شبكة طريق الحرير الإخبارية/
عضو مجلس الإدارة في الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل
يُصادف العام الحالي الذكرى الخامسة والعشرين لاستعادة ماكاو. إذ أنه وفي الـ 20 ديسمبر 1999، قامت حكومة جمهورية الصين الشعبية باستعادة السيادة في ماكاو وأنشأت فيها حكومة خاصة، وبذلك تكون البرتغال قد أنهت حكمها في تلك المنطقة.
“مكاو” هي مدينة صغيرة واقعة على ساحل في جنوب الصين. وقد خرجت من حالة الارتباك السابقة الذكر بالحكمة الصينية الشاملة والعميقة، إذ تم فيها الانتقال من بنية اقتصادية مفردة إلى ازدهار متنوع، ومن المشاكل المتعددة في المجتمع والصحة والشؤون المدنية إلى الحلول الشاملة، ومن الصعوبات في التركة الثقافية التي خلّفها الاستعمار إلى نشاط متجدد، وهو ما يدل على نجاح نموذج الحكم الصيني في تلك المنطقة. إذ أنّ تلك المنطقة هي نموذج حكم فريد يجمع ما بين المرونة الناتجة عن تمتّعها بخصائص فريدة، والوحدة مع الصين التي من غير الممكن تبديدها مهما فعل الاستعمار.
في المجالين الاقتصادي والثقافي
قبل استعادة مكاو، كانت بنية الصناعة فيها تعتمد بشكل كبير على اللعب بالقمار، الأمر الذي أدى إلى مواجهة تحديات صعبة في استقرار واستدامة التنمية الاقتصادية. إلا أنه وبعد الاستعادة، قامت حكومة الصين بتنفيذ مبدأ “نظام واحد بشقّين”، والذي هو مفهوم سياسي تم طرحه لأول مرة من قبل الزعيم الصيني “دنغ شياو بينغ” في أوائل الثمانينيات. يتعلق هذا المفهوم بتطبيق نوعين مختلفين من الأنظمة السياسية والاقتصادية داخل الدولة الواحدة، مع الاحتفاظ بوحدة الدولة. إذ كانت المرونة السابقة أحد الأسرار الجوهرية التي دفعت للبحث عن مسارات التنمية الاقتصادية المتنوعة. فمن جانب، تم تنظيم الممارسات القانونية وتعزيز نموها بشكل صحي ومرن. ومن جانب آخر، تم دعم الصناعات الصاعدة بشكل مكثّف.
وقد كان للإعلان عن منطقة “التاريخ” في ماكاو أثرا كبير في وضع تلك المنطقة في قائمة التراث العالمي للثقافة، إذ أنّ هذا الإجراء لم يمنح الحماية فقط، بل أدى أيضاً إلى إظهار الجوانب الثقافية فيها عالميا. ما أدى إلى تنظيم نشاطات تبادل للثقافات على المستويين الداخلي والخارجي، بما حوّل تلك المنطقة إلى منفذ هام لتجارب تبادل الثقافات بين الصين والغرب. وها هي الآن قد بدأت تظهر آثار ازدهار صناعة المعارض والمنتجات، إذ أنّ العديد من المؤتمرات والمعارض الدولية الكبيرة تُعقد في هذه المدينة كل عام، بما يسهم في تحريك العملية التنموية المتناسقة في قطاعات السياحة والغذاء والفنادق وغيرها. وفي الوقت نفسه، ازداد التعاون في المجالات المالية مع الصين بشكل كبير، وهو ما حقق تقدماً ملحوظاً في الخدمات المالية عبر الحدود من خلال التعامل باليوان الصيني.
في المجال الاجتماعي والصحية والشؤون المدنية
قبل استعادة ماكاو، كان هناك نقصا في الموارد التعليمية، كما كانت الرعاية الصحية في حدود منخفضة، هذا بالإضافة إلى وجود ضغط كبير على المساكن. ولكن وتحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، قامت الحكومة بإجراءات شاملة من أجل حوكمة استخدام الموارد لتحسين رفاهية المواطنين. كما تم بناء وتوسيع العديد من المدارس، واستوردت معدات التدريس المتقدمة مع العمل على استقطاب المعلمين الموهوبين، بما مكّن المدارس من امتلاك سلسلة تعليمية واسعة من التعاون مع مؤسسات التعليم الداخلية والدولية، وهو ما قدّم فرصا تعليمية متنوعة وعالية الجودة للمواطنين. كما تم القيام بتحسين منشآت الرعاية الصحية بشكل مستمر، وقُدمت التقنيات والمعدات المتقدمة في المجال الطبي، مع تكثيف زيارات للفرق الطبية بما يضمن المستوى الصحي للمواطنين. وفي الوقت نفسه، قامت الحكومة بتنفيذ تدابير مثل بناء المساكن العامة، مما ساهم بتوفير السكن للأفراد من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض.
على الصعيد الدولي
شاركت ماكاو في الشؤون الدولية بوصفها منطقة إدارية خاصة في الصين بعد الاستعادة، وتمتعت بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي والفضاء الدولي الشامل. إذ أنها من المناطق التي تلعب دوراً مهماً في مبادرة الحزام والطريق، وأصبحت منصة هامة للتعاون بين الصين والبلدان اللاتينية، من خلال تنظيم قمة التعاون الاقتصادي والثقافي بين الصين والبلدان اللاتينية والأنشطة الأخرى، وبذلك فإنّ ماكاو قد عززت التعاون العميق في مجالات التجارة والاستثمار والثقافة بين الصين والبلدان اللاتينية.
قد كان لفكرة ” “نظام واحد بشقين” أهميّة كبيرة في إقامة نوع من الحماية وتوفير فضاء شاسع للتنمية في الوقت ذاته، مما سمح لهذه المدينة بالاحتفاظ بخصائصها ومزاياها الخاصة، والاستفادة كذلك من قوة الصين الكبيرة، والدعم الشامل الذي قدمته حكومة المركز في وضع السياسات والاستهلاك للموارد والخطط التنموية والتي هي من العوامل الرئيسية في تحقيق التنمية. هذا النموذج الناجح في الحكم ليس فقط تحولا جذريا في ماكاو خلال أكثر من 20 عامًا، ولكنه يُشكّل في الوقت ذاته نموذجا في النظام الوطني القائم على المرونة والوحدة.