شبكة طريق الحرير الاخبارية/
بقلم: دكتورة كريمة الحفناوي
ولنرصد معا بعض أحداث العام الماضى 2023، المستمرة معنا فى العام الجديد 2024، (نتمنى أن يحمل معه الخير والسلام والأمان لكل شعوب العالم) تلك الأحداث الكبرى التى ستتأثر بها كل شعوب العالم فى السنوات القادمة، وستعمل على تغيير خريطة العالم.
بدأ العام الماضى باستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والتى اندلعت قبلها بعام بسبب إصرار أمريكا على تقويض الأمن القومى الروسى بالزج بأوكرانيا للاقتراب من الحدود الروسية وتهديدها مع الإصرار على توسع حلف الناتو وانضمام أوكرانيا وعدد آخر من الدول المتاخمة لحدود دولة روسيا الاتحادية فكانت النتيجة تحرك الدولة الروسية لحماية أمنها القومى.
وفى الوقت الذى لم تفق فيه دول العالم وبالذات الدول الفقيرة من أزمة الغذاء وخاصة القمح الذى تنتج أوكرانيا وروسيا منه معظم الإنتاج العالمى مما هدد بمجاعة كبيرة، هذا غيرالتداعيات الاقتصادية للعقوبات التى فرضتها على روسيا الدول الاستعمارية الكبرى (الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية الأوروبية) والتى أدت كما نعرف إلى وقف تصدير الغاز والبترول من روسياإلى الدول الأوروبية مما أدى إالى استفحال أزمة التدفئة وأزمة الوقود فى دول الاتحاد الأوروبى.
واستمرت أمريكا فى استفزازاتها لجمهورية الصين الشعبية فى محاولة لتقويض أمنها من خلال التعاون مع تايوان من أجل الاستقلال عن الصين مما يهدد أمن الصين وسياستها بشأن (الصين الموحدة).
لم يغب عن فكرنا أن استمرار معادة روسيا والصين، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، هو رد فعل على صعود القطبين، فى العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين، وبالطبع أصاب أمريكا سعار للحفاظ على هيمنتها كقطب واحد ينهب ويستنزف ثروات الدول، بل ويتحكم من خلال صندوق النقد الدولى، فى إغراق الدول الفقيرة بالديون وخنقها، وإملاء شروط عليها، ومن هذه الشروط أن يتم القضاء على التنمية الإنتاجية المحلية لصالح الاستيراد من الدول الرأسمالية الكبرى.
وبالطبع يكون من نتيجة هذه السياسات مزيد من التبعية للقطب الواحد، ولإرضاء هذا القطب الواحد لابد من الحفاظ على أمن الكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين، والذى يقوم بالاعتداء على الشعب الفلسطينى وارتكاب أفظع الجرائم من تدمير المنازل وتشريد العائلات، وقتل النساء والأطفال والمسنين العزل، واقتلاع الزرع، وحرق القرى وغيرها من جرائم التطهير العرقى.
وفى نفس العام الماضى كان هناك تحرك على الجانب الآخر، من دول الأقطاب الصاعدة وحلفائها لانضمام عدد من الدول إلى منظمة البريكس وهى الأحرف الأولى لخمسة دول ( روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا) والتى تمثل مساحتها 27% من مساحة كوكب الأرض و 41% من سكان العالم، ووصلت مساهمة دول البريكس الآن 31،5% من الناتج الإجمالى العالمى، ومن المتوقع أن تنتج مجموعة البريكس 50% من الناتج الإجمالى العالمى عام 2030 وكان من أهداف المجموعة التوسع وانضمام دول عديدة من أجل التعاون بينهما على أساس المنفعة المتبادلة.
وفى القمة الخامسة عشر لمجموعة البريكس والتى عُقِدت فى الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، فى جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، ناقشت القمة بحضور قادة وزعماء أكثر من 40 دولة مجموعة من القضايا الاقتصادية والسياسية، مع قضية انضمام أعضاء جدد من 23 دولة قدمت طلبات انضمام لتكتل البريكس منها 8 دول عربية.
ومن الملاحظ أن مجموعة البريكس والتى تضم خمسة دول، تسعى إلى التبادل التجارى بين أعضائها بالعملة المحلية، كاليوان الصينى والروبل الروسى و الروبية الهندية وذلك لتقليص الهيمنة العالمية للدولار، والتخلص من إرهاب العملة، والعقوبات التى تفرضها أمريكا وحلفائها من الدول الأوروبية، ومن أجل توافر شروط تجارية عادلة، ونفوذ اقتصادى أكبر لدول البريكس فى مواجهة الغرب.
وفى نهاية القمة وافقت مجموعة البريكس على انضمام ستة دول كأعضاء جدد (مصر والسعودية وإيران وإثيوبيا والإمارات والأرجنتين)، وبذلك تضم مجموعة دول البريكس مع الأعضاء الجدد 46% من سكان العالم وما يقرب من ثلث الاقتصاد العالمى.
