شبكة طريق الحرير الإخبارية/
سيد عبد الله جباروف،
أستاذ بجامعة التربية و التعليم، فرغ قوبا، أذربيجان
يُعتبر الثاني والعشرون من يوليو عام 1875 يومًا مفصليًا في تاريخ الثقافة الأذربيجانية، إذ شهد ولادة أول صحيفة وطنية ناطقة باللغة الأذربيجانية، وهي صحيفة “أكينتشي”، التي أسسها المفكر والمصلح حسن بيك زردابي.
لم تكن “أكينتشي” مجرد نشرة إخبارية، بل كانت مشروعًا تنويريًا يسعى إلى إرساء مفاهيم الوعي الوطني، ونشر العلوم، وتحديث المجتمع الأذربيجاني في ظل الاستعمار الثقافي والإداري للإمبراطوريةالقيصرية الروسية آنذاك.
وقد مهّد هذا الحدث التاريخي لظهور جيل من المفكرين والكتّاب الذين لعبوا دورًا حاسمًا في تشكيل الهوية الثقافية الحديثة لأذربيجان، مما جعل من يوم 22 يوليو ليس فقط يومًا للصحافة، بل رمزًا للبداية الواعية لمسيرة التنوير الفكري والاجتماعي في البلاد.
يُعتبر 22 يوليو عام 1875 يوماً مفصلياً في تاريخ الثقافة الأذربيجانية، إذ شهد صدور أول صحيفة وطنية ناطقة باللغة الآذربيجانية “أكينتشي” التي أسسها العالم والمفكر الآذربيجاني، حسن بك زردابي. و كان يقول حسن بك زردابي: ” يجب علي الصحافة ان تخدم الشعب، لا على الشعب ان يخدم الصحافة.
شكّلت هذه الصحيفة اي “أكينتشي” ، التي كانت تصدر في مدينة باكو، نواة الصحافة الوطنية، ووسيلة للتنوير الاجتماعي وبناء الوعي القومي.
أُسست “أكينتشي” بدعم جزئي من حاكم باكو العام، لكنها لم تكن صحيفة حكومية بحتة، بل كانت مشروعاً فكرياً بامتياز. أراد حسن بيك زردابي من خلالها أن يخاطب عامة الناس، وخاصة الفلاحين، بلغة مفهومة وقريبة من الحياة اليومية. و كان يكتب و يقول: لا أريد أن تكون صحيفتي للعلماء والنخبة فقط، بل للفلاحين والبسطاء الذين هم عماد المجتمع.
اهتمت الصحيفة بقضايا التعليم، والطب، والزراعة، ونقد الجهل والخرافات، ودعت إلى التعلم والنهضة الحضارية. وقد كتب زردابي: لا خلاص لأمتنا إلا بالعلم والعمل، أما التقليد الأعمى والكسل فهما عدوان خفيان”.
تطور الصحافة الوطنية حتى بعد توقف نشرأكينتشي
رغم أن الصحيفة توقفت عن الصدور عام 1877 بسبب الضغوط السياسية، إلا أن تأثيرها ظل قائماً. تبعتها صحف أخرى مثل “كاسبي” صدرت باللغتين الروسية والأذربيجانية، وكان لها تأثير واسع لعبت دوراً في نشر الفكر الإصلاحي، والدفاع عن الهوية الثقافية.
وفي فترة ما قبل الاستقلال الآذربيجان كأول جومهرية ديمقراطية في شرق الاسلامي عام 1918، أصبحت الصحافة منبراً لنقل أفكار التنوير، والنقاش حول الهوية الوطنية، والمطالبة بحقوق الشعب الأذربيجاني ضمن الدولة الروسية القيصرية.
الصحافة في جمهورية أذربيجان الشعبية باعتبارها أول جمهورية ديمقراطية في شرق الأسلامي.
ومع إعلان أول جمهورية ديمقراطية في الشرق الإسلامي، نشطت الصحافة بشكل كبير، وتم تأسيس العديد من الصحف التي دافعت عن الحرية والديمقراطية. من أبرز الصحف آنذاك مثل “آذر آخباري” و “استقلال”.
