شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
عبد القادر خليل*
تحتضن العاصمة الصينية بكين بداية من يوم الإثنين الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وهي محطة سياسية وتنموية بالغة الأهمية ستناقش خلالها القيادة الصينية مقترحات إعداد الخطة الخمسية الخامسة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية. وكما هو الحال في كل مرحلة من مراحل التخطيط الخمسية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، تشكّل هذه الجلسة حدثاً محورياً في رسم ملامح المستقبل الصيني، بما يعكس الرؤية البعيدة المدى للحزب الشيوعي الصيني وقدرته على التكيّف مع المتغيرات العالمية والمحلية.
تخطيط شامل لمستقبل التنمية المستدامة
تعدّ الخطط الخمسية في الصين أداة أساسية لتوجيه التنمية الوطنية وتحديد أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والبيئية. ومن المتوقع أن تركّز الخطة الجديدة على تعميق الإصلاح والانفتاح، وتسريع التحول الرقمي والأخضر، وتعزيز الابتكار العلمي والتكنولوجي باعتباره محركاً رئيسياً للنمو، إلى جانب تحسين معيشة الشعب وضمان التنمية المتوازنة بين المناطق.
إنّ انعقاد هذه الجلسة يأتي في ظرف دولي معقد، يتسم بتباطؤ الاقتصاد العالمي وتزايد النزاعات الجيوسياسية، ما يجعل من التجربة الصينية نموذجاً لافتاً في الاستقرار والتخطيط طويل الأمد، في وقت يواجه فيه العالم تحديات متشابكة تتطلب حلولاً عقلانية وشاملة.
حصيلة الخطة الخمسية الرابعة عشرة: إنجازات تضع الصين في موقع الريادة
منذ إطلاق الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021–2025)، حققت الصين سلسلة من الإنجازات اللافتة التي تعكس نجاحها في الجمع بين التنمية عالية الجودة والاستدامة الاجتماعية والبيئية. فقد سجّلت البلاد نمواً اقتصادياً مستقراً رغم الصعوبات العالمية والخلافات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب زيادتها للتعريفات الجمركية المُبالَغ فيها، وواصلت الحفاظ على مكانتها كثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع ازدهار قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والطاقة الجديدة، والصناعات الرقمية.
وفي المجال الاجتماعي، تمّ تعزيز منظومة الضمان الاجتماعي وتوسيع شبكة الرعاية الصحية، إلى جانب استمرارية تنفيذ برامج مكافحة الفقر الريفي وتحسين مستوى التعليم، بما ساهم في رفع جودة حياة مئات الملايين من المواطنين. أما في المجال البيئي، فقد أحرزت الصين تقدماً ملموساً نحو هدفها بالوصول إلى ذروة الانبعاثات الكربونية قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، مما يؤكد التزامها بمسؤولياتها المناخية العالمية.
وعلى الصعيد الدولي، واصلت الصين توسيع شراكاتها الاستراتيجية مع مختلف الدول، خاصة في إطار مبادرة الحزام والطريق التي أصبحت منصة تعاون كبرى تجمع أكثر من 150 دولة ومنظمة. وقد ساهمت المشروعات الصينية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية في تحسين البنى التحتية وتعزيز التنمية المستدامة، ما جعل من الصين قوة دافعة رئيسية للنمو العالمي.
أهمية هذه المناسبة بالنسبة للعالم
تمثل الجلسة الكاملة الرابعة حدثاً لا يعني الصين وحدها، بل يشكل رسالة طمأنة إلى المجتمع الدولي بأن الصين ماضية في طريق التنمية السلمية والانفتاح المتبادل. فكل خطة خمسية صينية تحمل معها فرصاً جديدة للتعاون الاقتصادي والعلمي والثقافي مع دول العالم، وتفتح آفاقاً للاستثمار والتجارة، خاصة للدول النامية التي تنظر إلى التجربة الصينية كمصدر إلهام عملي في كيفية تحقيق التوازن بين النمو والعدالة الاجتماعية، كما أن ازدهار الصين له تأثير مباشر بازدهار العالم.
