شبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
إعداد: غصون سليمان
التعريف بالكاتبة: إعلامية سورية، حاصلة على إجازة في الإعلام جامعة دمشق..١٩٨٩، عضو عامل في اتحاد الصحفيين السوريين.
كونفوشيوس: “على المُعَلِّم أن يُدرِّس بدون مَلل ويُعَلِّم الناس دون سأم”.
“اطلب العلم ولو في الصين” مثلٌ يقضي حاجاته في إرواء العطش المعرفي الذي تسعى إليه شعوب الأرض، ما يجعلها تحث الخُطا، بل تركض في سبيل تلمّس طريق العِلم بخيوط الحرير الناعمة مهما امتدت المسافات وبعُدت وكان سلوك الطريق شاقًا وشائكًا.
كنَّا نندهش في سنوات عمرنا الدراسية ونطرب لسماع هذا المَثل منذ نعومة أظفارنا، بل كنا نندهش من خلال مقررات عِلم السكان والجغرافيا بأنه كيف للصين أن تقوى على اطعام وتعليم أكثر من مليار نسمة من البشر. وكيف لها أن تُبدع وتنتج وتغزو أسواق العالم باقتصادها وعلاماتها التجارية والتي كادت أن تدخل كل بيت من القارات الأربع .
في رحلة البحث عن واقع التعليم في هذا البلد المكافح، وجدنا كيف تكون القيم المُضافة عند المعلم التربوي الذي أرسى دعائمها روحياً ومعنويًا وماديًا .
والمُعلِّم التربوي كونفوشيوس هو أعظم مُعَلِّم تربوي في الصين القديمة، وأول مَن أقام مؤسسة تعليمية خاصة في تاريخ البلد، وهو الذي وضع هيكل النظام التعليمي القديم في الصين، من حيث أهدافه التربوية ومحتواه التعليمي وأساليبه.
لقد سعى إلى تعليم تلاميذه الأخلاق والكفاءة، اقتناعًا منه بأن هدف التعليم هو بناء شخص كريم الخلق.
كان يطلب من تلاميذه أن يقرأوا أمهات الكتب ثم يشرحها لهم بصورة إبداعية، واستطاع أن يُعَلِّم تلاميذه من الواقع ويثقفهم وفقا لاستعدادات كل منهم ويوقظ ضمائرهم ويجعلهم يتعلمون ذاتيا ويتنافسون في الدراسة، ويبذلون أقصى الجهود في سبيل التقدم.
وقد دعا كونفوشيوس إلى “حق الجميع في التعليم على قَدّم المساواة”. واعتبر أن جميع البشر متشابهون بالطبيعة، ولكنهم يتباينون في الممارسة نتيجة تأثيرات البيئة والعادات المختلفة، ولذلك فإن كل فرد قادر على الارتقاء بنفسه عن طريق التربية والتعليم. حيث تحتل التربية الأخلاقية مكانة محورية في النظام التعليمي الكونفوشيوسي، أما التربية في المجالات الأخرى فتحتل مكانة ثانوية.
ورأى كونفوشيوس أيضا أن ممارسة السياسة تعتمد على الأخلاق أساسًا، بينما تأتي المهارات الأخرى في مراتب تالية. وقال كونفوشيوس: “على المُعَلِّم أن يُدرس بدون مَلل ويُعلِّم الناس دون سأم” ((المحاورات 7:2)) وقال:”إن الذي يستطيع، بمحاكاة القديم، أن يكتسب معلومات عن الجديد يَصلح أن يكون معلِمًا ((المحاورات 2:11)). ودعا كونفوشوس إلى أن يكون التعليم بالقول والفعل، وأن يدرس المعلم والتلاميذ معًا ويتعاونون ويتقدمون معًا، وأن يمارس المعلِّم التدريس والتفكير في نفس الوقت.
