شبكة طريق الحرير الإخبارية/
إعداد: فيصل ناصيف صالح*
في صفحات التاريخ نقرأ بشغف واهتمام عن المُسلمين الصينيين بأنهم يتميزون بالاستقرار في وطنهم الصيني التاريخي، ويَشتهرون بالتألق والتَفَرُّد بمشاعر التآخي العميقة مع زملائهم ومواطنيهم الصينيين، إذ إنهم إلى ذلك أيضاً، يتمتعون بدعم واحترام الدولة الصينية والشعب الصيني لهم في حرياتهم الديِنيَّة والمًدنية، فَهُم جزءٌ رئيسي لا يتجزأ من الشعب الصيني الكبير العدد والعريق حضارياً، وعلاقاتهم معه طيِّبة وثابتة الأركان وهو مِثال يُحتذى. فكل الصينيين، وبغض النظر عن قومياتهم المتعددة، وأديانهم المختلفة، وأنماط حياتهم، يُشَكِّلون شعباً واحداً مُوحداً ومُتَضَامِناً ومُتَحَاباً، ذلك إنهم يُساهمون بصورٍ ملموسةٍ ومتواصلةٍ في إسنادِ وطنهمِ الصِيني، وإلى جانب ذلك أكدوا إخلاصهم في العَمَل والإنتاج وإدامة تألق وطنهم الصين، ولذلك صار يُضْرَبُ المَثلُ بِهم أُمَمِيَّاً.
في التاريخ نقرأ، أن الإسلام دخل إلى الصين منذ القرن السابع الميلادي. ويُقدر عدد المسلمين في الصين ما بين 17 إلى 25 مليون نسمة، وعلى الرغم من أن مجموعة هوي المُسلِمَة والشهيرة هي المجموعة المُسلمة الأكثر عدداً، إلا إن أكبر تجمع للمسلمين هو في شمال غرب الصين، في منطقة الحُكم الذاتي سنجان، والتي تضم عدداً كبيراً من قومية الأويغور، إلى ذلك، تتواجد مجموعات إثنية – سكانية أخرى في الصين، على سبيل المِثال لا الحصر، في مناطق منها نينغشيا؛ وقانس؛و وتشينغهاي؛ وهم في الغالِب من أهل السُنَّة والجَمَاعَة، لكن أكبر قومية من قوميات المُسلمين في الصين هي قومية الأويغور، وإلى جانبها توجد تسع قوميات أخرى تدين بالإسلام، وهي:
• القازاق: يتمركزون في منطقة شينج يانغ. وفقاً للمعلومات يُشَار إلى أن عددهم أكثر من مليون وربع المليون نسمة، منهم أكثر من مليون يسكنون في منطقة تركستان الشرقية.
• الأوزبك والطاجيك: وهم مِن ذوي الأصول البدوية واللغة الأوزبكية.
• التتار: وهُمُ مَن اجتازوا حدود تتارستان الحالية والقبائل التركية في السابق.
• هوي: المُمَثَّلة في قوميات العَرب، والفُرس القدماء الوافدين مع الفتح الإسلامي للصين، وهم مُنتشرون في منطقة شينجيانغ، وفي مقاطعات “خبي.. وخنان.. وشاندونج.. وإقليم منغوليا الذاتي الحُكم.. والهوي مِثلهُم مثل قومية هان، إذ قدَّموا عشرات آلاف من الشهداء للدفاع عن الوطن ولنُصرة قضايا أرض الوطن (الصين) في مختلف الحروب. فلا يُنظر لهم من جانب الهان إلا باعتبارهم أبناء الصين المُسلمين.
• قومية سالار: تَستَوطِن مُحَاَفظَة شيونهوا ذاتية الحكم ولهم لغتهم الخاصة وهي السالار المنطوقة.
• دونج شيانغ: وتقطن في مقاطعة قانسو، وهم من أصول منغولية ويُعتَبَرون أول من إعتنق الإسلام من المنغول.
• باوآن: ويقطنون أيضاً مقاطعة قانصو، وهم فرع من المَنغول ولغتهم تنتمي إلى أرومة اللغة المغولية.
