شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: د. الضو خضر أحمد عبد الله
يعتبر تتويج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفترة رئاسية ثانية في العشرين من يناير 2025 حدثاً سياسياً عالمياً له وقعه في عالم المال والأعمال بالنسبة للداخل الأمريكي، وله مردوده وانعكاساته وصداه في عالم السياسة وحسابات الاقتصاد بالنسبة للعالم الخارجي، لا سيما وأن عودة ترامب قد مثلت صدمة بالنسبة لبعض القوي الإقليمية والدولية التي تعتبر عودته إلى البيت الأبيض خطوة في الإتجاه المعاكس بالنسبة للاستقرار والسلام العالمي.
راقبت الكثير من النخب السياسية والفكرية حول العالم لحظة التتويج وهي تستدعي للذاكرة التضييق على أطر التعاون الدولية الرحيبة على خلفية سلسلة الأوامر التنفيذية المريبة التي شهدها عهد ترامب الأول، فلم يكن في مقدورها إزاء العودة إلا أن استجماع قواها الحسية لمشاهدة فصل أخرى من فصول القفز البهلواني الأمريكي القادم، المتنكر على كل ما هو متفق عليه وقائم، في نسخ أمريكية تراجيدية مزيدة، وربما مستحدثة وعفوية وفريدة.
يشهد المسرح الدبلوماسي العالمي بتمتع جمهورية الصين الشعبية بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية على كافة المستويات والأطر، فقد تبادل الطرفان عبر عقود من الزمن الشراكات والمنافع، وتنامت عبر السنين إراداتهما لتعظيم الفوائد والمصالح، وتأكدت فيها رغبة الشعبين في تعزيز التبادل والتواصل، وتعززت عبرها تطلعات الأجيال لابتدار عصر جديد من العلاقات على أسس الاحترام والثقة والتفاؤل.
ورغماً عن احترام الطرف الصيني لتلك الصيغة، وحرصه الشديد على حماية خصوصية تلك العلاقة، إلا أن خطب الرئيس ترامب الجديدة، وتعهداته الانتخابية البعيدة، وأوامره التنفيذية العديدة ظلت تنحو بتلك العلاقة نحو جعلها موضعاً للتهريج والمساومة والتنديد، على الرغم من الخسارات الكبيرة التي قد تجرها مثل تلك الأفعال والتصرفات على الولايات المتحدة نفسها بفقدها ثقة أقوى شركائها الاقتصاديين في العالم المعاصر.
لا ينكر أحد حق الولايات المتحدة وحريتها في اختيار ما تراه مناسبا في إدارة شئونها الخاصة وترتيب أولوياتها الداخلية بالتقديم أو التأخير، بالرفع أو الخفض، إلا أن العلاقات البينية، وتعهدات الدولة والتزاماتها على المستوى الخارجي هي من الأمور الحساسة غير القابلة للعبث بمضامينها ومواثيقها، أو التنكر لأنماطها ومفاهيمها التي أسست لأطر التعاون القائم وبقيت تتماهي لتشكل مستقبل الشراكات في شكلها المتطور والدائم.
وبما أن ترامب يسعى لتعظيم مصلحة الولايات المتحدة حسب قوله فمن الأجدى به أن ينطلق من إعادة النظر في سجل حربه التجارية السابقة مع الصين، وتقييم ما إذا كانت خطواته وقراراته في هذا الاتجاه كانت هي الخيار الأمثل لتحقيق مصلحة الولايات المتحدة أم لا! وهل خرجت الولايات المتحدة من حربه التجارية الأولى بالفوائد المرجوة؟ وهل نجت من خسائر تلك التصرفات والسلوكيات غير المدروسة؟ وما حجم الخسائر الفعلية التي تكبدتها؟ وكيف يمكن له تفاديها إبان فترة رئاسته الثانية؟
إن العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية هي علاقة ذات مضامين سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة تحتم على ترامب المحافظة على مصالحها البينية المستدامة والنأي بها عن القرارات الارتجالية الشعبوية الهدامة التي لا تشبه عراقة مؤسسات الداخل الأمريكي ولا تمت للمؤسسية، أو الديمقراطية، أو المصلحة الأمريكية بصلة من منطلق حصائلها وخسائرها الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية على الولايات المتحدة وشعبها المتطلع والمثابر.
فحسب خبراء اقتصاديين من البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وجامعة برينستون وكولومبيا فإن الرسوم التي فرضت على شريحة كبيرة من الواردات كلفت الشركات الأمريكية والمستهلكين المحليين ما قيمته 3 مليار دولار على أساس شهري في صورة تكاليف ضريبية إضافية، يضاف إليها 400 مليون دولار خسائر بسبب انخفاض الطلب، كما توصل بحث آخر إلى أن المستهلكين والشركات الأمريكية هم من يدفعون معظم تكاليف الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة.
ربما احتاج ترامب لمراجعة قوانين الطبيعة التي لا غنى عنها حتى في مجال العلوم الإجتماعية، فقبل المضي في تنفيذ سياساته الجمركية المعلنة على ترامب إدراك أن “لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الإتجاه” فردود الأفعال المتزايدة على سياساته الجمركية تلك هو أمر ارتدادي قد لا تطيقه الولايات المتحدة وهي تتمادى في فعلها وتمضي في خطلها وكبريائها لتحرق ثيابها وتفقد هيبتها ومكانتها بين اقرانها وأصدقائها في العالم.
ربما يحمل الغد القريب الآتي الرئيس ترامب على الصواب! أو ربما تجبره الوقائع وانعكاسات الأحداث للتنازل واحترام القوانين والحقوق والواجبات، أو قد تتدخل مؤسسات الدولة للدفاع عن الشعب الأمريكي وحقوقه ومكتسباته المتمثلة في مصالحه وعلاقاته وتبادلاته القائمة عن طريق إبطال الأوامر التنفيذية لترامب في حال تحقق ضررها بشكل صريح وواضح، أو اتسعت دوائر آثارها السلبية بشكل كبير وفاضح لا يمكن السكوت عليه.
*ملاحظة المحرر: تعبر المقالة عن وجهة نظر الشخصية للكاتب، ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة طريق الحرير الإخبارية.