وشجع كونفوشيوس الطلاب على تجاوز معلميهم في العِلم والمعرفة، فقال:”احترم الشباب، كيف تعلم أنهم لن يكونوا يومًا، ما أنت عليه الآن” المحاورات 9:22″، ودعا كونفوشيوس المسؤول الذي أنجز مهماته أن يكرس نفسه للدراسة، والطالب الذي أكمل دراساته أن يكرس نفسه لواجباته كمسؤول”. وقد كانت هذه الفكرة ذات أهمية خاصة في تاريخ الصين، حيث أنها كانت الإرهاصات الأولى لنظام الامتحان الإمبراطوري الذي ظهر أولًا في زمن أسرة سوي (581 – 618 م)، وكان وسيلة اختيار الموظفين الحكوميين. وكان كونفوشيوس أيضًا يلقي تعاليمه على تلاميذه ويشرح لهم ولكنه لم يدون أي مؤلف في حياته.
وبعد وفاته جمع طلابه كلماته في كتاب سمي “المحاورات،”
واذا ماعدنا إلى هيكل نظام التعليم في الصين، نجد أن التعليم الأساسي ينقسم إلى ثلاث فئات: التعليم الأساسي، التعليم العالي، وتعليم الكبار، وبموجب القانون يجب أن يحصل كل طفل على تسع سنوات من التعليم الإلزامي من المدرسة الإبتدائية “ست سنوات” إلى التعليم الثانوي “ثلاث سنوات”، ويتضمن التعليم الثانوي مساران هما: التعليم الثانوي الأكاديمي والتعليم الثانوي المتخصص /المهني/ الفني وفي نهاية الدراسة الثانوية وجب على الطلاب اذا أرادوا الالتحاق بالجامعات اجتياز القبول الوطني للتعليم العالي ويٌسمَّى غاوكاو (GaoKao).وهو امتحان مصيري لابد منه كل من يذهب للدراسة في الصين، كما يواجه الطلاب الصينون في جميع أنحاء البلاد لِمَا له من أهمية في تحديد مستقبلهم، حيث يُشارك في هذا الامتحان ملايين من الطلاب كل سنة ولمرة واحدة، إذ يحدد هذا الامتحان الجامعة التي سيدخلون والاختصاص الذي سيدرسون ما يجعل الطلاب، ومعهم أسرهم يعيشون حالة ضغط كبيرة خلال الامتحانات التي بدأت مؤخرًا وتستمر مدة يومين يومين.
**
فيما التعليم العالي ينقسم أيضًا إلى فئتين، هما: الجامعات التي تقدم درجات جامعية مدَّتها أربع سنوات أو خمس سنوات لمنح مؤهلات الدرجة الأكاديمية، والكليات التي تقدم دبلومًا أو شهادة لمدة ثلاث سنوات في المواد الأكاديمية والمهنية، أما برامج الدراسات العليا والدكتوراة فتقدَّم فقط في الجامعات.
وعلى صعيد تعليم الكبار، يتراوح تعليم هؤلاء من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي، ويشمل التعليم الابتدائي للكبار بدءًا من مدارس العمال والفلاحين الابتدائية في محاولة لرفع مستوى معرفة القراءة والكتابة في المناطق النائية، أما التعليم الثانوي للكبار فيشمل المدارس الثانوية المتخصصة للكبار بالإضافة إلى جامعات الراديو/ التلفزيون التقليدية والتي يمنح معظمها شهادات/ دبلومات .
**
أما العوامل المؤثرة على واقع التعليم في الصين فيبدو أن الاستقرار الاجتماعي والسياسي أدَّى إلى تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، و أن التراث الروحي للفلسفة الكنفوشيوسية والدعوة إلى احترام العِلم و العُلماء أثمرت بشكل جيد، فضلًا عن العمل بمبدأ القدرة.
فالدولة الصينية تركِّز على التربية المهنية، وتطبيق نظام التعليم الإجباري وتحقيق الإدارة اللامركزية للتعليم الابتدائي.
حيث وضع ”ماو تسي تونغ“ المبادئ الأساسية للثورة التربوية في نظام التعليم ومنها:
– تعليم متميز يطور من أخلاقيات الفرد وفكره، لينشأ مواطناً سليماً قادراً على الإنتاج.
– الإهتمام بالتعليم المهني التكنولوجي الذي يسهم في الثورة الصناعية.
