شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: د. الضو خضر أحمد عبد الله [1]
لبناء مجتمع عالمي متماسك ينعم بالرفاهية ويتحد لمواجهة مخاطره المستقبلية ألقت الصين في الفضاء الإستراتيجي العالمي المعاصر فكرة مجتمع المصير المشترك للبشرية، القيمة الإنسانية الأسمى في العصر الجديد، والرؤية الإستراتيجية الأوفق على المدى البعيد، وقد قدر للفكرة القبول النظري الواسع على الكثير من الأوساط الفكرية والسياسية العالمية وهي تتنزل في هدوء لتمكين القيم الإنسانية الفاضلة، وتتسامى في تواضع على التحيزات الجغرافية والإجتماعية والثقافية الماثلة التي يراد لها أن تبقى وتسود لبضع عقود قادمات.
ومما لا خلاف حوله أن العولمة المعاصرة المحتفى بها نظرياً في الأروقة السياسية والثقافية العالمية قد باتت في حاجة ماسة إلى ما يوجه مسيرتها ويعظم فوائدها ومكتسباتها بالنسبة الأمم والشعوب، لا سيما وقد أصبحت تحدياتها المتنامية واقعاً عملياً معاشا، فهي في بواعثها الأولية بلا روح إن لم تهدف لتعظيم مكاسب الإنسانية، وفي مسيرتها العملية بلا ضابط إن لم تتبني قيم الحق والخير والجمال، وفي منتهاها الآجل بلا معني إن لم تعزز قيم العدل والسلام والاحترام المتبادل بين الأمم والشعوب.
تعمقت الصين في تحليل المسرح السياسي والدبلوماسي العالمي المعاصر فأدركت في يقين حاجة البشرية الملحة بمختلف مشاربها ومضاربها لقيم التعاون، والتشارك في العصر الجديد، وحاجة الدول والمجتمعات حول العالم لتشكيل مجتمع عالمي يستند في بقائه على قيم عالمية بديلة تتجه بالبشرية نحو التعافي، وتذكي روح التآخي والتلاقي، وتتجاوز النزعات الفكرية والآيديولوجية المتطرفة التي سيطرت على المسرح العالمي وتبخترت أمام شعوبه المختلفة في العقود الماضية يعروها الزهو وتعظيم الذات متقاصرة عن القيم والأخذ بالمشتركات.
تعتبر فكرة مجتمع المصير المشترك عبقرية الصين المعاصرة وهديتها الأعظم للعالم في العصر الجديد، إذ تتجه بصورة عملية للمساواة في حفظ الحقوق لجميع البشر بمختلف ألوانهم وتعدد لغاتهم ومعتقداتهم، وتعظيم حرياتهم وحقوقهم الأساسية وحمايتها من التآكل والانتقاص، لا سيما وقد تبين من خلال مسيرة البشرية لعقود من الزمن مدى خطل القوانين الدولية حينما لا تسندها قيم، ومدى فراغ المعاهدات البينية حينما لا يعقبها فعل، ومدى صغار الأحلاف والتكتلات الإقليمية حينما تجبرها الأحادية القطبية للسكوت عن صلفها المعتمد كأداة دبلوماسية معاصرة لرعاية الحقوق الأساسية للإنسان، وتحقيق الأحلام الوطنية للشعوب في عالم لم يزل قلقاً على تطوره ونموه وفزعاً على وجوده ومصائر شعوبه.
ومما يثير المراجعة لطبيعة العلاقات الدولية القائمة هو أن شعوب العالم النامي لم تزل تصاب في كل عامٍ مرةً أو مرتين تحت بصر المؤسسات الدولية الخاملة، فبعد مرور ما يقرب من الثمانين عاماً من تأسيس الأمم المتحدة لم تزل تلك الشعوب تتأذى من النيران الصديقة لبعض الدول بسبب تعديها على الحقوق، وتغولها على السيادة، وممارستها سياسات الإخضاع المتعمد، مما انتهى بها لأن تستقي من كؤوس التدهور الإقتصادي المتتالي والاستلاب الحضاري المتوالي بعد ستة عقود من نيلها استقلالها الشكلي وغير الكامل.
تتطلع الكثير من الشعوب حول العالم لأن تقود فكرة مجتمع المصير المشترك العالم بصورة تلقائية لإعادة صياغة منطلقات وقيم ومبادئ العلاقات الدولية المعاصرة وفقاً لوحدة ذلك المصير المشترك، بسبب المهددات والمخاطر التي لم تزل ترخي بأسدالها على تلك الشعوب، والحاجة الماسة لمعالجة القصور الوظيفي المتزايد في المؤسسات الأممية القائمة والتي ظلت في عجز متواصل عن ترسيخ القيم الإنسانية وتنازل غير مستطاب عن رعاية الحقوق والقيم والمبادئ التي أنشأت لأجلها.
إن القبول العالمي المتنامي لفكرة مجتمع المصير المشترك هو تعبير عن حاجة موضوعية إنسانية متزايدة، وتشكيل لرؤية استراتيجية عالمية مترابطة تتجه بالعالم نحو صياغة عقد اجتماعي دولي جديد يستلهم العبر من الميراث الإنساني الغابر، ويتفاعل مع حاجة البشرية في عهدها المتعثر الحاضر، ويراعي حاجة الأجيال القادمة لتعزيز التعاون وتبادل المنافع والشراكات لأجل غدٍ آمن وزاهر.
[1] باحث في الشئون الإستراتيجية الدولية – عضو مجلس الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل.