شبكة طريق الحرير الإخبارية/
عبد القادر خليل*
احتفلت جمهورية أذربيجان قيادةً وشعباً في داخل البلاد وفي كامل السفارات الأذربيجانية عبر العالم، بالذكرى الرابعة لعيد النصر، الذي يصادف الثامن من نوفمبر.
لم يأتي النصر هكذا بكل بساطة، بل تحقق بفضل كفاح ونضال الجيش الأذربيجاني الباسل بقيادة حكيمة من القائد العظيم الرئيس إلهام علييف، بعد تضحياتٍ جِسام لشعبٍ مُتمسكٍ بكل شبرٍ من أراضيه الطاهرة، تضحيات شعبٍ وجيشٍ بالروح والدم من أجل الوطن، فكانت الإرادة والعزيمة الفولاذية والضرب بيد من حديد هي المفصل النهائي في حرب الـ44 يوماً التاريخية، ومفتاحا للنصر وعنواناً عريضاً لإستعادة الأراضي الأذربيجانية المسلوبة من المُحتل الأرميني بما يُقارب 20 بالمائة من الأراضي المحتلة منذ ثلاثين سنة خلت. كما أدى هذا الانتصار التاريخي للجيش الأذربيجاني إلى زرع بذور الأمل في السلام والاستقرار المستدامين في جنوب القوقاز وفي المنطقة بأسرها.
إنني لسعيد جدا بهذه المناسبة التاريخية لأشارك الأصدقاء الأذربيجانيين فرحة وطعم الانتصار، الذي حققه الشعب والجيش الأذربيجاني الأبي وأنا أشعر بالفخر الكبير والشرف العظيم أنني كنت من بين أوائل الإعلاميين العرب والأجانب الذين زاروا منطقة قراباخ وجوهرتها مدينة شوشا بعد وقت قصير من تحريرها، ففي شهر فبراير 2022 شاهدت بأم عيني ما خلفه المحتل الأرميني من دمار وتخريب للمباني وتدنيس للمساجد والمعابد الدينية والمعالم الثقافية والتاريخية الأذربيجانية، وحتى المقابر التي لم تسلم من كيدهم البغيض تعرضت للنبش والتنكيل…
وفي نفس الوقت إنبهرتُ بسرعة أشغال الترميم وإعادة البناء والتشييد في مدينة شوشا وفضولي وفي باقي المناطق المحررة، وذلك بفضل المتابعة الشخصية لفخامة الرئيس إلهام علييف، الذي لا يذخر أي جهد من أجل النهوض بأذربيجان إلى الأمام وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والحياة الرغيدة للشعب. وبالفعل نرى اليوم الإنجازات العظيمة مجسدة على أرض الواقع، مما سهل عملية تنفيذ برامج عودة النازحين الأذربيجانيين سابقاً إلى أراضيهم الأصلية.
يتزامن العيد الرابع للنصر لجمهورية أذربيجان مع احتفال بلدي الجزائر بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير المظفرة المندلعة في الأول نوفمبر 1954، ثورةُ دامت سبع سنوات من النضال والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، فتكللت التضحيات الجسام باسترجاع الجزائر لسيادتها الوطنية واستقلالها التام في 5 يوليو 1962.
إن بلدينا الصديقين الجزائر وأذربيجان كلاهما بعدما داقا مرارة الاحتلال وضحى بملايين الشهداء، وعاشا مراحلَ صعبة على مدى عقود من الزمن، عقود اختلفت طبيعتها، وتنوعت بين فترات اليأس والحرمان، وبين الكفاح والنضال، إلى نعيم النصر والاستقلال، وفترات البناء والتشييد وتحقيق الإنجازات في شتى المجالات.
من أجل حياة أفضل لشعبينا ومن أجل مستقبلٍ أكثرَ ازدهاراً وإشراقاً وأمناً، يفتخراليوم الجزائريون والأذربيجانيون بأنهم المالكون الحقيقيون لكل شبر من أراضيهم، ولا أحد له سلطة على مصير وطنهم .
يُصادف هذا العام 2024 الذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا الصديقين، ثلاثين سنة ميزتها الصداقة الجيدة والتعاون المثمر في مجالات عديدة، علاقات هي الآن في أفضل مستوياتها وخاصة بعد زيارة الرئيس إلهام علييف للجزائر للمشاركة في القمة العربية الأخيرة ضيفَ شرفٍ وصديقاً عزيزاً للجزائر، ولقائه التاريخي بأخيه الرئيس عبد المجيد تبون، وبعد تعدد الزيارات المتبادلة بين مختلف الوفود رفيعة المستوى من البلدين في قطاعات مختلفة مما سيُعزز توسيع التبادلات ومجالات الشراكة المُثمرة لِكِلاَ الطرفين، مع توفر إمكانات هائلة لمستقبل أكثر إشراقا.
