شبكة طريق الحرير الإخبارية
منصة ترمذ – حوار من أجل ضمان الأمن والاستقرار في آسيا الوسطى وجنوب آسيا
منذ العصور القديمة، ارتبطت آسيا الوسطى وجنوب آسيا ارتباطًا وثيقًا من خلال التجارة والتبادل الثقافي والعمليات السياسية. وقد ساهم القرب الجغرافي وطرق التجارة القديمة في تعزيز الحوار بين الشعوب والحضارات، وتبادل السلع والثقافة، وتكوين هوية تاريخية وثقافية مشتركة في المنطقة. وبعد نيل الاستقلال، بدأت دول آسيا الوسطى تدريجيًا في تطوير سياساتها الخارجية واستراتيجياتها الاقتصادية تجاه جنوب آسيا.
نظراً لأهمية آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وما تتميز به من موقع استراتيجي، وموارد طبيعية وفيرة، وإمكانيات ديموغرافية، وإرث تاريخي، فقد أصبحت هذه المناطق موضوعاً لبحوث علمية مكثفة. ومن منظور منظومة الأمن الإقليمي، ينظر الباحثون إلى آسيا الوسطى وجنوب آسيا كمنطقتين مستقلتين ومتساويتين في الوقت نفسه. وفي هذا السياق، من المهم التأكيد على تحول دور أفغانستان كعنصر أساسي في منظومة الأمن الإقليمي، مما يُسهّل الترابط والتقارب التدريجي بين جنوب ووسط آسيا.
تجدر الإشارة إلى أن أوزبكستان، الواقعة في قلب آسيا الوسطى، تلعب دورًا رئيسيًا في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين. وفي الوقت نفسه، تطمح الدولة، التي تعزز بنشاط مبادرات السياسة الخارجية البناءة التي تهدف إلى تعزيز السلام والتعاون في المنطقة، إلى أن تكون بمثابة جسر بين وسط وجنوب آسيا. وإدراكًا للحاجة المتزايدة إلى العلاقات المتبادلة بين المنطقتين، عُقد في طشقند في يوليو 2021، بمبادرة من رئيس جمهورية أوزبكستان ش.م. ميرزيوييف، مؤتمر دولي رفيع المستوى بعنوان “وسط وجنوب آسيا: الترابط الإقليمي. التحديات والفرص”.
وقد طُرح هناك اقتراح بوضع مشروع قرار خاص “بشأن تعزيز الترابط بين وسط وجنوب آسيا” وتقديمه للنظر فيه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. ونتيجة لذلك، وافقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالإجماع في يوليو 2022 على القرار، الذي أصبح شهادة حية على تعزيز دور بلدنا وسلطته على الساحة الدولية.
وينبغي التأكيد على أن القرار يدعو الدول إلى توحيد جهودها في مكافحة التحديات والتهديدات المشتركة للاستقرار والأمن في وسط وجنوب آسيا، ويوصي بمواصلة وتعميق التعاون بين المناطق من خلال توسيع البنية التحتية للنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلاً عن تطوير ممرات نقل دولية جديدة توفر طرقاً مريحة ومستدامة ومجدية تجارياً وبأسعار معقولة ويمكن الوصول إليها وشاملة وآمنة إلى الموانئ البحرية.
في هذه العمليات، تمتلك ترمذ القدرة على أن تصبح منصة فريدة لربط المنطقتين، سواء من حيث ضمان الأمن الإقليمي أو من حيث تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية. في الوقت نفسه، احتلت مدينة ترمذ، التي تُعتبر تاريخيًا أحد مراكز الحوار بين الشعوب والحضارات، وتنمية العلاقات التجارية والإنسانية وغيرها، مكانة استراتيجية مهمة في المنطقة لقرون عديدة. وهكذا، في عصر إمبراطورية كوشان، كانت ترمذ بمثابة مركز ثقافي رئيسي حيث تفاعلت الحضارات المختلفة بنشاط. كانت المدينة مركزًا مهمًا لنقل الفن والأدب البوذي، الذي انتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء آسيا الوسطى والجنوبية. علاوة على ذلك، من وجهة نظر جغرافية، كانت ترمذ حلقة وصل بين آسيا الوسطى والجنوبية. كما كانت أيضًا إحدى النقاط الرئيسية على طريق الحرير العظيم الذي يربط الشرق بالغرب.