رحبت مصر والدول المنضمة بقبول عضويتها واعتبرت أن ذلك تطور تاريخى.
إن هذه الخطوات التى نتجت عن قمة البريكس تعمل على إنشاء عالم متعدد الأقطاب، وتغيير النظام المالى العالمى، وتقليص هيمنة الدولار.
كما تابع العالم باهتمام شديد الاتفاق السعودى الإيرانى الذى تم الإعلان عنه فى العاشر من مارس 2023، من خلال البيان الثلاثى المشترك للسعودية والصين وإيران، ونص الاتفاق على استئناف العلاقات الدبوماسية، بين المملكة العربية السعودية، وجمهورية إيران الإسلامية، مع إعادة فتح السفارات فى غضون شهرين، من أجل تخفيف حدة التوتر فى المنطقة وتعزيز دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومى العربى، وتطلعات شعوب المنطقة فى الرخاء والتنمية والاستقرار، والاتفاق على حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية فى إطار الروابط الأخوية، مع تفعيل اتفاقية التعاون فى مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والشباب الموقَّعة بينهما عام 1998.كما تضمن الاتفاق السعودى الإيرانى التأكيد على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمنى بينهما الموقَّعة فى عام 2001.
إن انضمام مصر لدول البريكس سيساعد على تحسين الاقتصاد المصرى فى الفترة الحالية، كما أن الاتفاق السعودى الإيرانى سيساعد على وقف الصراعات الحالية واستقرار المنطقة.
وفى عام 2023عانى العالم من الكوارث البيئية والتغيرات المناخية ومنها حرائق الغابات والزلازل الكبيرة التى وقعت فى المغؤب وسوريا وتركيا وأسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى والمصابين بالإضافة إلى الأعاصير والفيضانات.
وفى بداية هذا العام أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين، أن أكثر من 114 مليون شخص فى العالم أُجبِروا على الفرار من ديارهم خلال العام الماضى 2023، وأضافت أن وراء هذا الرقم الصادم نساء ورجالا وأطفالا. وأكدت المفوضية أن ارتفاع عدد النازحين قسرا فى العالم يعود إلى الحروب والاضطهاد والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان.
وإننى أضيف إلى هذا العدد الملايين التى تهاجرقسراً تحت وطأة الفقر بحثا عن لقمة العيش وحياة أفضل، هذا الفقر الناتج عن نهب واستنزاف الدول الاستعمارية الكبرى لثروات الدول النامية، ونتيجة للسياسات النيو ليبرالية المتوحشة التى أدت إلى تركز الثروة والسلطة لقلة من الحكام المتحكمين على حساب غالبية الشعوب.
احتدمت الصراعات واشتعلت الحروب العام الماضى فى العالم وفى منطقتنا العربية، ومنها مايهدد الأمن القومى المصرى. فعلى حدودنا الجنوبية فى السودان اندلعت الحرب الأهلية فى إبريل 2023، واشتد الصراع بين الجناحين المسلحين قوات الدعم السريع والمعروفة بميليشات حميدتى (محمدحمدان دقلو)، والقوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان، وكلا الجناحين هم بقايا نظام البشير. ونتيجة لاستمرار هذا الصراع تم قتل الآلاف من السودانيين بجانب 6 ملايين من النازحين واللاجئين، وأيضا تم ارتكاب جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان من قتل وبطش واغتصاب النساء وحملات اعتقال واحتجاز تعسفى وتقييد للحريات.
وعلى حدودنا الشرقية هاهو الكيان الصهيونى مستمر فى اعتداءاته على أهلنا فى فلسطين فى غزة منذ شهر أكتوبر 2023 وحتى هذه اللحظة مرتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطينى من قتل وتدمير وحرب إبادة جماعية بحصار قطاع غزة ومنع وصول المياه والغذاء والدواء والوقود مما يزيد من عدد الضحايا. فلقد بلغ عدد الشهداء أكثر من 23 ألف شهيدا 70% منهم من النساء والأطفال، وأكثر من 50 ألف مصاب، و7000 من المفقودين تحت الأنقاض، بالإضافة إلى اغتيال 107 من الصحفيين الفلسطينيين منذ بداية العدوان فى السابع من أكتوبر على يد العدو المجرم العنصرى المتوحش لإخفاء الحقيقة.
وفى داخل سجون الاحتلال الصهيونى 7800 من الأسرى منهم 76 أسيرة 260 طفلا و2870 معتقلا إداريا (بدون تهمة).ونتيجة لهذه الحرب الشعواء تم نزوح مليون و900 ألف فلسطيني داخل القطاع من الشمال للجنوب منهم أكثر من مليون مواطن على حدود مدينة رفح المصرية.
