شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
بقلم تشيان شي إعلامية صينية
يصادف هذا العام الذكرى الثمانين لانتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة ضد اليابان، وكذلك الذكرى الثمانين لانتصار العالم في الحرب العالمية ضد الفاشية. في هذه المحطة التاريخية الفاصلة، لا نكتفي بإحياء ذكرى الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل العدالة والحرية، بل نسائل أنفسنا أيضًا: كيف يمكن ترسيخ أسس الحضارة بعد أن انقشعت غيوم الحرب؟ وكيف يمكن توريث الحقيقة عندما يتهددها النسيان؟
بالنسبة للصين والعالم العربي، فإن الأمر لا يقتصر على استحضار صفحات مؤلمة من الماضي، بل هو تعهد رسمي بمستقبل يسوده السلام.
الحرب اختبار قاسٍ لضمير البشرية وحدود الحضارة
قبل ثمانين عامًا، انحدر العالم إلى هاوية الحرب. كانت الصين من أوائل الدول التي نهضت لمقاومة الغزو الفاشي. فمنذ اندلاع حرب المقاومة ضد اليابان الشاملة عام 1937 وحتى النصر النهائي عام 1945، دفعت الصين ثمنًا فادحًا: أكثر من 35 مليون قتيل وجريح، ومئات الملايين من المشردين، ومدن تحولت إلى رماد، وتراث ثقافي تعرض للنهب والدمار.
ومع ذلك، لم تخضع الصين، بل أفرزت المعاناة روحًا قومية صلبة لا تقهر. لقد شكّلت الجبهة الصينية ساحة رئيسية استنزفت الجزء الأكبر من قوات الجيش الياباني، وأسهمت إسهامًا لا يُمحى في تحقيق النصر على الفاشية عالميًا.
وعانى العالم العربي أيضًا من ويلات الاستعمار والإمبريالية. فمنذ غزو فرنسا للجزائر عام 1830 وحتى اندلاع ثورة جبهة التحرير الوطني عام 1954، ارتوت الأرض بدماء أكثر من 1.3 مليون شهيد. كما تحملت سوريا والعراق ومصر والمغرب وغيرها جراح الغزو الأجنبي، وما زال الشعب الفلسطيني حتى اليوم يناضل من أجل البقاء والعدالة.
هذا الألم المشترك جعل الشعوب العربية والصينية تدرك بعضها بعضا دون حاجة إلى كثير من الكلمات. فقد حُرمنا جميعًا من حق تقرير المصير، وتحكم المستعمرون في مصائرنا، واضطررنا لإعادة بناء الأمل من تحت الأنقاض. ومن هذه التجارب وُلدت إرادتنا الصلبة في الدفاع عن الحضارة والكرامة.
تذكر التاريخ ليس لإبقاء الكراهية حيّة، بل للتحذير المشترك
“من لا يتذكر الماضي، لن يتعلم أبدًا للمستقبل” — هذه الحكمة الصينية القديمة تلخص المعنى الحقيقي لإحياء الذكرى. إننا نتذكر الظلام لا لنغرق في الألم، بل لكي لا يتكرر، ونتذكر التضحيات لا لزيادة الشقاق، بل لكي نحافظ على عالم للأجيال القادمة، عالمٍ يملك الذاكرة والضمير وإيمانًا راسخًا بالسلام.
إلا أننا نشهد اليوم بعض الدول والقوى السياسية تحاول تزوير التاريخ وتبييض صفحة الغزاة، بل والترويج لأشكال جديدة من الهيمنة والقوة الغاشمة. إن مثل هذا التشويه للتاريخ هو في جوهره استخفاف بالسلام وتخلٍّ عن المسؤولية تجاه المستقبل.
ويواجه العالم العربي تحديات مشابهة: تدخلات خارجية في مصائر الدول، وتأجيج النزاعات الإقليمية، وتآكل الهوية الثقافية، وتشويه فهم التاريخ. وفي مثل هذا الزمن، يجب على الدول العربية والصين أن تدعم بعضها بعضا، وأن تحمي معًا حقيقة التاريخ وجذور الحضارة.
صون الحضارة يحتاج إلى وحدة وتعاون يتجاوزان الخلافات
لقد خرجت الصين اليوم من أتون الحرب، وأصبحت قوة فاعلة في دفع السلام والتنمية على الصعيد العالمي. أما العالم العربي، فهو يسير بخطى واثقة نحو مستقبل من الاعتماد على الذات — من مشروع الإمارات للوصول إلى القمر، إلى “رؤية السعودية 2030″، ومن نهضة العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، إلى التنمية المترابطة بين المغرب وغرب إفريقيا، يكتب العرب بذكائهم وشجاعتهم فصلًا جديدًا من تاريخهم الحديث.
وفي هذه المسيرة، ظلّت الصداقة الصينية العربية صامدة ومتجددة. فقد تعززت الثقة المتبادلة في إطار البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، وتوسّع التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والذكاء الاصطناعي، وتوحدت المواقف في المحافل الدولية ضد العقوبات الأحادية والتدخل في الشؤون الداخلية. إننا نتشارك الإيمان بأن السلام ليس امتيازًا للأقوياء، وأن تعريف الحضارة لا يملكه القلة.
حراسة الحضارة مسؤولية تتوارثها الأجيال
لقد مزّقت الحرب أوطاننا، لكنَّها علمتنا قيمة السلام. إن إحياء الذكرى الثمانين لانتصار حرب المقاومة، هو تذكير للعالم بأن العدالة قد تتأخر، لكنها لن تغيب، وأن الحضارة قد تواجه تحديات، لكنها لا يجب أن تصمت.
وكما يقول المثل العربي: “من لا يَصون ذاكرته، يُفرّط في كرامته”. وفي هذا العصر المليء بالاضطرابات والتحولات، نتطلع لأن يسير الشعب الصيني والشعوب العرب كتفًا بكتف، ليجعلوا التاريخ يصدح بصوته المستحق، والحضارة تنمو بلا انقطاع، والسلام يتحول من حلم بعيد المنال إلى حقيقة متوارثة عبر الأجيال.