• القيرغيز، وهُم من أصول تركية جاؤوا من قيرغيزستان. وللقرغيز في الصين منطقة ذات حكم ذاتي في إطار منطقة كيسنجيانغ.
*دخول الدين الإسلامي إلى أرض الصين:
تؤكِّد المصادر التاريخية الصينية أنَّ الصينيين كانت لديهم معرفة قوية بالعرب قبل الإسلام بعدة قرون، حيث يرجع تاريخ العلاقات بين الحضارتين إلى قبل الإسلام. كانت سياسة أسرة هان (206 ق.م-8م) تهدف إلى فتح طرق تجارية مع الأقاليم الغربية للصين فيما عُرِفَ لاحقاً بطريق الحرير، ووفقاً لما ورد في المجلد رقم (88) بعنوان المناطق الغربية، والمقصود بها الأقاليم الغربية للصين قديماً- تمثّل حالياً آسيا الوسطى، والهند وغرب آسيا وصولاً إلى شبه الجزيرة العربية وإفريقيا- المَرجَع: من كتاب الفترة الزمنية اللاحقة لأسرة هان (206 ق.م-8م)- والمؤرَّخ بعام 91 ق.م، فقد أرسل الإمبراطور وُو (141-87 ق.م، أسرة هان) جانغ تشيان (ت 114 ق.م) في بعثتين إلى غرب آسيا؛ الأولى كانت في عام 139 ق.م، والثانية عام 119 ق.م. زار خلالهما چانج تشيان عديداً من الدول مثل: منطقة تركستان الشرقية والهند وأفغانستان وآسيا الوسطى والعراق وسوريا، وبعد عودته من رحلته وصف بلاد العــرب لإمبراطور الصين وذَكَرَ: أنها تقع غرب بلاد فارس.
إضافة إلى ذلك، كان للتجار العرب دورٌ مهمٌّ للغاية في العلاقات التجارية بين الصين والغرب قبل القرن الخامس الميلادي، لذلك، كان الصينيون في عهد أسرة هان على دراية جيدة بالعرب.
وصل الإسلام إلى الصين عن طريق محورين:
المحور البري:
جاء إليها من الغرب، وتمثل في فتح التركستان الشرقية في العصر الأموي، في منطقة كاشغر، فقبل أن ينتهي القرن الهجري الأول وصلت فتوحات قتيبة بن مُسلِم الباهلي) الحدود الغربية للصين، وعلى الرغم من أن الفتوحات الإسلامية لم تتوغل في أرض الصين، إلا إن طريق القوافل بين غرب آسيا والصين كان له أثره الواقعي في انتشار الإسلام عن طريق التجار في غربي الصين، ولقد عرف هذا بطريق الحرير كما أن لمجاورة الإسلام في منطقة التركستان بوسط آسيا للحدود الغربية للصين أثره في بث الدعوة في غربي البلاد.
المحور البحري:
وقد تمثل في نقل الإسلام إلى شرقي الصين، ففي نهاية عصر الخلفاء الراشدين، في عهد عثمَان بن عَفَان، وصل مبعوث مُسلم إلى الصين في سنة 21 هـ، ثم توالت البعثاث الإسلامية على الصين حتى بلغت 28 بعثة في الفترة بين سنتي (31 هـ -651 م) و (184 هـ – 800 م)، وتلاحقت على الصين عَبر هذا المِحور البحري البعثاث الدبلوماسية والتجارية وأخذ الإسلام ينتشر عبر الصين من مراكز ساحلية نحو الداخل.
المسلمون عبر تاريخ الصين:
مسجد هوايشينغ أحد أقدم مسجد في الصين، بناه أحد المُسلِمين واسمه “وَقَاص”.
تُشير المصادر التاريخية الصينية مثل كتاب تانغ القديم إلى أنَّ الصينيين لم يَسمعوا عن الإسلام إلا في عام (17ھ/ 639م)، خلال عصر أسرة تانغ (618-907م)، في فترة حكم الإمبراطور تايزونغ (626-649م)، عندما استَقبَل بلاطه سفارة مِن آخِر الحُكَّام الساسانيين يزدجرد الثالث (631-651م)، يطلب المساعدة ضد الجيوش العربية الغازية لبلاده، إلا أنَّ الإمبراطور تجنّب الأمر درءاً للمَتَاعِب التي قد تنتج عن ذلك.