أتمنى للعلاقات بين بلدينا مزيدا من التطور والتوطيد، كما آمل أن تتأسس قريبا جمعية للصداقة الجزائرية الأذربيجانية لما لها من أهمية في تحقيق ذلك.
إن الحيث عن أذربيجان الحبيبة دائما ما يشعرني بالسعادة، لما رسخته في قلبي تجربة فريدة لن أنساها ما حييت. ففي عمر 18 سنة استفدتُ من منحة دراسية من الدولة الجزائرية للدراسة لمدة أربع سنوات في جمهورية قيرغيزستان، وكانت الأربع سنوات الأخيرة من عُمر الاتحاد السوفياتي السابق. حينها تعرفت على طالب أذربيجاني إسمه أحمد بايراموف يعيش مع أهله هناك ويدرس في جامعة بيشكيك (فرونزه آنذاك)، كنا صديقين حميمين نلتقي بعد الأوقات الدراسية ونتجول في أرجاء المدينة مع بعض، كانت علاقة الأخ بأخيه و نتشارك الاحداث في السراء والضراء.
وبعد نهاية الدراسة وتخرجي عدت لبلدي الجزائر سنة 1991، لنبقى على تواصل عن طريق الرسائل البريدية العادية، وكان أحمد قد رحل مع أسرته إلى موطنه الأصلي أذربيجان بعد أربع سنوات من إنهيار الاتحاد السوفياتي. إلى أن جاءت وسائل التواصل الحديثة، فبقي التواصل الودي بيننا عن طريق الفايسبوك.
وفي 2022 حصلتُ على فرصة ذهبية لزيارة أذربيجان، فسارعت بإخبار صديقي أحمد بذلك، وكم كانت السعادة تغمرنا لأننا سنلتقي مجددا، وبالرغم من أنه يسكن بعيدا عن العاصمة باكو بنحو 100 كيلومتر، إلا أنه جاء ليتقي بي في يوم وصولي، فكانت الفرحة لا تسعنا وشعور لا يُوصف بلقاء تاريخي بين صديقين حميين بعد 32 سنة من الفراق، لقد أمضينا يوما كاملا نتجول فيه في أرجاء باكو، وكان يعرفني بالمعالم التي تميز هده المدينة، في أول زيارتي لها، كان يوما مُمَيَزاً لن ننساه أبداً.
وكان صديقي أحمد الذي يعمل طبيب الأسنان حاليا، يريدني أن أزوره في بيته بمدينة بيلياشيفار وقد طلبت منه والدته أن يصحبني معه إلى بيت العائلة، كنت أتمنى ذلك، لكن للأسف كان غير ممكناً نظرا لارتباطي ببرنامج خاص لزيارة منطقة قرباخ المحررة من الاحتلال الأرميني في صباح اليوم الموالي.
لقد أثبتت هده التجربة من عمر هذه الصداقة المعدن النفيس للصديق المخلص الدي يعكس الشخصية النموذجية للشعب الأذربيجاني، وما يميزه من الطيبة والوفاء. إنني ومن صميم قلبي أثمن عاليا هده الصداقة وأكن عظيم الاحترام والتقدير لصديقي أحمد بيراموف، الذي أتمنى أن أراه مُجدداً، وأزوره في بيته، مثلما أتمنى أن أستضيفه في الجزائر في أقرب فرصة مُمْكنة.
إن حبي لأذربيجان وشعبها الصديق جعلني أخصص نافدة خاصة لأخبار أذربيجان في موقعي الالكتروني ((شبكة طريق الحرير الإخبارية)) الذي أسسته سنة 2019، لأنشر فيها كل ما له صلة بأذربيجان، من الأخبار والتقارير الإخبارية والمقالات. فقد نشرنا للعديد من الكتاب والصحفيين العرب والأذربيجانيين، بما يزيد عن 1280 مادة إعلامية منشورة.
مرة ثانية هنيئا لأذربيجان نصرها العظيم وكل عام وعامة الشعب الأدربيجاني بخير وعاشت الصداقة الجزائرية الأذربيجانية.
* رئيس تحرير شبكة طريق الحرير الإخبارية،
عضو مجلس الإدارة للرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل