شبكة طريق الحرير الاخبارية/
بقلم: دكتورة كريمة الحفناوي
اجتمع الأسبوع الماضى “إئتلاف كرامة وحقوق النساء”، والذى يضم عددا من منظمات المرأة غير الحكومية فى إثنين وعشرين دولة عربية، للإعداد لليوم العالمى للمرأة فى الشهر القادم (الثامن من مارس).
واتفقت الحاضرات على اختيار عنوانا لليوم، حماية النساء فى السلم والحرب “الحق فى الحياة”.
وذلك نظرا للظروف التى يمر بها العالم من صراعات وحروب، تؤثر على النساء والأطفال ومنها منطقتنا العربية، حيث العنف الواقع على النساء، وخاصة فى فلسطين والسودان، وذلك بجانب مطالبة الدول التى لم توقع على الاتفاقية (190) الصادرة من منظمة العمل الدولية عام 2019، والخاصة ب “مناهضة العنف فى عالم العمل”، من أجل وضع تشريعات تواجه وتُجرِّم كافة أشكال العنف فى أماكن العمل.
تنص المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان “لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة فى هذا الإعلان، دون تمييز من أى نوع ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أوالجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأى سياسيا وغير سياسى، أو الأصل الوطنى أوالاجتماعى، أوالثروة، أو المولد، أو أى وضع آخر.
وفضلا عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسى أو القانونى أو الدولى للبلد أو الإقليم الذى ينتمى إليه الشخص، سواء كان مستقلاً، أوموضوعاً تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتى، أو خاضعا لأى قيد آخر على سيادته”. كما تنص المادة الرابعة منه على “لكل فرد الحق فى الحياة والحرية والأمان على شخصه”.
فى الثامن من أكتوبر 2023 بدأ العدوان الصهيونى الوحشى على غزة، عقب العمل البطولى الذى قامت به المقاومة الفلسطينية “طوفان الأقصى”، قام الكيان الصهيونى الاستيطانى الإحلالى بالقضاء على كل وسائل الحياة فى غزة، من أجل تنفيذ خطة التهجير القسرى، والتوطين عن طريق الإبادة الجماعية وتهجير الفلسطينيين من شمال غزة إلى الجنوب مع الحصار والتجويع لإجبارهم على اللجوء إلى سيناء، واستكمالا للخطة كان العدوان المستمر على أهالى الضفة الغربية، وتهجيرهم وتوطينهم فى الأردن، ومازال الكيان الصهيونى مستمرا فى عدوانه ولم يحقق حتى الآن أى انتصارات وتحطمت خططه على صخرة المقاومة المسلحة والمقاومة الشعبية الأسطورية.
ولقد وصل عدد الشهداء بعد مئة وثلاثين (130) يوما من العدوان الصهيونى إلى 28،600 الفا 70% منهم نساء وأطفال، ووصل عدد المصابين إلى 68،300 ألف هذا غير المفقودين تحت الأنقاض هذا بجانب استهداف الصحفيين وأطقم الأطباء والمسعفين.
لا يعيش الفلسطينيون كوارث إنسانية فقط بل وكوارث بيئية نتيجة للعدوان المتوحش بالأسلحة المحرمة وإلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات وإزالة أسر بكاملها بهدم المنازل فوق رؤسهم، بل وقصف الأماكن التى يلجأ إليها الأسر من النساء والأطفال والمسنين (المدارس وأماكن الأونروا والمساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات)، بجانب إحكام الحصار وعدم وصول المساعدات الإنسانية إلا الشحيح منها الذى لايلبى أبسط مقومات الحياة.
وسط هذه الظروف الصعبة القاسية يعيش واحد مليون و400 ألف فلسطينى فى جنوب غزة مكدسون فى خيام لاتحمى من زمهرير الشتاء وغزارة الأمطار، الكثير منهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، لا غذاء ولاماء نظيف ولا أدوية، مما يساعد على نشر الأوبئة ويؤدى إلى موت النساء والأطفال.
وبالطبع تعانى النساء والفتيات فى هذه الظروف اللاإنسانية، من عدم توافراحتياجتهم الخاصة، احتياجات الحمل والولادة، واحتياجات الأطفال المولودين حديثا والأطفال الرضع، من ملابس وأدوية وألبان وحفاضات، وأمصال ولقاحات)، حيث يوجد خمسون ألف سيدة حامل منهم من هم وضعوا ومن هم على وشك الولادة خلال أيام وأسابيع.
يحظر القانون الإنسانى الدولى المعروف بقوانين الحرب على أطراف النزاع المسلح تعمد إيذاء المدنيين، وتحظر المادة (3) المشتركة فى اتفاقيات جنيف 1949 والقانون الدولى الإنسانى العرفى، الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسى.
ويُشكِّل الاغتصاب الذى يرتكبه المقاتلون، أحد أشكال التعذيب ويعتبر جريمة حرب، وذا كان جزءً من هجوم واسع النطاق، أو منهجى، من قبل حكومة أو جماعة مسلحة على مدنيين، يمكن أن يُشكِّل جرائم ضد الإنسانية.
وفى الفترة الأخيرة تزايدت التقارير والإحصاءات التى تتحدث عن الانتهاكات المرتكبة بحق النساء والفتيات فى السودان، منذ اندلاع الاقتتال بين القوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف ب “حميدتى”.
