شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
بقلم الصحفية الصينية سعاد ياي شين هوا
في ظل التحولات العميقة التي يشهدها النظام الدولي اليوم، باتت أصوات دول الجنوب العالمي تتعالى أكثر فأكثر، مع تشكل ملامح علاقات دولية جديدة قائمة على التعاون المربح للجميع، وهو ما يلقى قبولًا واسعًا بين الدول النامية. وفي هذا السياق، برز الإعلام، والتعاون الإعلامي على وجه الخصوص، كأحد أكثر المجالات حيوية وابتكارًا في هذا التغيير العالمي.
ففي الماضي، كانت عملية إنتاج المعلومات ونشرها خاضعة لسيطرة محدودة من وسائل إعلام الدول المتقدمة، ما أدى إلى تهميش روايات دول الجنوب أو إساءة فهمها في كثير من الأحيان. ومن هذا المنطلق، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادراته الثلاث الكبرى: مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، داعيًا إلى رؤية حضارية قائمة على المساواة والتفاهم المتبادل والحوار والتسامح، وتشجيع دول الجنوب على تعزيز التعاون في مجالات الإعلام والثقافة والتعليم، من أجل بناء عالم أكثر عدلًا وإنصافًا.

وانطلاقًا من هذه الرؤية، تعمّق التعاون الإعلامي بين الصين ودول الجنوب العالمي، ليصبح قوة دافعة لتغيير المشهد الإعلامي الدولي. فخلال السنوات الأخيرة، أسست الصين آليات تعاون طويلة الأمد مع مؤسسات إعلامية إقليمية ودولية، مثل اتحاد إذاعات الدول العربية، واتحاد إذاعات إفريقيا، ووكالات أنباء أمريكا اللاتينية، لتطوير مشاريع مشتركة تشمل الأفلام الوثائقية، والبرامج الإخبارية، ومبادرات تبادل الشباب في مجالات الإعلام والإنتاج.
وفي إطار هذه الجهود، سواء في تغطية مشاريع “الحزام والطريق” أو في سرد قصص التنمية المشتركة، حافظت الصين وشركاؤها دول الجنوب على مبادئ المساواة والثقة المتبادلة والمنفعة المشتركة.
إن هذا التعاون لا يقتصر على تبادل المعلومات فحسب، بل يعكس تلاقيًا ثقافيًا وروحيًا يعزز ثقة شعوب الجنوب العالمي بذاتها ويجسد تطلعها إلى مستقبل أفضل، مؤكدًا أن التنمية حق مشترك، وأن السرد الإعلامي يجب أن يكون صوتًا متكافئًا للجميع.
ومع الانتشار الواسع لمقاطع الفيديو القصيرة وتطور الإنترنت عبر الهواتف الذكية، أصبح الفيديو لغة عالمية جديدة تربط بين الشعوب. فمن خلال مبادرات مثل “يومي في الصين”، و”مدن من تصوير الشباب الصيني والعربي”، و”قصص السعادة على طريق الحزام والطريق”، باتت القصص الإنسانية تُروى بطرق أكثر صدقًا وواقعية. لم يعد الفيديو مجرد وسيلة نقل، بل تحول إلى جسر تواصل بين القلوب، يعيد الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية في سياق معاصر، ويمنح روح طريق الحرير القديم بعدًا رقميًا جديدًا.
قوة الإعلام لا تكمن في تشكيل الرأي فحسب، بل في بناء التفاهم المشترك. والرؤية التي تتبناها الصين ودول الجنوب العالمي حول “التبادل الحضاري” تجد ترجمتها الواقعية اليوم في التعاون الإعلامي المرئي، حيث يشارك عدد متزايد من الشباب في مشاريع إنتاج مشتركة، تشمل الأفلام الوثائقية ومقاطع الفيديو القصيرة، يعرضون من خلالها الصين كما يرونها بأعينهم، ويقدمون بالمقابل صورة صادقة عن مجتمعاتهم إلى الجمهور الصيني. وهكذا، تحولت دول الجنوب من متلقٍ للمحتوى إلى منتجٍ وشريكٍ فاعل في صياغة الخطاب الإعلامي العالمي.
وتجسد آلية شراكة وسائل الإعلام للجنوب العالمي هذه الرؤية الجديدة، فهي تقوم على التعاون كجسر، وعلى المحتوى كأداة، لبناء منظومة إعلامية أكثر توازنًا وتنوعًا وواقعية.
وفي السادس من نوفمبر 2025، انعقد المنتدى الثالث عشر للإعلام المرئي العالمي في مدينة شيآن، حاضرة مقاطعة شانشي شمال غربي الصين، مهد طريق الحرير التاريخي، ليكرس هذا التوجه العالمي الجديد. وقد شارك في المنتدى ممثلون عن 93 مؤسسة ومنظمة إعلامية من 39 دولة ومنطقة، من بينها اتحاد إذاعات الدول العربية، واتحاد إذاعات آسيا والمحيط الهادئ، واتحاد وكالات أنباء أمريكا اللاتينية.
وشهد المنتدى الإعلان عن عدد من المبادرات المهمة، أبرزها إطلاق آلية الشراكة الإعلامية للجنوب العالمي، وبدء بث قنوات FAST التابعة لشبكة CGTN، إضافة إلى إطلاق مبادرة “قصص الجنوب” للإنتاج المشترك.
لقد تجاوز هذا الحدث كونه تجمعًا إعلاميًا، ليصبح منصة حضارية جديدة تجمع الشرق والجنوب العالمي، حيث تتحول الشراكة من “تبادل المحتوى” إلى “تفاهم واستيعاب متبادل في العمق”. ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والإنتاج السحابي والمنصات متعددة اللغات، يتجه التعاون الإعلامي بين الصين والدول العربية إلى مرحلة جديدة من التكامل والابتكار — من بناء البنية التكنولوجية إلى إنتاج المحتوى المشترك، ومن تبادل الشباب إلى الحوار الثقافي، يسير الجانبان معًا على طريق إبداع الفيديو الذي يربط الحضارات ويقرب الشعوب.