شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
في خطوة استراتيجية تعكس طموحاتها المتزايدة في قيادة الجيل القادم من الابتكار العالمي، أعلنت الصين خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي الذي عُقد في شنغهاي في يوليو 2025، عن مبادرة تأسيس منظمة دولية معنية بالتعاون والحوكمة في مجال الذكاء الاصطناعي تهدف هذه المنظمة، التي يُقترح أن يكون مقرها الدائم في شنغهاي، إلى تنسيق الجهود الدولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، ووضع أطر ومعايير موحدة تضمن استخدامًا مسؤولًا وأخلاقيًا لهذه التقنية الثورية.
تعكس المبادرة رؤية شاملة لدور الذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبل البشرية، وتضع الصين في موقع القيادة لتحديد معايير السلامة، الشفافية، والعدالة في استخدام التكنولوجيا وقد طرح رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، خلال المؤتمر خطة عمل من 13 نقطة تتضمن مبادئ واضحة لتنظيم البيانات، مراقبة الخوارزميات، احترام الخصوصية، وحماية حقوق الإنسان في سياق الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي المفتوح والمشترك، خاصة بين الدول النامية والناشئة.
واحدة من أبرز سمات هذه المبادرة هي تأكيدها على الشمولية والتنمية المتوازنة، حيث تدعو الصين إلى إشراك دول الجنوب العالمي بشكل فعّال في صياغة السياسات والمعايير التقنية، مما يضمن استفادة الجميع من ثمار الابتكار، ويمنع تمركز القوة التقنية في يد قلة من الدول أو الشركات كما تؤكد المبادرة على أهمية تطوير بيئة تنظيمية تعزز الابتكار المفتوح وتشجع تبادل المعرفة، دون إغفال الحاجة إلى آليات رقابة فعّالة تمنع إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات قد تضر بالأمن أو الاستقرار الاجتماعي.
في هذا السياق، تبرز الصين كقوة تكنولوجية ذات مسؤولية عالمية، تسعى إلى بناء نظام حوكمة يوازن بين التطوير التقني والنظر في الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة له وقد وجدت المبادرة تأييدًا مبدئيًا من تكتلات دولية كبرى مثل مجموعة البريكس، التي تشارك الصين رؤيتها حول أهمية صياغة نموذج عالمي بديل وأكثر عدالة في إدارة مستقبل الذكاء الاصطناعي.
إن مبادرة بكين لا تمثل فقط تطورًا تنظيميًا مهمًا في المشهد العالمي، بل تشكل أيضًا نقلة نوعية في كيفية تعامل الدول مع التحول الرقمي كقضية سيادية وإنسانية. عبر هذا التوجه، تؤكد الصين أنها لا تسعى فقط إلى تطوير التكنولوجيا، بل إلى إعادة رسم قواعد إدارتها عالميًا، بما يحقق توازنًا بين الابتكار والمصلحة العامة، ويضع الذكاء الاصطناعي في خدمة البشرية جمعاء، بعيدًا عن الاحتكار أو التوظيف الضيق فبهذه المبادرة، تضع الصين نفسها في قلب الجدل العالمي حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، ليس فقط كمصنّع أو مطوّر، بل كمنظّر ومنظّم عالمي للطريقة التي سيُستخدم بها هذا العقل الاصطناعي في حياة البشر.
*فادي السمردلي، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتاب أصدقاء الصين