قالت الدكتورة أديبة إبراهيم السيد عضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان (فرعية اختصاصى أم درمان) “إن حالات الاغتصاب فى الخرطوم ودارفور (370) حالة ،منذ اشتعال الحرب قبل ثمانية أشهر، حيث تم تسجيل 63 حالة اغتصاب فى الخرطوم من بينها أطفال ذكور وإناث بالمستشفيات المختلفة. وأعلنت عن تسجيل 240 حالة اغتصاب فى إقليم دارفور”.
كما أشارت الدكتورة أديبة إلى وجود حالات كثيرة لم تصل إلى المستشفيات خوفا من الوصمة الاجتماعية.
وذكرت وحدة العنف ضد المرأة بوزارة التنمية الاجتماعية أن الحالات التى تم توثيقها من جانبهم لم تتعدى 150 حالة لصعوبة التوثيق وضعف إمكانيات تغطية كل مناطق النزاعات.
إن الوضع مخزٍ ومشين وفظيع، جراء ما يرتكبه أفراد ميليشيات قوات الدعم السريع، والميليشيات المتحالفة معها ذات الأغلبية العربية ، من انتهاكات وحشية للنساء فى المناطق التى يسيطرون عليها، من النهب والضرب والقتل وتدمير المنازل والشركات الحكومية وحرقها، بجانب جرائم الاغتصاب وبالذات فى الجنينة عاصمة مناطق غرب دارفور، والتطهير العرقى لجماعات المساليت غير العربية.
ولم تكتف قوات الدعم السريع بذلك ،ولكنها قامت بعمليات نهب منظمة للمساعدات الغذائية التى يقدمها برنامج الأغذية العالمى، مما يهدد بكارثة غذائية، وكان من نتائج ذلك نزوح ملايين من الشعب السودانى، سواء فى داخل السودان، أواللجوء للخارج للبلدان المجاورة، ومنها مصر وتشاد.
ولقد وثَّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، العديد من الجرائم التى ارتكبتها قوات الدعم السريع فى الجنينة عاصمة غرب دارفور، بين أواخر إبريل إلى أواخر يونيو 2023،وصرحت بلقيس والى، المديرة المساعدة فى قسم الأزمات والنزاعات فى المنظمة، مسؤولية قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، عن ارتكاب عدد هائل من حالات الاغتصاب، اثناء هجومهم على الجنينة، ومنها اغتصاب النساء والفتيات، وبعض الحالات تعرضت للاغتصاب المتكرر من أكثر من رجل والبعض تعرضن للضرب بالرصاص بعد الاغتصاب، والتهديد لهن (لأنهن غير عربيات) إذا لم يتركن السودان إلى بلدان أخرى.
كما وثَّقت المنظمة لعدد من الحالات التى تعرضت لنزيف حاد بعد الاغتصاب، ولم تتمكن من تلقى العلاج المناسب فى الوقت المناسب.
وفى الأيام الأخيرة، طرحت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى الديمقراطيين والجمهوريين، مشروع قانون، يُصنِّف أفعال قوات الدعم السريع، والميليشيات المتحالفة معها فى دارفور، ضد المجتمعات العرقية غير العربية، على أنها إبادة جماعية، بالإضافة إلى إدانة دور قوات الدعم السريع، والقوات المسلحة السودانية فى ارتكاب الفظائع والكوارث الإنسانية وتدمير السودان. ويدعو المشروع إلى وقف فورى للحرب وأعمال العنف والفظائع فى السودان، مع إنشاء آليات لحماية المدنيين، بما فى ذلك إنشاء ممرات إنسانية آمنة، وتطبيق حظر الأسلحة الذى أقره مجلس الأمن فى دارفور، مع سرعة تقديم مساعدات غذائية، وطبية، ومأوى للأشخاص، الذين طالتهم الحرب.
كما طالبت العديد من المنظمات الخاصة بحقوق الإنسان ومناهضة العنف ضد النساء، بتطبيق قرار حظر الأسلحة المفروض على دارفور، وفرض عقوبات ضد المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، بما فيها العنف الجنسى، سواء من القوات المسلحة، أو قوات الدعم السريع، كما طالبت تلك المنظمات مجلس الأمن بدعم تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية فى دارفور.
واشارت هذه المنظمات إلى أن عرقلة تحقيقات المحكمة، من قِبل الحكومة السودانية، بجانب سلبية مجلس الأمن فى مواجهة هذه العرقلة، سهَّلت الإفلات من العقاب، مما نتج عنه ارتكاب المزيد من الجرائم، وتساءلت لماذا لايتم فرض عقوبات على قوات الدعم السريع، والقوات المسلحة السودانية، والجماعات المسلحة المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين؟؟!!.
إننا نناشد كل المنظمات التى تعمل على مناهضة العنف ضد المرأة أن ترفع صوتها عاليا من أجل وقف الحرب فورا ومن أجل عالم خالٍ من العنف،عالم يسوده الخير والسلام والاستقرار.
كما نطالب بأن يكون شعار اليوم العالمى للمرأة فى الثامن من مارس هذا العام حماية النساء فى السلم والحرب “الحق فى الحياة”.
دكتورة كريمة الحفناوى.