شبكة طريق الحرير الإخبارية/
حاورها الصحفي بهاء مانع شياع الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين اصدقاء وحلفاء الصين رئيس فرع العراق وعضو الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل، مدير تحرير وكالة أجنادين الإخبارية.
المقدمة:
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة وتزايد أهمية الصين كلاعب محوري في النظام العالمي، تبرز الحاجة لفهم أعمق لهذه الحضارة العريقة، ليس فقط من منطلق اقتصادي، بل عبر بوابة الثقافة واللغة والتاريخ المشترك. وفي هذا الإطار، كان لنا هذا الحوار الخاص مع الأستاذة الدكتورة خديجة عللي ، أستاذة اللغة والثقافة الصينية، والمتخصصة في العلاقات العربية الصينية.
بفضل مسارها الأكاديمي الحافل لمدة خمسة عشرة سنة بالمثابرة المتفانية ومساهماتها في مجالات التبادل الثقافي والدبلوماسية العلمية، استطاعت أن تكون همزة وصل بين ضفتي العالم العربي والصين، حاملة معها رؤية متبصرة لمستقبل هذه العلاقة التاريخية.
سؤال: لماذا اختيارك الصين ومتى بدأ هذا التوجه؟ وما أهمية هذه العلاقة برأيك؟
الجواب:
اختياري للصين لم يكن قرارًا عابرًا، بل جاء نتيجة شغف عميق بالحضارات الشرقية، وخصوصًا الحضارة الصينية التي تتميز بعمقها التاريخي وثرائها الفكري. بدأ هذا التوجه منذ سنوات دراستي الأولى، حيث شدّتني اللغة الصينية بتركيبها الفريد، ثم انطلقت نحو التخصص في العلاقات العربية الصينية خلال مرحلة الدكتوراه وبصفتي باحثة أكاديمية ومستشارة في عدة جمعيات دولية أسعى إلى ربط جسور التواصل بين الدول العربية والصين .
كما أؤمن أن العلاقة بين العالم العربي والصين ليست مجرد علاقة اقتصادية أو سياسية، بل هي علاقة ثقافية وإنسانية تمتد جذورها إلى قرون خلت، عبر طريق الحرير. هذا العمق التاريخي يعطي لتقوية هذه العلاقة اليوم بعدًا استراتيجيا وحضاريًا مهمًا، خاصة في ظل التحديات العالمية الراهنة.
سؤال: هل تجدين أن هناك تطورًا في العلاقات العربية الصينية؟
الجواب:
بكل تأكيد، هناك تطور ملحوظ في العلاقات العربية الصينية خلال العقدين الأخيرين. هذه العلاقات تجاوزت الجانب الاقتصادي لتشمل مجالات التعليم، الثقافة، التبادل الأكاديمي، والبحث العلمي. المبادرات المشتركة، والزيارات المتبادلة على المستوى الرسمي والشعبي، تعكس رغبة حقيقية من الجانبين في بناء شراكات طويلة الأمد، مبنية على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة.
سؤال: ما هي الصعوبات التي واجهتك خلال عملك في هذا المجال؟
الجواب:
كل مجال له تحدياته، والعمل في حقل العلاقات الثقافية والدولية يتطلب الكثير من الصبر والدبلوماسية. من بين الصعوبات التي واجهتها: ضعف الوعي بثقافة الآخر، سواء في بعض الأوساط العربية أو الصينية، والحاجة المستمرة إلى كسر الصور النمطية. كما أن الترجمة الثقافية بين لغتين وحضارتين بهذا الحجم ليست دائمًا سهلة، إذ تتطلب دقة وفهمًا عميقًا للسياقات الاجتماعية والتاريخية.
سؤال: هل سبق لك زيارة الصين؟ وكيف كانت انطباعاتك؟
الجواب:
نعم، زرت الصين أكثر من مرة، وكل زيارة كانت بمثابة اكتشاف جديد. الصين بلد غني بالتنوع الجغرافي والثقافي، شعرت خلال زياراتي بقوة الحضارة الصينية وأثرها الحاضر في تفاصيل الحياة اليومية. الانطباع الأقوى لدي كان حول جدية الصينيين في العمل، واعتزازهم بهويتهم، وحفاوتهم بكل من يسعى لفهم ثقافتهم بصدق واحترام.