وفي ظلّ التحديات الاقتصادية التي تواجهها العديد من الدول، فإن استمرار الصين في دعم العولمة العادلة وتعزيز التعاون جنوب-جنوب يمنح الاقتصاد العالمي دفعة من الثقة والاستقرار، ويؤكد أن الصين ليست فقط مستفيدة من التنمية العالمية، بل أيضاً مساهِمة فعالة في دفعها إلى الأمام.
التعاون العربي الصيني: أفق واعد ضمن المبادرات الصينية الأربعة
من بين الجوانب البارزة في مسار التنمية الصيني، تبرز العلاقات المتنامية مع الدول العربية التي تولي اهتماماً متزايداً للتعاون مع الصين في مختلف المجالات. وقد شهدت السنوات الأخيرة نقلة نوعية في التعاون العربي الصيني من خلال تنفيذ المبادرات الصينية الأربعة التي دعا إليها الرئيس شي جينبينغ لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة وبناء مجتمع عربي–صيني ذي مستقبل مشترك.
وتتجلى أهمية التعاون العربي الصيني بشكل خاص ضمن مبادرة الحزام والطريق، التي أسهمت في إقامة مشاريع بنى تحتية ضخمة في مجالات النقل والطاقة والتكنولوجيا، إضافة إلى توسيع التبادل الثقافي والتعليمي بين الجانبين. هذا التعاون لا يقتصر على الاقتصاد فحسب، بل يعكس إرادة مشتركة لبناء عالم أكثر توازناً وإنصافاً، قائم على التنمية المتبادلة والاحترام المتبادل للخصوصيات الحضارية.
التعاون الصيني الجزائري: نموذج متجدد للشراكة الواعدة
وفي هذا الإطار، يبرز التعاون الصيني الجزائري كنموذج متميز يجسد روح الصداقة التاريخية والمصالح المتبادلة بين البلدين. فقد شكّلت العلاقات بين الجزائر والصين على مدى أكثر من ستة عقود نموذجاً للعلاقات المتينة القائمة على الثقة والدعم المتبادل. ومنذ انضمام الجزائر إلى مبادرة “الحزام والطريق”، توسعت مجالات التعاون الثنائي لتشمل مشاريع البنى التحتية والطاقة والتكنولوجيا، إضافة إلى مجالات الطب والتعليم والثقافة والتبادلات الإنسانية.
كما يواصل البلدان تعزيز التنسيق السياسي والدبلوماسي في القضايا الدولية، ضمن شراكة استراتيجية شاملة تواكب التحولات الاقتصادية العالمية، وتسهم في بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
ويُنظر إلى الجزائر اليوم كشريك رئيسي للصين في شمال إفريقيا، وكمحور استراتيجي في ربط إفريقيا بالفضاء الأوراسي ضمن مبادرة الحزام والطريق، بما يجعل من التعاون الصيني الجزائري قاطرة للتنمية الإقليمية والتكامل الإفريقي–الآسيوي.
نحو مستقبل أكثر ازدهاراً
من المؤكد أن مخرجات الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ستشكل خريطة طريق جديدة ضمن الخطة الخمسية المتجددة لتقود الصين إلى مرحلة أكثر تقدماً واستقراراً. ومع استمرار انفتاحها على العالم، سيبقى التعاون الصيني العربي نموذجاً ناجحاً للتكامل بين الشرق والغرب والتناغم جنوب-جنوب في سبيل تحقيق التنمية المشتركة وبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية — وهي الرؤية التي تمثل جوهر الفكر الصيني المعاصر في السياسة الدولية.
إنّ الجلسة الكاملة الرابعة للحزب الشيوعي الصيني تمثل بوصلة جديدة للتنمية في الصين والعالم، ورسالة واضحة بأنّ الصين ماضية في طريقها بثقة نحو مستقبل أكثر إشراقاً، عنوانه: السلام، والازدهار، والتعاون والفوز المشترك.
*عبد القادر خليل، رئيس تحرير شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية، عضو الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين أصدقاء وحُلفاء الصين، و عضو مجلس الإدارة الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل