شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم بادي مكي
نائب رئيس تحرير شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية وعضو الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل.
تعتبر زيارتي لجمهورية الصين الشعبية ، بعد الدعوة الكريمة من طرف دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، فرصة ذهبية سنحت لي بزيارة جمهورية الصين الشعبية الصديقة ، وزرت خلالها فيها عديد المقاطعات والمدن الصينية ، وقد انبهرت لما تزخر به الصين ومدنها من معالم سياحية تاريخية وثقافية واجتماعية .
والأمر المبهر أكثر هو تلك المدن الحديثة التي أنشأتها الصين بمبانيها الشاهقة التي تتميز بهندسة معمارية فريدة من نوعها تبرز خصوصيات الثقافة الصينية العريقة.
فمنذ أن وطأت قدماي مطار “بودونغ الدولي بشنغهاي” الذي يبعد عن مركز مدينة شنغهاي بحوالي30 كيلومتر، وبعد رحلة طويلة وشاقة ولكنها ممتعة وتستحق العناء في نفس الوقت، قادتني من “مطار الجزائر الدولي هواري بومدين ” بالعاصمة الجزائرية إلى مطار دبي بالإمارات العربية المتحدة ومن ثم إلى مدينة شنغهاي الصينية، التي وصلتها حوالي منتصف الليل. في طريقي إلى الفندق كنت أنظر بإمعان هنا وهناك، فتراءت لي ناطحات السحاب الشامخة في سماء هذه المدينة الصينية الكبيرة، فأصبحت لا أفرق بين النجوم وبين أضواء مبانيها.
إنها مدينة عملاقة فعلا، مدينة شنغهاي تلك المدينة التي تحاكي النهضة العظيمة للأمة الصينية، هذه النهضة التي جعلت من الصين رائدة فى جميع مجالات الحياة إن كانت بنية تحتية أو معالم تاريخية و ثقافية وسياحية واقتصادية وعدالة اجتماعية او غيرها، فعلاً كل هذه المميزات تبين وتبرز صحوة “التنين الصيني ” كما يحبذ ويحلوا للكثيرين تسمية الصين.
ففي القديم وتحديدا خلال القرنين 18 و 19 كان الغرب يردد ( أتركوا التنيين الصيني نائما ) لأنهم كانوا على يقين أنه لو أستيقظ فسوف يسيطر اقتصاديا على العالم أجمع، وكما يعلم كل أحرار العالم كيف حاول الغرب وخاصة إنجلترا وفرنسا وأمريكا إستخدام مادة (الأفيون ) في إطار الحروب الإستعمارية من أجل وضع الصين تحت الديون الدولية من جهة. ومن جهة أخرى، جعل أغلب الشعب الصيني مدمننا ومتعاطي هذه المادة المخدرة ومنه لكي لا ينهض ببلد وتطويرها وتنميتها ، إلا أن الصين لم يتأثر بفعل ذلك كافح بحزم تجارة الأفيون ووضع خططا للنهوض بالصين، مما منها لتصبح قطبا من أقطاب العالم والأولى عالميا في جميع المجالات، ويحسب لها ألف حساب. وهذا راجع للأهمية التي أولاها الزعيم الصيني ” شي جين بينغ ” في مواصلة سياسة الإصلاح والانفتاح و في شنغهاي تحديدا.
لقد أطلقت الحكومة المركزية ببكين برامج تنموية عديدة لإزدهار الصين ومقاطعة شنغهاي التابعة مباشرة لها، لما تتميز به هذه المقاطعة عن غيرها، كموقعها الجيوستراتيجي الهام، إذ تتمركز وسط ساحل بر الصين وعند مصب نهر البانغتسي، إلى جانب إطلالتها على المحيط الهادئ. إن موقعها الجغرافي المتميز جعل منها مرفأً تجارياً مهماّ وإحدى أكبر أقطاب الصناعة في البلاد ، كما تتميز بكونها من أكبر مدن الصين مساحة وأكبرها من حيث عدد السكان بالإضافة الى مينائها التجاري الكبير، ولها ميزة مهمة كما ذكرت سالفا وهي وقوعها في مصب نهر البانغتسي الذي يعتبر أطول نهر في الصين وكذلك نهر “هوانغبو” أحد روافد نهر اليانغتسي كل هذه الميزات مكنت شنغهاي لتكون مدينة عملاقة تحاكي النهضة العظيمة للأمة الصينية.
