شبكة طريق الحرير الإخبارية/
لماذا تصر الصين حتى الآن على اتباع سياسات صارمة لمكافحة فيروس كورونا ؟
بقلم: أ.م. أحمـد موسـى نصّـار
*الكاتب باحث ومتخصص فلسطيني في الشؤون الصينية والفلسطينية – (الإسرائيلية) – الصينية، وصاحب أطروحة علمية متميزة في هذا المجال، وعضو ناشط من المجموعة الأولى المؤسسة للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.
بتاريخ 30 ابريل عام 2021، وقبل إجازة يوم العمال في الصين، أصيب طفل صيني ايغوري في مدينة هوتان بإقليم الشنجيان بشمال الصين في حادث عرضي مع “تراكتور” زراعي فَقَد على إثره ذراعه الأيمن بالكامل حيث انفصلت عن جسده.
الطفل ذو السبع سنوات لم يكن لديه فرصة للنجاة سوى بإجراء عملية جراحية لإعادة وصل ذراعه، الأمر الذي لم يكن متوفر بالإمكانيات المطلوبة في مدينة غير مركزية مثل مدينة هوتان، مما اضطر الأطباء لإرسال الطفل مع أخيه الأكبر الى مركز الشمال الصيني الشنجياني وهي مدينة “اورومتشي” والتي تبعد أكثر من ١٤٠٠ كيلو حيث يتواجد واحدة من أحدث وأكبر مستشفيات الصين في الطب الجراحي، إلا أن التقييم الأولي من الأطباء أعطى تقديراً بأن الشرايين والأنسجة في اليد المبتورة لن تبقى صالحة لإعادة الزرع بعد ٨ ساعات حتى مع حفظها بالثلج.
بدايةً من المستشفى الصغير في مدينة هوتان، ومروراً بالطريق للمطار، وحتى الطائرة الوحيدة المتجهة الى “اورومتشي” تلك الليلة والتي عادت أدراجها قبل دقائق من إقلاعها، ومسارها الذي تغير في الجو بأمر من الطيران الحربي الصيني الذي أخلى المجال العسكري المختصر لها في سابقة نوعية في منطقة حدودية (اورومتشي مدينة قريبة من روسيا، وهوتان مدينة قريبة من باكستان)، وحتى المسافرين الذين رافقوا الطفل في الطائرة وساعدوه على تجنب النوم حسب توصيات الأطباء، والطريق من المطار للمستشفى في اورومتشي، كل هذه العوامل اجتمعت ومن فوقها وقبلها إرادة الله لإنقاذ هذا الطفل خلال ما سمي لاحقاً في وسائل التواصل الاجتماعي الصيني ب”الساعات الذهبية الثمانية”…
اليوم، وبعد أكثر من عامين على بدء جائحة كورونا، لاتزال الصين هي الدولة الوحيدة تقريباً في العالم التي تتبع إجراءات صارمة من اغلاق وتباعد وفرض كمامات وحجر صحي مركزي ولا مركزي لمكافحة جائحة كورونا، والحقيقة ان لذلك أسباب تقتنع بها القيادة المركزية الصينية ورؤساء الأقاليم والمناطق، ولهذا نظرة ذات خصوصية للمجتمع الصيني والطبيعة الصينية يتفهمها من يقطن في الصين.
فالصين، ذات التعداد السكاني الضخم الذي قارب على المليار و 410 مليون نسمة، ستعاني من نسبة شيخوخة عام 2025 لتلامس ال 300 مليون مسن صيني، وهذا الرقم مقلق بالنسبة لدولة جُل اقتصادها يعتمد على الأيدي العاملة الشابة العاملة في مجال الصناعة ومن ثم الزراعة والسياحة، وفي حال انتشار المرض بشكل واسع بين كبار السن فستحدث كارثة لا تحمد عواقبها، بالإضافة الى أن المجتمع الصيني بطبعه يميل الى الممارسات المرتبطة بالحفاظ على الحيوية والنشاط، وهو ما يدعوه الى الانصات الى تعليمات مكافحة الكورونا من الدوائر الحكومية، وكذلك فإن الاضرار بقطاعات الصناعة الحيوية سيؤثر سلباً على المنحنى الاقتصادي الصاعد للصين، وجميعها أسباب وعوامل تدفع الصين للحفاظ على سياسات حادة تجاه مكافحة كوفيد – 19 .
قد تكون إجراءات الاغلاق الجزئية والشاملة مزعجة للبعض ومضرة للبعض الآخر، إلا أن الهدف الأساسي التي أعلنته الصين وانفقت لتنفيذه مبالغ طائلة واستنفرت ملايين من القوى العاملة وهو (صفر حالة) يُجبرها على الحذر باتخاذ قرارات اتبعتها دول أخرى مثل مناعة القطيع او تجاهل المرض باعتباره حالة عرضية صحية عامة، ولا يُنذر ذلك بإجراءات تخفيفية قريبة قد تتخذها الصين مع اقتراب حلول عيد الربيع الصيني الثالث عام 2023 والذي يبدو ان اغلب الصينيين سيقضونه في ظل حجر صحي عام، غير أن هناك حياة انسان يجب دائماً ان يُحافظ عليها مهما كانت التحديات.
الفيديو الأول: مقاطع من فيلم “بطل عادي” ordinary hero والذي صدر عام 2022 عن قصة الطفل الايغوري.
الفيديو الثاني: مقاطع حقيقية توثق الحادثة في مطار مدينة هوتان، مع العلم ان موظف الخدمة الأرضية في المطار الذي سهل عبور الطفل بسرعة للطائرة هو نفس الشخص الذي قام بتمثيل الدور في الفيلم.