شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
بقلم أحمد محمد، عضو مجلس الإدارة في الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل
في الأول من أكتوبر 2024، تحل الذكرى الـ 75 لتأسيس ، وهي محطة بارزة في تاريخ الصين الحديث. على مدى هذه العقود السبعة، نجحت الصين في تحويل مسارها من دولة تعاني الفقر والتخلف إلى قوة اقتصادية عالمية مؤثرة، بفضل قيادة حكيمة وسياسات رشيدة قادها الحزب الشيوعي الصيني.
نحن في العراق نشارك الصين فرحتها بهذه المناسبة الوطنية الهامة، ونتقدم بأصدق التهاني إلى القيادة الصينية، ممثلة في الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، الرفيق شي جين بينغ، وإلى الشعب الصيني الشقيق. إن هذه الذكرى لا تقتصر على كونها احتفالاً وطنياً صينياً فحسب، بل تمثل أيضاً درساً وإلهاماً لكل الدول التي تسعى للنهوض والتنمية، ومن بينها العراق.
لقد ألهمت “التجربة الصينية” العراقيين، وفتحت لهم آفاقاً واسعة في كيفية النهوض بجميع القطاعات الإنتاجية، وتحقيق التنمية المستدامة، والتخلص من آثار الحروب، وبناء استقلال وطني راسخ.
كانت الصين في بداية تأسيسها عام 1949 تعاني من الاحتلال الأجنبي، وتجارة الأفيون، والمجاعات، والفقر المدقع. لكن بفضل إرادة القيادة الحزبية والشعب الصيني، نجحت في التحرر من تلك القيود وحققت الاستقلال الكامل.
في هذا السياق، قال ماو تسي تونغ مقولتة الشهيرة: “لن يكون الشعب الصيني عبداً إلى الأبد”، كانت بمثابة نقطة تحول في تاريخ الصين الحديث. فبعد الاستقلال، وضعت الصين ثلاث ركائز أساسية لتحقيق النهضة: الاستقلال السياسي، الوحدة الوطنية، وتطبيق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. هذه الركائز مهدت الطريق للنمو السريع والتطور الاقتصادي الذي شهدته البلاد.
اليوم، تُعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث ساهمت سياساتها الاقتصادية والاجتماعية في انتشال أكثر من 700 مليون شخص من براثن الفقر، وحققت تنمية مستدامة شملت مختلف جوانب الحياة. وعلى عكس السياسات الأحادية التي تنتهجها بعض القوى العالمية، اعتمدت الصين على سياسة التعاون والشراكة، مما جعلها شريكاً مرغوباً به في جميع أنحاء العالم، وخاصة في العراق.
في العراق، يواجه الاقتصاد العراقي تحديات معقدة نتيجة الحروب والصراعات الطويلة، حيث لا تزال البلاد تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط كمصدر رئيسي للدخل، في ظل بنية تحتية متضررة وقطاعات إنتاجية غير مستغلة بشكل كافٍ. بلغت معدلات الفقر 25% والبطالة 16%، ويبدو أن البلاد بحاجة ماسة إلى نهج جديد يهدف إلى تحقيق التنويع الاقتصادي والإصلاح الإداري.
في ظل هذه التحديات، يمكن للعراق أن يستفيد من التعاون مع الصين لتطبيق تجاربها الناجحة. فالصين تمتلك خبرات هائلة في مجالات التنمية الزراعية، حيث يمكن استثمار هذه الخبرات لتعزيز القطاع الزراعي في العراق، وزيادة الإنتاجية، ومعالجة الآفات الزراعية. كما يمكن الاستفادة من مبادرة “الحزام والطريق”، التي تمثل فرصة ثمينة لتعزيز الاستثمارات الصينية في مشاريع البنية التحتية والطاقة.
إلى جانب ذلك، يمكن للعراق أن يطور شراكات استراتيجية مع الصين لتعزيز الابتكار الصناعي والتكنولوجي. الصين اليوم تعد رائدة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، ويمكن الاستفادة من هذا التطور لبناء اقتصاد رقمي حديث، وتحقيق التنمية المستدامة التي تتطلبها المرحلة الحالية.
ان العلاقة بين العراق والصين يجب أن تتجاوز الجانب الاقتصادي لتشمل أيضاً الجوانب الثقافية والعلمية. إذ يمكن تعزيز تبادل البعثات الطلابية والأكاديمية بين البلدين، وتوسيع آفاق التعاون في مجالات البحث العلمي والتعليم العالي،و هما محركا التنمية المستدامة، والصين تمتلك خبرة طويلة في هذا المجال يمكن للعراق أن يستفيد منها.
كما يجب تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعبين العراقي والصيني من خلال زيادة الفعاليات الثقافية المشتركة، وتطوير برامج التبادل الثقافي التي تعزز التفاعل بين الحضارتين العريقتين.
الخاتمة:
إن الذكرى الـ 75 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية ليست مجرد احتفال وطني صيني، بل هي رسالة لكل شعوب العالم بأن الإرادة السياسية، والتخطيط الاستراتيجي، والعمل الدؤوب، قادرة على إحداث التحولات العميقة في مسار الأمم. إن “التجربة الصينية” تقدم للعراق درساً قيّماً في كيفية تجاوز التحديات وتحقيق التنمية المستدامة.
العراق يمتلك كل المقومات اللازمة لتحقيق قفزة نوعية في مسار التنمية، بدءاً من موارده الطبيعية الكبيرة، وصولاً إلى طاقاته البشرية المتنوعة. وإذا ما استلهمنا من التجربة الصينية الدروس الصحيحة، يمكن للعراق أن يحقق نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة.
الصين والعراق، من خلال تعزيز شراكتهما الاستراتيجية، يمكنهما بناء مستقبل مزدهر لكلا البلدين، يقوم على أسس التعاون والمصالح المشتركة، ويسهم في تحقيق السلام والتنمية على الصعيدين الإقليمي والدولي.