لم تكتفِ الصحافة في تلك الفترة بنقل الأخبار، بل ساهمت بفعالية في تعزيز فكرة الدولة القومية الحديثة و الدفاع عن الاستقلال الوطني و الترويج لمفاهيم التعليم المدني وحقوق الإنسان و تشجيع المرأة على المشاركة في الحياة العامة.
الرقابة الأيديولوجية في العهد السوفيتي.
في ظل الحكم السوفيتي، خضعت الصحافة الأذربيجانية للرقابة، وتحولت في معظمها إلى أداة للدعاية، إلا أن بعض الصحفيين والكتاب استطاعوا تمرير رسائل ثقافية ووطنية بشكل رمزي. استمرت الصحف، لكنها فقدت كثيراً من استقلاليتها، حيث تولت هيئة الرقابة الرسمية، مهمة فحص كل منشور قبل صدوره ولم تكن الرقابة محصورة في المحتوى السياسي فحسب، بل شملت على النصوص الأدبيةو الكتب والمسرحيات والمطبوعات الأكاديمية وحتى الشعارات والإعلانات.
وقد كانت الرقابة تمنع نشر أي محتوى يُحتمل أن يُضعف هيبة الحزب الشيوعي، أو يشير إلى مشكلات اجتماعية، أو يطرح تساؤلات أخلاقية أو فكرية خارج الإطار الرسمي.
الهوية الوطنية تحت الحصار
من أبرز نتائج الرقابة السوفيتية أنها عملت على تهميش الهوية الوطنية الأذربيجانية. فقد تم تقليص استخدام الرموز القومية و الدينية، وتشويه التراث الثقافي والتاريخي و الأسلامي، بل وتغيير المناهج التعليمية والأدبية بما يخدم أيديولوجية ” السوفتيية “.
في كثير من الأحيان، كان الكُتاب والمفكرون والمثقفون يُتهمون بـ”القومية الضيقة او المتعصبة” إذا حاولوا الدفاع عن اللغة أو التراث الوطني. وواجه كثير منهم الاعتقال، أو النفي، أو المنع من النشر.
الصحافة في أذربيجان المستقلة
بعد استقلال أذربيجان من الاتحاد السوفيتي عام 1991، دخلت أذربيجان مرحلة جديدة من تاريخها السياسي والثقافي، معلنة استقلالها واستعادة سيادتها الوطنية. وكان من أبرز ملامح هذه المرحلة انبعاث الصحافة الحرة، التي طالما حوصرت لعقود تحت وطأة الرقابة الأيديولوجية السوفيتية.
في السنوات الأولى للاستقلال، شهدت البلاد انفجارًا في عدد الصحف والمجلات المستقلة. ظهرت مؤسسات إعلامية تمثل توجهات فكرية وسياسية مختلفة، وأصبح الإعلام ساحة مفتوحة للتعبير عن الرأي، والحوار الوطني، مما خلق بيئة جديدة أتاحت للصحفيين لأول مرة منذ عقود التعبير بحرية عن قضايا المجتمع والدولة.
وكماان أذربيجان وضعت عددًا من القوانين لضبط العلاقة بين حرية التعبير والمسؤولية الإعلامية، منها قانون الحصول على المعلومات، قوانين حماية الملكية الفكرية وحقوق النشر.
كما تم إنشاء مؤسسات لتنظيم المجال الإعلامي، مثل المجلس الوطني للصحافة، واتحاد الصحفيين، إلى جانب تأسيس كليات متخصصة في الإعلام في الجامعات المختلفة.
لقد قطعت الصحافةالمستقلة في أذربيجان شوطًا طويلًا نحو ترسيخ مفاهيم الحرية والمسؤولية، وباتت عنصرًا أساسيًّا في الحياة العامة.
وقد أُعلن الثاني والعشرون من يوليو من كل عام يومًا رسميًّا لإحياء ذكرى صدور صحيفة “أكينتشي”، تخليدًا وتقديرًا للصحفيين الرواد الذين أسّسوا لنهضة الصحافة الوطنية في أذربيجان.