شبكة طريق الحرير الإخبارية/

الحروب التجارية تقوض التعاون العالمي والمستقبل المشترك للبشرية

عبد القادر خليل*

في عالم يزداد ترابطًا يوماً بعد يوم، أصبح التعاون العالمي ضرورة لا غنى عنها لضمان حياة أفضل للشعوب وبناء مستقبل مشترك للبشرية جمعاء. التحديات العابرة للحدود، كالتغير المناخي، والأوبئة، والأزمات الاقتصادية، لا يمكن لأي دولة مواجهتها بمفردها. ولهذا، فإن تعزيز التعددية والاحترام المتبادل بين الدول هو السبيل الأمثل لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.

تُعدّ الصين مثالاً بارزًا على التزامها بالتعاون الدولي والانفتاح الاقتصادي، حيث تبنت مبدأ “رابح-رابح” في علاقاتها مع مختلف دول العالم، من خلال مبادرات كـ”الحزام والطريق”، التنمية العالمية، الأمن العالمي، الحضارة العالمية، التي تهدف إلى تعزيز التنمية والبنية التحتية في الدول النامية، وتعزيز الأمن والاستقرار الشامل في عالم خال من النزاعات، وتعزيز الوحدة والوئام والاحترام المتبادل، والتعلم والتفاهم المتبادل بين الشعوب والحضارات، بما يخدم مصالح الجميع.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل ما تتعرض له الصين من استهداف ضمن استراتيجية ممنهجة من خلال حرب تجارية أمريكية متواصلة، كان آخر فصولها ما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ السابع أفريل الجاري، حين أقر تعريفات جمركية جديدة على الواردات الصينية والأجنبية من عدة دول. ورغم تعليقه تلك الرسوم بعد أيام فقط، لمدة 90 يوماً بالنسبة لمعظم الدول، فإن الاستثناء الوحيد كان الصين، مما يؤكد بوضوح أن هذه الإجراءات تستهدف بكيفية مباشرة الاقتصاد الصيني وتتناقض مع مبدأ المساواة والعدالة في التجارة الدولية.

وهنا لا يمكن تجاهل ما تعرضت له الصين أيضاً في عام 2018، حيث أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال عهدته الرئاسية الأولى، حربًا تجارية غير مسبوقة ضد الصين من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الصينية، مدعيةً وجود خلل في الميزان التجاري وانتهاكات للملكية الفكرية. رغم ذلك، ظل الموقف الصيني واضحًا وهو الدفاع عن النظام التجاري الدولي العادل، ورفض السياسات الأحادية التي تُهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي .

منذ البداية، أكدت الصين أن فرض الرسوم الجمركية الأمريكية يتعارض مع مبادئ منظمة التجارة العالمية، ويُعَقد آليات الحوار البناء. لم تكن الإجراءات الأمريكية سوى محاولة لاحتواء صعود الصين الاقتصادي عبر وسائل غير عادلة، مما دفع بكين إلى الرد بحكمة من خلال إجراءات متوازنة تحمي مصالحها دون التخلي عن التزامها بالتعاون الدولي. 

إن هذه السياسات الحمائية لا تُهدد فقط مصالح الصين، بل تزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، وتُضعف الثقة في نظام التجارة المتعدد الأطراف. في المقابل، يبرز موقف الصين المتزن، الذي يدعو إلى الحوار وحل الخلافات عبر المؤسسات الدولية، خاصة منظمة التجارة العالمية، ويعكس التزامها بمبادئ التعاون والتعددية.

على الرغم من الضغوط المتتالية، أظهر الاقتصاد الصيني مرونةً لافتة، معتمدًا على تنوع قطاعاته الصناعية وقوة سوقه الداخلية. كما عززت الصين تحولها نحو الابتكار التكنولوجي والاستثمار في الصناعات عالية الجودة، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، مما قلل من اعتمادها على التصدير التقليدي. وفي المقابل، عانت الشركات والمستهلكون الأمريكيون من ارتفاع التكاليف واضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، مما يؤكد فشل السياسات الحمائية في تحقيق أهدافها المعلنة. 

موقف الصين: الثبات على مبدأ التعاون والانفتاح

في مواجهة التصعيد الأمريكي وقرارات ترامب التي تبدو جزءًا من استراتيجية لـ”تضييق الخناق” على الصين عبر عزلتها تجاريًا، والتي قد تثير مخاطر اقتصادية غير مسبوقة، أكدت الصين مرارًا أنها لا تسعى إلى تصعيد النزاعات التجارية، لكنها لن تتردد في الدفاع عن مصالحها الوطنية المشروعة بالطُرُق التي تراها مناسبة. وقد أعلنت الحكومة الصينية عن إجراءات مضادة مدروسة لضمان توازن الرد، مع الإبقاء على باب الحوار مفتوحًا. وأكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في عدة مناسبات أن “الحرب التجارية لا يوجد فيها منتصر، والتعاون هو السبيل الوحيد نحو مستقبل مشترك“.

الصين موقفها ثابت وواضح، إذ تدعو دائماً إلى بناء عالم أكثر انفتاحاً وعدالة، وترى في التعددية التجارية والاحترام المتبادل الأساس الحقيقي لتجاوز الخلافات وبناء مجتمع دولي يسوده السلام والاستقرار والنمو المشترك.

*مدير شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية، عضو مجلس إدارة الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل،  عضو الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء الصين