– شهد العام 1960م، بداية انفتاح المجتمع الصيني على حضارة الغرب، مِمَّا جعل قادة النظام التعليمي ينادون بضرورة التغيير في كل جوانب التعليم، ومنها اصلاح اللغة الصينية.
– خلال الثورة الثقافية عام 1960م، اعتُمِدت سياسة تعليمية شاملة للنهوض في التعليم، وكان من أهمها تشجيع العمال والفلاحين والجنود على الإرتباط في المدارس.
– تبنِّي شعار ”التعليم مدى الحياة“ لمواجهة النمو السريع للعلوم والتكنولوجية في جميع أنحاء العالم.
– توفير تدريب مهني للأفراد غير القادرين على استكمال التعليم العالي.
– دعم مشروع التعليم الإلزامي في المناطق الفقيرة وفتح مجال جمع التبرعات من أصحاب رؤوس الأموال بما يُسمّى مشاريع الأمل لدعم التعليم في الأرياف.
خصائص نظام التعليم في الصين
وفي هذا الجانب يُعتبر التعليم من أهم أولويات الدولة لطالما شعاره “الإجتهاد والمثابرة”، الزامية التعليم الصيني، مركزية النظام الإداري للتعليم، وكما أسلفنا فإن التعليم الصيني هو تعليم مهني صناعي، إذ حقق انجازات كبيرة في جميع ميادين العمل والانتاج ليس على الصعيد المحلي فقط، وإنما خارج الحدود، مما ساعد بالتطور السريع لنظام التعليم المذكور، وهو تمويل التعليم، من خلال مصدرين، الحكومة المركزية، والسلطات المحلية عبر الشركات والمؤسسات الاجتماعية.
وللتدليل على قوة الدولة أية دولة في أسس ومعايير تعليمها، نختم بما ذكرته واحدة من الطالبات العربيات “حنان نادر علي” على لسانها حين زارت الصين للدراسة ؛
“من خلال تجربتي الدراسية في الصين فقد وجدت أن التعليم ذا قيمة كبيرة في هذا البلد العظيم، حيث يعتقد الصينيون أن التعليم يضمن مستقبل الفرد والأسرة والدولة، ولذلك أولت الصين وتولي دائمًا أهمية كبيرة لنظام التعليم بكل مستوياته .
عندما كنت ادرس الدكتوراة في الفيزياء باحدى جامعات هذا البلد العظيم فقد كانت دراستي تبدأ من الساعة الثامنة صباحًا وحتى السادسة مساءً مع استراحة غداء لمدة ساعتين.
النظام والانضباط واحترام العِلم مبادئ مقدَّسة في حياة الفرد الصيني، وكل ضيف آتٍ يَنهل من مشارب العِلم والقِيم النبيلة”..
**نبذة عن الكاتبة: حاصلة على إجازة في الإعلام جامعة دمشق..١٩٨٩،
عضو عامل في اتحاد الصحفيين السوريين
عضو لجنة المرأة العاملة والطفل في اتحاد عمال دمشق والاتحاد العام لنقابات العمال سابقا.
مارست العمل:
في صحيفة الثورة تاريخ ١١-١١-١٩٩٤.. كانت البداية في قسم الإستماع السياسي مدة عام .
عامان في قسم الأخبار العربية والدولية ..
ثم عملت محررة ميدانية في دائرة الأخبار المحلية مدة خمسة أعوام ،إضافة الى قسم التحقيقات وعامين في دائرة الاقتصاد والتنمية .. وحاليا رئيس دائرة المجتمع منذ اثني عشر عاما.
نشرت العديد من المقالات و التحقيقات في جريدة المدى الاقتصادية الصادرة في دمشق ٢٠٠١-٢٠٠٢
وايضا نشرت بعض المقالات والتحقيقات في عدد من الصحف والمجلات اللبنانية والخليجية وموقع سيريا نيوز، ومجلة الأزمنة السورية.
*لها العديد من المشاركات الإعلامية والجوائز .
*المصادر: كتاب المحاورات.
*ملاحظة المحرر: تعكس المقالة وجهة نظر الكاتبة، ولا يعكس بالضرورة رأي الشبكة.