سؤال: الصين دائمًا تسعى لبناء علاقات شراكة مع دول العالم، ومبادرة “الحزام والطريق” خير دليل. كيف تقيمين هذه المبادرة؟
الجواب:
مبادرة “الحزام والطريق” تمثل رؤية استراتيجية عميقة لإعادة إحياء الروابط التاريخية بين الصين وباقي العالم، بما في ذلك العالم العربي. المبادرة لا تقتصر على الجانب التجاري فقط، بل تفتح آفاقًا للتعاون الثقافي، الأكاديمي، والتنموي. تقييمنا لها يجب أن يأخذ في الاعتبار الإمكانيات الكبيرة التي توفرها لدول الجنوب، خاصة إذا تم التعامل معها بندية وتوازن. من وجهة نظري، هذه المبادرة فرصة تاريخية لإعادة تموقع الدول العربية على خريطة الاقتصاد العالمي.
سؤال: ما هو مستوى العلاقات المغربية الصينية؟ وهل شهدت تطورات مهمة؟
الجواب:
العلاقات المغربية الصينية شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا، سواء على مستوى الشراكة الاستراتيجية أو المشاريع الاقتصادية والاستثمارات. المغرب كان من أوائل الدول العربية التي انخرطت رسميًا في مبادرة “الحزام والطريق”، وهذا يعكس رغبته في تعزيز مكانته كجسر بين الصين وأفريقيا وأوروبا. بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي، هناك أيضًا توجه لتقوية التبادل الثقافي والعلمي، وهو ما أعتبره عنصرًا أساسيًا لأي علاقة مستدامة.
سؤال: ما هي نظرتك لمستقبل العلاقات العربية الصينية؟
الجواب:
أرى مستقبل العلاقات العربية الصينية واعدًا جدًا، شرط أن تبنى على أسس الحوار والتفاهم الثقافي المتبادل، لا فقط على المصالح الآنية. الصين تنظر إلى العالم العربي كشريك استراتيجي، والعالم العربي بدوره في حاجة إلى تنويع شراكاته الدولية. إذا تم استثمار هذا التوجه بذكاء وبتخطيط بعيد المدى، فإننا مقبلون على مرحلة جديدة من التعاون البنّاء، قوامها المعرفة والاحترام والمصالح المشتركة.
سؤال: هل سبق لك زيارة الصين؟ وكيف كانت انطباعاتك؟
الجواب:
نعم، زرت الصين أكثر من مرة، وكانت تلك الزيارات من أبرز المحطات في مسيرتي الأكاديمية والثقافية. زرت عدة مدن صينية، ولكل منها طابعها الفريد وسحرها الخاص. من بين المدن التي كان لها أثر كبير في نفسي: شانغهاي، التي تمثل واجهة الصين الحديثة والمستقبلية، مدينة تنبض بالحياة، وتعكس التوازن بين الأصالة والتجديد؛ ثم بكين، العاصمة السياسية والثقافية، التي تحتفظ بعبق التاريخ في زوايا المدينة المحرمة وساحات المعابد، وتجمع في الوقت نفسه بين الهيبة والحداثة.
أما مدينة خوجو، فهي من أجمل المدن التي تعكس روح الأدب والفن الصيني، تشتهر بجمالها الطبيعي وقنواتها المائية، وهي مصدر إلهام للشعراء والفنانين. زرت أيضًا تشنغدو (تسيجو)، المدينة التي تحتضن الباندا العملاقة، وتتمتع بثقافة طعام غنية، وشعب ودود ومضياف. في جينان، عاصمة مقاطعة شاندونغ، أعجبتني ينابيعها الشهيرة، وهدوؤها المثالي للتأمل والبحث.
كما كانت لي محطة مميزة في قوانغدونغ (قوانطون)، والتي تعتبر بوابة جنوب الصين، ذات طابع تجاري منفتح وثقافة متعددة، حيث تتقاطع تأثيرات محلية ودولية في مشهد حضاري نابض.
ما يميز هذه المدن – على اختلاف مواقعها الجغرافية وثقافاتها المحلية – هو الإحساس العميق بالتاريخ والهوية، إلى جانب الانفتاح والرغبة في التواصل. شعرت في كل مدينة أنني أكتشف وجهًا جديدًا للصين، وكنت أزداد قناعة بأن هذا البلد ليس مجرد قوة اقتصادية
الخاتمة:
من خلال هذا الحوار، يتضح أن العلاقات العربية الصينية لم تعد مجرد خيار سياسي أو اقتصادي، بل أصبحت ضرورة حضارية وإنسانية في عالم تتشابك فيه المصالح وتتعاظم فيه التحديات.
رؤية الأستاذة الدكتورة خديجة عللي تنبني على الإيمان بأن الحوار الثقافي، والتفاهم العميق بين الشعوب، هو الأساس الحقيقي لبناء شراكات استراتيجية مستدامة.
وإذا كانت الصين تمد يدها من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، فإن العالم العربي، من موقعه الجغرافي والتاريخي، يمتلك كل المقومات ليكون شريكًا فاعلًا في رسم معالم نظام عالمي أكثر توازنًا وتعددية.