شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: الكاتب والصحفي السوري
سامر كامل فاضل
أظهرت العقود المتعاقبة الماضية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أنّ الولايات المتحدة الأمريكية موجودة في كلّ الصراعات والأزمات الدولية في العالم ، وأنّ لها اليد الطولى في افتعالها لتكونَ هي الوسيط في حلّ هذه الأزمات والنزاعات في كل البقع الجغرافية شرقاً وغرباً ، والتي لا تصلح الحلول إلّا بوجودها بل حتمية فشل كل الحلول إن لم تتصدّرها واشنطن كلاعبٍ أساسي، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تتزعّم إدارة العالم برسم كلّ السياسات التي تتناسب مع مصالحها الاستراتيجية استناداً إلى فائض القوة التي منحته لها أحادية القطبية في العالم .
لكن بجردة حسابٍ بسيطة نجد أنّ كل هذه السياسات الأمريكية فشلت فشلاً ذريعاً بدءاً من أفغانستان التي انسحبت منها بعد عشرين عاماً من الاحتلال لصالح حركة طالبان، إلى النزاع اليمني السعودي الذي تورّطت به كل من السعودية والإمارات بدافعٍ أمريكي دون تحقيق أيّ هدف مما كان مرسوماً ، كذلك الأمر كان في الحرب على العراق والسيطرة على مقدراتها لفترةٍ طويلة وكان الخروج الأمريكي منها بقرارٍ من مجلس نوابها، ثم الحرب على سوريا بتحريض كل الدول الإقليمية المجاورة للإنخراط بها وأولهم تركيا لتمزيق وتدمير اقتصادها.
مع كل هذه السياسات الأمريكية السابقة كانت الصين تتحفّظ على الدخول بأيّ مبادرات في نزاعات المنطقة والصراعات الإقليمية والدولية وتسير بخطواتٍ ثابتة في مسيرة تعاظم مكانتها الاقتصادية عالمياً، فبدأت تتصدّر المشهد السياسي من خلال مكانتها الاقتصادية التي أكسبتها فائض قوةٍ سياسيةٍ استطاعت من خلاله كسر الجليد في كل الملفات وأولها إنجاز المصالحة بين السعودية وإيران باتفاقٍ تاريخيٍ كان برعايتها وعلى أرضها في دلالةٍ كبيرةٍ على دورها السياسي الجديد والضامن لمثل هذا النوع من الاتفاقيات الاستراتيجية بين الدول ، والذي أطفأت من خلاله نار صراعٍ طائفيٍ حرصت واشنطن على تغذيته على مدى عقودٍ بوهم المدّ الفارسي وأطماعه في دول الخليج.
وليس بعيداً عن هذا الاتفاق كان وضع الحرب اليمنية السعودية على مسار الحل وانطلاق التسوية الشاملة بينهما من ثمرات هذا الاتفاق ، كما يندرج الانفتاح السعودي على سوريا تحت عباءة هذا الاتفاق مع تغييرٍ كاملٍ بالنهج السعودي لجهة فضّ كلّ النزاعات والتوترات والخروج من تبعات الهيمنة الأمريكية على القرار الخليجي لعقودٍ من الزمن.
إذاً نحن أمام انكفاءةٍ أمريكية جليّةٍ على كل الساحات يقابلها تعاظم للدور الصيني بشقيه الاقتصادي والسياسي.
فعلى الصعيد الاقتصادي أصبحت الصين المصدر الأول لكل الشركات بمنتجاتها الصناعية بما فيها الشركات الأمريكية ، والشريك التجاري الأول لكل دول العالم دون دخولها في النزاعات والحروب وافتعالها كما فعلت واشنطن وكانت الخاسر الأكبر في هذه السياسات وخرجت منها بخفي حنين.
ومع إعادة انتخاب الرئيس الصيني “شي جين بينغ” لولاية رئاسية ثالثة ، تنامى دور بكين في منطقة الشرق الأوسط والعالم على الصعيد الاقتصادي والسياسي والذي اتبعته في علاقاتها الدولية كدولةٍ فاعلة وتوجّهها نحو البراغماتية التي تميل إلى التهدئة في حل النزاعات دون التدخّل في الشؤون الداخلية للبلدان والتي انطلق منها موقف الصين تجاه الحل السياسي للأزمة الأوكرانية بمبادرةٍ رفضتها واشنطن وأيّدتها فرنسا على لسان رئيسها “إيمنويل ماكرون” الذي وصفها بأنها المبادرة الوحيدة على الطاولة ، والتي رحّب بها أيضا الرئيس الأوكراني “زيلينسكي” وسارع إلى تعيين سفيرٍ لأوكرانيا في بكين.
من هنا نجد أنّ الدبلوماسيّة الصينية تدخل عصرها الذهبي بقوةٍ على كل الملفات في المنطقة والعالم لما تملكه من تحالفاتٍ اقتصاديةٍ قوية ومصداقيّة كبيرة بين الدول وخصوصاً في منطقة الشرق الوسط التي بقيت منطقةَ نفوذٍ أمريكيٍ على مدى عقودٍ خلت ، ولأنّ الدور الصيني تاريخياً اقتصر على الجانب الاقتصادي فقط لتجنّب الاشتباك السياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذا ما يؤكد التحوّل الكبير في ميزان القوى الدولي إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ، لتصبح واشنطن أحد اللاعبين الدوليين على كل الساحات وليست اللاعب الوحيد مع الإشارة إلى التراجع الواضح في قدرة تأثيرها شيئاً فشيئاً.
ونحن نترقّب الدور الصيني الدبلوماسي في قادم الأيام والذي حافظ على علاقاتٍ متوازنةٍ مع كل دول العالم نجد أنّ زمن تعدّد القطبيّة قد أصبح أمراً واقعاً والغلبة فيه لمن امتلك الرصيد السياسي والاقتصادي معاً ، وكما وصلت الصين إلى عتبة الدولة الاقتصادية الأولى في العالم، فإنّ استراتيجية حضورها السياسي تسير على نفس النهج الاقتصادي لتتصدّر المشهد السياسي قريباً.