في المرحلة الحالية، تُعدّ ترمذ نقطة انطلاق لتنفيذ عدد من مشاريع النقل والبنية التحتية، مثل خط سكة حديد “ترمذ – مزار شريف – كابول – بيشاور”، وخطوط الكهرباء “سورخان – بولي – خُمري”، وغيرها. وتكمن أهمية منصة ترمذ بشكل عام في الآتي:
أولاً، في سياق ضمان الأمن والاستقرار الإقليمي ، حافظت مدينة ترمذ على مكانة محورية. ففي أعقاب أحداث 11/9/2001، أُنشئت “نقطة ترمذ للنقل الجوي الاستراتيجي” فيها، والتي عملت من عام 2002 إلى عام 2015، ووفرت الدعم اللوجستي للشحنات الإنسانية لقوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان. وقد عززت هذه التجربة أهمية المدينة كمركز عبور وإمداد آمن خلال فترات عدم الاستقرار العسكري.
بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم معبر ترمذ بفعالية في إطار المبادرات المشتركة لأوزبكستان مع شركائها الدوليين لمكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات والجريمة العابرة للحدود. وفي هذا السياق، يلعب “جسر الصداقة” الذي يربط أوزبكستان وأفغانستان دورًا هامًا في ضمان السيطرة ليس فقط على حركة الأشخاص والبضائع، بل أيضًا في رصد الاتجار غير المشروع بالمخدرات القادمة من أفغانستان، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الأمن الإقليمي (على سبيل المثال، أحبط موظفو مركز “أيريتوم” الجمركي الحدودي في منطقة سورخاندريا في مارس 2022 محاولة استيراد غير مشروعة
لدفعة من المخدرات بلغ وزنها الإجمالي 154 كجم، وفي فبراير من هذا العام – 612 كجم ) .
في الوقت نفسه، تُعتبر مدينة ترمذ منصةً لحل القضايا الحدودية بشكل بناء. ففي الفترة من 22 إلى 28 أغسطس/آب 2024، عُقد في ترمذ اجتماع دوري لمجموعات العمل التابعة للجنة ترسيم الحدود الأوزبكية الطاجيكية المشتركة. وخلال الاجتماع، استمر العمل المشترك لتنسيق رسم خط ترسيم الحدود الدولية الأوزبكية الطاجيكية، وعقب ذلك وُقّع بروتوكولٌ بهذا الشأن.
ثانيًا ، يتم تحديد الأهمية التجارية والاقتصادية واللوجستية لمدينة ترمذ، كأساس مادي للسلام والأمن على المدى الطويل في وسط وجنوب آسيا، من خلال موقعها الاستراتيجي والبنية التحتية اللوجستية الحديثة. على وجه الخصوص، في عام 2022، حصل “محطة مركز ترمذ للشحن” على وضع مركز لوجستي متعدد الوظائف دولي يخدم تدفقات البضائع
إلى أفغانستان ودول جنوب آسيا. وقد أدى ذلك بدوره إلى رفع مكانتها في البنية التحتية الإنسانية الدولية (منذ عام 2025 تم دمجها في شبكة مستودعات المفوضية السامية للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية) وساهم في توسيع جغرافية الشحنات الإنسانية (في عام 2022 تم تسليم المساعدات الإنسانية عن طريق الجو من ترمذ إلى ضحايا الفيضانات في باكستان، وفي 2021-2022 أرسل مركز اللوجستيات الإنسانية الإقليمي التابع لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ترمذ 217 شاحنة محملة بالسلع الأساسية إلى أفغانستان). يُشار إلى أن البنية التحتية في ترمذ تُستخدم بشكل نشط من قبل المنظمات الدولية لتوصيل الغذاء والدواء إلى جنوب آسيا، مما يساهم في تخفيف التوتر الاجتماعي ومنع تصعيد الصراعات الناجمة عن الأزمات الإنسانية.