هناك ثمة اتفاق أنَّ الإسلام وصل إلى بلاد الصين عام 29ھ /651م؛ ففي ذلك العام كانت أول سفارة عربية إلى بلاط أسرة تانغ، كأول اتصال مباشر بين الصينيين والعرب. أكدت المصادر الصينية هذا الاتصال؛ فنجد في كتاب التاريخ الحديث لأسرة تانغ خبر هذه السفارة كما يلي: “خلال السنة الثانية لفترة يونغ هوي (ت 64ھ /683م)، استقبل بلاطه مبعوثاً رسمياً عربياً، وَقَدَّمَ العّربي التحية من مَلِك العِرب أمير المؤمنين للإمبراطور…”.
حَفَلَ التراث والثقافة المحلية الخاصة بالمسلمين والقوميات الصينية المُسلمة بروايات وأساطير تتعلَّق باهتمام الأباطرة الصينيين بالإسلام ونبيه الكريم، كما تتناول كيفية وصول الإسلام للصين؛ ومن بين تلك الروايات، أنه خلال السنة الثالثة لفترة حكم الإمبراطور تايزونغ (ت 28ھ/649م) لأسرة تانغ، رأى الإمبراطور في منامه رؤيا أنه رأى نفسه يرتدي عَمَامَةً رجل طردت الشيطان خارج قصره، على الرغم من كون هذه القصة غير مؤكدة، إلا أنَّ مفادها كان قيام الإمبراطور بطلب المساعدة من حاشيته، وتمَّ تفسير الرؤيا على أنها ميلاد رجل حكيم في بلاد الغرب (يُقصَد بالغَرب هنا بلاد العَرب الواقعة غرب الصين) سيكون له أتباع شجعان، وأنَّ الشياطين هي نذر وطوالع فتن وقلاقل سوف تُحل وتَختَفِي بقوى المسلمين وبأياديهم، وَ وِفقاً لذلك بعث الإمبراطور سفارة إلى الغرب لطلب المساعدة من المُسلمين للتعامل مع المشكلات المتوقعة.
في عصر حكم أسرتي تانغ وسونغ: أطلق الصينيون إسم (التاشي)(大食) على البعثات الإسلامية، وأضيف إليها إسم (أصحاب المَلابس البيضاء)(白衣大食) أثناء الحُكم الأموي، وأطلق اسم (أصحاب الملابس السوداء)(黒衣大食) أثناء الحكم العباسي، واستقرت بعض الجماعات المُسلمة من التجار ورجال الدين على ساحل الصين الجنوبي في منطقة خوان فو (قوانغدونغ) حالياً، وَ وَصل المُسلمون إلى عاصمة شيان،) وأخذوا ينتشرون في مناطق عديدة. وهكذا ظهرت مناطق إسلامية في عهد أسرتي تانغ وسون. ومن أشهر الآثار الإسلامية مَسجد ذكرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام في كانتون؛ ومَسجد الأصحاب في تشوانتشو؛ وفي هذا المَسجد حَجَرٌ مَكتوب عليه اسم مُؤسّسِهِ، وهو تَاجرٌ عربي يُدعي “نجيب مَظهر الدين”، وكَان للمُسلِمين مَساجَدَهم، ومَدَارِسهم، وأنشطتهم التجارية والاقتصادية الأخرى.
للمَقَالة صِلة.
*(يتبع – جزء-2)
*الكاتب فيصل ناصيف صالح – الأُردن: عضو قديم وناشط في “الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتَّاب العَرب أصدقَاء وحُلَفاء الصِين – فرع الأُردن”، وَمُسَاعِد رئيسي لرئيس “الاتحاد الدولي” في مجالات عِدَّة .
**عَمَّان – المَملكة الأُردنية الهَاشِمِيَّة.
***مراجَعة وتحرير وتدقيق الأكاديمي مروان سوداح: مؤسس ورئيس “الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكُتَّاب العَرب أصدقَاء وحُلَفاء الصِين”.
مقال بسرديات و معلومات تاريخية مدهشة و دقيقة…. تحية للأخ فيصل ناصيف و للأخ مروان سوداح.