايَا أجدادهِ  باعتِبَارِهَا السَّبيلُ الأمثلِ لتجَاوزِ محنِ الحياةِ ومَصاعبهَا، وعليهِ فليسَ من العَجبِ أن نرى الشَّعب الصِّينيِّ يرتقيِّ رويدًا رويدًا في معراجِ الحضارةِ، بل وشارَفَ علَى حيازةِ الرِّيادةِ في شتَّى مجالاتِ العلومِ والفنونِ والتكنولوجيَا مُتجاوزًا دولًا عملاقةً كانت قد سبَقتهُ إلى ذلكَ، وبالعودةِ إلى سرِّ هذا النَّجاح فمردُّهُ عدمُ تخليِّ الشّعبِ الصينيِّ على تراثِ حُكمَائهِ في صورةِ كونفوشيوس ابنِ مُقاطعةِ شان دونغ الذي يُعتبَرُ مثالا عظيما في توريدِ الدُّروسِ التربويَّة والروحيَّة إلى تلامذتِه، هؤلاءِ الذينَ تكفَّلوا بدورهِم نقل أعمال المعلم الأولِ إلى كافةِ أطيافِ الشَّعب، لتغتديَ فلسفتهُ السلوكيَّة مُلازمةً للشَّخصيَّة الصينيَّة في مدرجِ نشوئِهَا التَّعليميِّ والتربويِّ.

وقد عزمنَا عَلَى عقدِ مُقارنةٍ دلاليَّة بينَ حكمِ كونفوشيوس الصينيَّةِ والأمثال الشعبيَّةِ الجزائريَّة، وهذا نظيرَ التَّشابهُ الثقافيِّ بينَ الشَّعبين رغم التباعدُ الجغرافي بينهمَا، فالشَّعب الصِّيني شديد الارتباطِ بتراثهِ، قليلُ الهوسِ بحداثةِ الغربِ وزيفِهَا، كذلكَ الشعبُ الجزائريِّ الذي حاربَ تيارات المسخِ الفرنسيَّة بالتسانُدِ إلى المرجعيَّةِ القوميَّةِ والدينيَّة التي خلَّفها لهُ أجدَادُهُ كإرثٍ ضخمٍ يأبى أَن يتقوَّض.

وتبدو تلكَ العلاقةِ أكثر حميميَّة في ضوءِ مخرجاتِ التَّاريخِ الحديثِ، فالصِّين لم تتوانَ في دعمِ القضيَّة الجزائريَّة بالمالِ والسَّلاحِ وتدريبِ الثوارِ في ميدانِ التكتيكِ الحربيِّ، والاعترافِ بالحكومةِ الجزائريَّة المؤقَّتةِ.

وبُعيدَ الاستقلال زارَ الرئيسُ الصينيِّ شُو إن لاي الجزائر وبالضبط سنة 1964 فعقدَ اتفاقياتٍ تجاريَّة واقتصاديَّة ضخمة مع القائمين على تسيير البلد، ومنذ ذاكَ الوقت أخذت العلاقَة بالاتساعُ والارتقاءِ لتشملُ المناخ الثقافيِّ، حيثُ لا يمكنُ نسيان صنيع الصين الثقافيِّ التي وهبت للجزائر “الصرح المسرحيِّ العظيم “أوبرا الجزائر”  لتردَّ الجزائر الجميلَ بتكريمها للأديب الصينيِّ العملاق موه يان الحاصل على جائزةِ نوبل للآداب سنةَ 2012 بوسام استحقاق من نوع الأثير”[1].

والمثلُ في تجليَّاتهِ المعجميِّة هو “النَّظيرُ والتَّسويةُ والمشاكلةُ”[2] كما ذهبَ إليهِ ابن منظورُ، كأن نقولَ مثلًا :هذَا الشَّخصُ يماثلني في براعتيِّ العلميَّة أي يُشاكلنيِّ ويناظرنيِّ.

أما اصطلاحًا فهو جملةٌ من القواعدِ اللفظيَّة المتوجهةِ إلى إبلاغِ النَّاسِ بأخبارٍ كانت في حكمِ الماضيِّ لكن تواترَها بفعلِ كثرةِ استعمالَها جعلَها تأتَلِفُ ضمنَ المثلِ السائِر، لذلكَ فإنَّ كلَّ مثلٍ هو صنيعةُ تجاربٍ مثقلةٍ بالحكمِ الرَّشيدةِ التي ترنو للإصلاحِ والاتِّعاظِ.

وتعريجًا على ذلكَ نجدُ كونفوشيوس يحذِّرُ من أيَّة علاقةِ ينفثُ فيها المنافِقُ وصاحبُ المصالِحِ سمومَهُ لأنها آليةٌ للانهيارِ فيقولُ: إيَّاكَ ومحَاباةُ الأوغادِ والمنَافقِينِ وأصحابِ المصالِحِ، فقلوبهم تشتعلُ لَهفَةً على مكاسِبَ دنيويَّةٍ يخشونَ فقدانَهَا، لذا فهم لن يتورَّعوا عن اقترافِ كلِّ أنواعِ الدَّنايَا لتحقيق أغراضِهم”[3].