علاوة على ذلك، فإن افتتاح مركز ترمذ التجاري الدولي في أغسطس 2024، والذي صُمم لخلق بيئة أعمال ولوجستية مواتية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتهيئة الظروف المناسبة لرواد الأعمال، من جهة، يعزز الجاذبية الاقتصادية للمدينة، ومن جهة أخرى، يحفز نمو التعاون الاقتصادي بين وسط وجنوب آسيا. وفي هذا السياق،.تجدر الإشارة إلى أنه على أراضي المركز (37 هكتارًا، على بُعد 500 متر من الحدود مع أفغانستان)، حيث يقع 3 آلاف منفذ بيع بالتجزئة، تم تطبيق نظام إعفاء من التأشيرة لمدة 15 يومًا للزوار.
في هذا الصدد، تُعتبر مدينة ترمذ منصةً مثاليةً لتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية. ففي شهري مارس وأبريل من هذا العام، زار ممثلون عن الوفد الأفغاني، برئاسة وزير التجارة ن. عزيزي، ورجال أعمال من ولاية بلخ، مدينة ترمذ، حيث عقدوا اجتماعًا مع الجانب الأوزبكي لتطوير التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي، وتوسيع نطاق التعاون في قطاعات مثل الزراعة والمنسوجات والأدوية والأغذية والتعدين.
ثالثًا، تُعتبر الإمكانات الثقافية والإنسانية لمدينة ترمذ ذات أهمية بالغة. لذلك، في عام ٢٠١٨، وبمبادرة من رئيس جمهورية أوزبكستان، أُنشئ مركز تعليمي للمواطنين الأفغان. هذه المؤسسة التعليمية هي الوحيدة في العالم التي تُقدم تدريبًا حصريًا للأفغان في ١٧ مجالًا من التعليم العالي و١٦ مجالًا من التعليم الثانوي المتخصص والمهني. خلال فترة عمله، تلقى حوالي ٧٠٠ مواطن أفغاني تدريبًا، منهم ٢٠٠ فتاة.
تحافظ المؤسسة بنشاط على علاقات دولية وتعاون مع الدول المانحة والمنظمات الأجنبية، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والاتحاد الأوروبي، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وسلوفاكيا، والهند. وفي يناير 2023، افتُتح “مركز الاتحاد الأوروبي للمعرفة” على أرض هذه المؤسسة التعليمية لتدريب وتثقيف المواطنين الأفغان (وهو مساحة عمل مشتركة توفر منصة للعمل المشترك والتعلم الذاتي وبناء العلاقات المهنية) . وبشكل عام، سيُسهم إنشاء مركز تعليمي لأفغانستان في ترمذ في توسيع نطاق حصول المواطنين الأفغان على تعليم جيد، بالإضافة إلى توفير بيئة تعليمية وتقنيات للتدريب المهني.
لذلك، تتمتع منطقتا وسط وجنوب آسيا، وهما منطقتان ناميتان ديناميكيتان، بنمو اقتصادي مستقر وفرص تنمية جديدة، بإمكانيات هائلة بفضل مواردهما الغنية، وتكاملهما الاقتصادي، وإمكانياتهما الديموغرافية، ومهامهما المشتركة، وقربهما الجغرافي. وفي الوقت نفسه، تهدف جهود أوزبكستان إلى دمج المنطقتين في فضاء واحد من التعاون والأمن والتنمية المستدامة.
في هذه العمليات، لا تُعدّ “منصة ترمذ” آليةً بناءةً لضمان الأمن والاستقرار في وسط وجنوب آسيا فحسب، بل تتمتع أيضًا بالقدرة على أن تُصبح أداةً إضافيةً لتطوير الروابط التجارية والاقتصادية وروابط النقل بين المنطقتين. في الوقت نفسه،
تُعتبر القضايا الأمنية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف والاتجار بالمخدرات، بالإضافة إلى تطوير التعاون في مجالات النقل والسياحة والتعليم، مجالًا واعدًا للتعاون بين المنطقتين.
دكتورا أستاذ مشارك
غلاموف أصل الدين غاباروفيتش