واليوم، تعرف شنغهاي على أنها المدينة الذكية والحديثة ويتجلى ذلك في هندسة مبانيها الشاهقة، على غرار مقرات الشركات العالمية والبنوك والمجمعات التجارية و الاقتصادية باستغلال التكنولوجيات العصرية و البيانات الكبرى. ورغم هذا كله فلم يغفل ولم يستغني الصينيون على الحدائق الجميلة، إذ حصصت الكثير منها، في كامل أرجاء المدينة، تلك الحدائق التي يعود تاريخها إلى حقب قديمة.
بالإضافة إلى ذلك تحضى شنغهاي بمناطق ومعالم كثيرة سياحية مميزة تعد أهم عوامل الجذب السياحي، وخاصة تلك التي تتسم بمزج معماري و عمرانی متنوع بين القديم والحديث. و منها على سبيل المثال حديقة ” يويوان” المتواجدة في منطقة هوانغبو، إنها حديقة صينية تقليدية شاسعة وجميلة ، تم بناء حديقة يويوان أصلاً كحديقة خاصة في عهد أسرة مينغ (1368-1644( وكلمة “يو” الصينية تعني “السلام” و “الصحة” كما نجد المباني العتيقة والتي تعود إلى حقب قديمة تعبر عن الثقافة الصينية منها معبد بوذا ، والحدائق والمباني القديمة ذات النمط الأوربي كذلك ، والشيئ الذي أبهرني في هذه المدينة على غرار شركاتها وتطورها شبكة النقل عبد النهر الذي أعطى المدينة رونقا بيئيا متميزا .
وقد زرت فيها منطقة لينقانغ الجديدة ، والتي تحتضن العديد من الشركات الرائدة في تطوير صناعة الروبوتات الذكية ومركز العرض والتخطيط لمنطقة لينقانغ الجديدة وزرت كذلك منطقة التجارة الحرة في شنغهاي ومقر شركة senstime” سينس تايم”، والتي أكثر ما تشتهر به هو ريادتها في مجال تكنولوجيا المعلوماتية ومقر شركة
Envision Energy Group هي شركة عالمية رائدة في مجال التكنولوجيا الخضراء تقوم بتصميم وبيع وتشغيل معدات الطاقة المتجددة من توربينات الرياح الذكية ، والبطاريات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي ، وزرت كذلك وتناولنا وجبة العشاء (ببرج تلفزيون لؤلؤة الشرق) وهو أعلى ناطحة سحاب في أسيا وثالث أعلى برج فى العالم ، هذا البرج الذي ترى من خلاله جميع أحياء مدينة شنغهاي ، فعلا مدينة جميلة ورائعة ومتطورة فرغم ما تحتويه من عدد سكان فإنك لا تجد الازدحام أو الضجيج ، كل شي منظم وكل شر في مكانه ، لا يسأم ولا يمل الزائر والسائح من التجوال في أرجاء وأحياء المدينة إن كان ليلا أو نهارا لميزتها وتميزها بالأمن والأمان ، تتنقل بين المتاحف والشوارع القديمة والحديثة والأسواق الشعبية التي تشم فيها عبق الحضارة الصينية ومطاعمها الحديثة والقديمة أين تتذوق ألذ و أشهر الأكلات الصينية التقليدية إن كانت مكوناتها نباتية أو بحرية أو لحوم حمراء أو بيضاء والمميز في الصين تجد الكثير من المطاعم التي تهتم بزوارها من المسلمين خاصة في أكلها الحلال .
زيادة على ذلك تزور وتتمتع بحدائقها وجسورها المنتشرة فوق المياه ، كما بإمكانك الصعود إلى أعلى العمارات والناطحات بالمدينة أو ركوب قارب لتمر تحت الجسور العتيقة او تمر في مجرى نهرها الشاق لمدينة شنغهاي الى نصفين .
فعلا إنها مدينة عظيمة وجميلة، جمعت بين العراقة والحداثة، مدينة تحاكي النهضة العظيمة للأمة الصينية، وتشهد على تاريخ وثقافة الحضارة الصينية العريقة .