ونجدُ المعادلَ الموضوعيِّ لمقولةِ كونفوشيوس في ثنايَا هذَا المثل الشعبيِّ الجزائريِّ: “صَادِقُهُ ولَّا فارقهُ”[4] أي صَادقهُ حقَّ الصَّداقةِ وإلا أُتركُهُ، أو قولهم على الصَّديقِ الانتهازيِّ: “فلان يلعبُ ببارودِ الجمعةِ”[5]، والمقصودُ بالطفيليِّ الذي يستغلُّ غيرهُ لتحقيق مآربهِ الشَّخصيَّة.

والجامعُ بين المثلينِ هو التأكيدُ على لزومِ الصداقةِ الخالصةَ التي لا يشوبُها نفاقٌ أو ذريعةُ مصلحةٍ أو رغيبةُ منفعةٍ كونَ الجامعِ بينَ تلكَ الصفاتِ هي الانتهازيَّة المضرَّةِ التي تجلبُ المهلكةَ، لذلكَ فالتخليِّ هوَ أفضلُ السُّبل لراحةِ النَّفسِ.

وقد سأَلَ التِّلميذ تسيكون معلِّمهُ كونفوشيوس عن رأيهِ في أباطرةِ هذا الزمن الذين يتبجَّحون بالقوَّةِ والفضيلةِ وذيوعِ الشهرةِ، فأجابَ بحكمةٍ: “مهلا فإنَّ هؤلاءِ حواصِلٌ مُتخمة، وصدورٌ ضيِّقة لا يقعُ فيها العلمُ إلا لفظتهُ، فهم دائِمًا خارجَ القسمةِ: زبدُ ماءٍ وغثاءِ سيلٍ”[6].

فكونفوشيوس يزدريِّ هذَا الصِّنفَ من الأباطرةِ والملوكِ الذين يُكثِرونَ الكلامَ المشبعِ بالبلاغةِ ويقدِّمونَ الشعاراتِ الرنَّانةِ على الأفعالِ المقدامَة، فصفاتُهم تطابِقُ المثل الشعبيِّ الجزائريِّ: “الاسم عاليِّ والبُرج خاويِّ”[7] أي أنَّ هذا المثل الجزائريِّ يختزلُ رؤيةَ الحكيمِ الصينيِّ ويتوافقُ معَ مؤدَّاهُ الدلاليِّ، حيثُ يوثِّقُ سلوكَ الرجل الذي يُكابرُ بالشُّهرةِ ورواجِ سيرتهِ لكنَّ عاداتِهِ تفضحُ عيوبَهُ، وردودِ أفعالهِ تظهرُ عوراتهِ.

وعليهِ فاللَّفظَتانِ اللَّتانِ أوضَحتَا هذَا التَّقاربُ: غثاءُ سيلٍ = برجٌ خاويِّ.

وقد تقرِّبَ “تسِيكون” من المعلم كونفوشيوس للأخذِ بحكمتِهِ في مسألةِ الأسبابِ الموفيةِ لاستتبابِ الممالكِ فأجابِ بحنكةٍ واقتدار: “إنَّ أسس الحكمِ تتمثَّلُ في ثلاثة: احتياطيٌّ من غذاءٍ وفير، قوَّة جيشٍ ضاربة، ثقةٌ بين الحاكم والمحكوم”[8].

ويغدو المؤشرُّ الأول من أقوى الأسُس التي ينبغي على الممالكِ مراعاتِهَا كما يؤكد الحكيم الصينيِّ، فحيثُما أودعتَ الغذاءَ الكثير في المخازِن استطعتَ أن تُنجِّيَ شَعبَكَ من خطرِ الهلاكِ والمَجاعةِ.

وهناكَ مثلٌ شعبيٌّ جزائريِّ يُضمِّن في بنيتهِ التركيبيَّة هذا المعنَى: “في الصَّيفِ العَرايسِ، وفي الشِّتاءِ الفَرايِس”[9].

أي بالصَّيفِ الأعراس وإقامةِ الولائمِ العظيمةِ والبذخِ في المأكلِ والمشربِ، وفي الشِّتاءِ المجاعةِ والموتِ.

ويضربُ هذا المثل للقبائل التي تعوزُ للبصيرةِ في تدبير أمورها، فتراهَا صيفًا تفرطُ في الإسرافِ دونَ وعيٍّ بالاقتصادِ والاِقتصارِ على الضَّروريات وتطليقِ الكماليَّاتِ، فتَكونَ في النهايةِ عرضةً لآفاتِ المجاعةِ والضِّياع.

والرابطُ الوظيفيِّ بينَ المثلينِ هو التَّرغيبُ بمنقبةِ الادِّخار والاِستِهلاكِ العقلانيِّ للغذاءِ دونما التجاوزِ والإفراطِ، لأنَّ في ذلكَ عاقبةٌ شديدةُ وبلوىً وهلَاك.