ويصرح وزراء الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة بأنهم مصممون على تهجير وتوطين الفلسطينيين خارج أرضهم وبلادهم بتهجير أهل غزة إلى سيناء وتهجير أهل الضفة الغربية إلى الأردن، فى محاولة مستميتة لإفراغ فلسطين العربية من أهلها وإقامة “الدولة اليهودية” التى يريدونها من النيل للفرات. وفى بجاحة لانظير لها يردد الكيان الصهيونى على لسان أحد المسؤولين أنه يريد تحطيم خط فلادلفيا وإعادة انتشار جنوده وقواته فى هذه المنطقة وإقامة سور عازل فى منطقة رفح المصرية تحت وفوق الأرض، بالإضافة إلى استمرار حصار غزة مما يمس أمننا القومى المصرى فى الصميم، ويعد انتهاكا لاتفاقية “السلام” كامب ديفيد واتفاقية فلادلفيا بين مصر والعدو الصهيونى بل ويعد إعلان حرب.
وتستمر ملحمة وصمود الشعب الفلسطينى والمقاومة الفلسطينية على مدى 89 يوما منذ السابع من أكتوبر وحتى كتابة هذا المقال لتسطر لنا بدماء الشهداء الطاهرة أسطورة كفاحية للشعب الفلسطينى مستمرة منذ أكثر من 100 عام منذ وصول العصابات الصهيونية للاستيلاء على أرض الشعب الفلسطينى بارتكاب المذابح والمجازر على مدى سنوات.
المقاومة الفلسطينية المسلحة والشعبية فى غزة تحارب وتواجه ليس فقط جيش الاحتلال ولكن تواجه الولايات المتحدة الأمريكية التى يشارك وزير دفاعها فى غرفة العمليات بالكيان الصهيونى وتمد الكيان المجرم بالسلاح وجنود المارينز، بجانب مشاركة انجلترا بالسلاح ودعم فرنسا وألمانيا. غزة تنزف دماء شهدائها من أجل الدفاع عن الأرض والعزة والكرامة والشرف ومن أجل الدفاع عن الأمن القومى المصرى والعربى ومن أجل المقدسات الإسلامية والمسيحية.
المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها (الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والجبهة الشعبية القيادة العامة وحركة الجهاد الإسلامى) تقف جنبا إلى جنب منذ بداية معركة طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023 على يد كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكرى لحركة حماس)، المقاومة تواجه وتحارب وتحقق انتصارات وتلحق بالعدو خسائر بشريه وخسائر فى العتاد العسكرى من مدرعات ودبابات.
لقد أسقطت المقاومة الفلسطينية مقولة حل الدولتين وكشفت خطة الكيان العنصرى بتهجير الفلسطينيين. وكشفت الدول الاستعمارية الكبرى التى تنادى بحقوق الإنسان والحريات والديمقراطية كشفت وحشية هذه الدول ومشاركتها الفعلية فى قتل الأطفال والنساء وكشفت الحكام العرب من الملوك والرؤساء والسلاطين الصامتين الخانعين المطبعين مع الكيان الصهيونى والتابعين للجالس فى البيت الأبيض، هؤلاء الحكام المتواطؤون والمشاركون فى حصار غزة وفى قتل الأطفال والنساء بصمتهم.
خرجت الشعوب العربية عن بكرة أبيها وخرجت شعوب العالم الحرة الأبية تساند المقاومة الفلسطينية رافضة للإبادة الجماعية للفلسطينيين ورافضة لتوطينهم فى سيناء والأردن وتطالب بوقف الحرب على غزة فورا وبدخول المساعدات الإنسانية وبمحاكمة الكيان الصهيونى على جرائمه أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما نادت كل الشعوب بمقاطعة البضائع الصهيونية وبضائع الدول التى تدعم الكيان الصهيونى وبالفعل ارتفع شعار المقاطعة فى كل دول العالم، وذلك بجانب المقاطعة الفنية والرياضية.
وخرجت الشعوب العربية تطالب حكامها أن يوقفوا تصدير البترول للعدو وشركائه وطرد سفراء الكيان الصهيونى وسحب السفراء العرب من الأرض المحتلة، كما طالبوا بوقف التطبيع وإلغاء اتفاقيات كامب ديفيد، ووادى عربة، وأوسلو، ولكن الشعوب فى وادٍ، والحكام جالسون فى وادى الحفاظ على مصالحهم الخاصة على حساب دم الشهداء من الأطفال والنساء والرجال. لايكفى أيها الحكام الإدانة والشجب والرفض فنحن نريد أفعالا لا أقوالا.
غزة تُسَّطِر بدماء أهلها أسطورة الصمود وانتصار المقاومة، والشعب الفلسطينى باق فى أرضه، والاحتلال إلى زوال، والخزى والعار للمستسلمين المطبعين الخانعين من الحكام العرب.
المجد والخلود للشهداء والشفاء للجرحى والمصابين والنصر للمقاومة.