وكانَ كونفوشيوس يلحُّ على تلامذتهِ اتباع منهجِ التواضعِ والبساطةِ وتركِ حياةِ الترفِ، كَونَهَا مجلبةٌ للكبرِ والخيلاءِ وهذا في قولهُ الآتي: “التَّرفُ مدعاةٌ للخيلاءِ والغرورِ، والبساطةُ قرينةُ التواضُعِ”[10]

وهناكَ مثل شعبيٌّ جزائريِّ يعاضِدُ حكمةَ الفيلسوفِ الصينيِّ: “عِش مَسكين تموتُ شَارف”[11] ومعنَى المثلِ باللَّهجةِ الجزائريَّة هوَ أنَّ أسعدَ النَّاسِ من يعيشُ عيشةً بسيطةً مستورةً، بعيدةً عن مشاكلِ الترفِ والثراءِ من المالِ الحرامِ.

فالدَّلالةُ الكبرى المتكرِّرةُ في المثلينِ هو الحثُّ على البساطةِ والتواضعِ وعدمِ اشتهاءِ حياةِ الترفِ.

والكلامُ الطيِّبُ في المجلسِ الصالِحِ كالغيثِ في التربةِ الصالِحةِ، هذا ما جاءَ في تلكَ المحاورةِ بينَ التلميذِ زيلو ومعلمهِ كونفوشيوس، حينَ سألهُ كيفَ يُمكنُ للإِنسانِ الوصول لحدَّ الكمال، فأجابهُ قائلا: أن يُجيدَ لِينَ القولِ فلربَّمَا كلمةٌ طيِّبةٌ تشدُّ إليهِ مودَّةَ الأخِ الشَّقيقِ[12].

وفي الجانبِ المقابلِ هناكَ مثلٌ شعبيِّ جزائريِّ يدعم الحكمةَ الصينيَّةَ، يقول: “لسانُهُ يفتلُ الحَريرِ”[13] والمقصود مِنَ وراءِ المثلِ هوَ التَّنبيهُ علَى قيمةِ الإنسانِ الذي أُتيَ فصاحةَ الكلامَ وحلاوةَ الكلامِ وبراعةِ البلاغةِ فينثُرها في الخلافاتِ فتعُمَّ المحبة ويسودَ التوافق.

ختامًا أمكنَ القولَ: بأنَّ روحُ التَّصاهرِ بين الشُّعوبِ تتبدَّى في الإجماعِ على مواضيعَ بعينِها، ولو اِختلفت الألسُنِ وتباعدتِ المسافاتِ كما في النموذجِ الصينيِّ الجزائريِّ الذي يُعدُّ من أسمَى روائِع التكاتُفِ الثقافيِّ والتَّضايفِ الحضاريِّ.       

 

                                                                                                **محمد الأمين معطى الله – الجزائر

    *المراجع:

 http://www.ech-chaab.com/ar/index.php      [1] جريدة الشعب الجزائريَّة، العدد  الصادر بتاريخ:21 / 07/2023 /

 [2] ابن منظور، لسان العرب، ج4، مطبعة بولاق، مصر، ط1، 1302ه، ص610.

 [3] كونفوشيوس، المحاورات، تح: ليو جون تيان، تر: محسن سيد فرجانيِّ، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميريَّة، مصر، ط1، 2000، ص159

 [4] قادة بوتارن، الأمثال الشعبيَّة الجزائريَّة، تر: عبد الرحمن الحاج الصالح، ديوان المطبوعات الجامعيَّة، ط1، 1987، ص61.

 [5] المرجع نفسهُ، ص 207.

 [6] كونفوشيوس، المرجع نفسهُ، ص:124

 [7] قادة بوتارن، المرجع نفسهُ، ص:255.

 [8] كونفوشيوس، المرجع السَّابق، ص:109.

 [9] قادة بوتارن، المرجع السَّابق، ص: 213.

 [10] كونفوشيوس، المرجع السابق، ص:70.

 [11] قادة بوتارن، المرجع السَّابق، ص202.

 [12] كونفوشيوس، المرجع السَّابق ص:125.

 [13]  قادة بوتارن، المرجع السابق، ص:193.

محمد الأمين معطى الله
محمد الأمين معطى الله

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

الجزائر والصين.. علاقات وتميز

إقتباسات كلاسيكية للرئيس شي جين بينغ

في مئوية تأسيس الحزب الشيوعي الصيني

أخبار أذربيجان

الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب العرب أصدقاء الصين

أنا سفير لبلدي لدى جمهورية الصين الشعبية

مبادرة الحزام والطريق

حقائق تايوان

حقائق شينجيانغ

حقائق هونغ كونغ

سياحة وثقافة

هيا نتعرف على الصين

أولمبياد بكين 2022

الدورتان السنويتان 2020-2024

النشر في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية

الإحصائيات


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *