شبكة طريق الحرير الإخبارية/
أ.د بن خالد عبد الكريم
تُعتبر قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي الاتفاقية متعددة الأطراف الأكثر فعالية بين أفريقيا والصين، وقد نجحت في توليد بعض أكبر الالتزامات المالية للدول الأفريقية من جانب دولة واحدة. وتغطي قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي مجموعة واسعة من أشكال المشاركة، بما في ذلك الاستثمار والقروض للبنية الأساسية والرعاية الصحية والتقدم التكنولوجي، حيث إن منتدى التعاون الصيني الأفريقي لا يتميز فقط بتأثيره الواسع، بل وأيضاً بالعلاقة الفريدة التي يمثلها بين أفريقيا والصين.
ويعتبر الكثير من الخبراء أن منتدى التعاون الصيني الأفريقي يتميز بإحساس بالمساواة والمنفعة المتبادلة، وهو ما يتحدى نموذج المانح والمستفيد التقليدي الذي ميز العلاقة بين الدول الأفريقية والدول الأخرى.
تطور FOCAC ضمن معادلة دعم العلاقات الاستراتيجية الافروصينية
تأسس منتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2000 استجابة لرغبة الدول الأفريقية في مزيد من التنسيق في علاقاتها الثنائية مع الصين. وقد صُممت على غرار مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية، إلى جانب اتفاقيات متعددة الأطراف أخرى بين الدول الأفريقية ودولة واحدة، على الرغم من أنها تفوقت منذ ذلك الحين على جميع الاتفاقيات الأخرى من حيث النطاق والحجم. وقد عُقد المنتدى كل ثلاث سنوات منذ إنشائه، دون أن يفوت عامًا واحدًا من الاجتماعات المقررة – حتى في خضم جائحة كوفيد-19، وقد توسعت مجالات التعاون في إطار خطط عمل منتدى التعاون الصيني الأفريقي بشكل كبير بمرور الوقت. في عام 2000، تم التأكيد على 20 موضوعًا فقط؛ وبحلول عام 2021، تم التأكيد على أكثر من 40 موضوعًا.
ففي نوفمبر 2021، انعقد المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي في داكار بالسنغال. وكان التركيز الرئيسي للمؤتمر على كيفية “تعميق الشراكة بين الصين وأفريقيا وتعزيز التنمية المستدامة لبناء مجتمع صيني أفريقي بمستقبل مشترك في العصر الجديد، حيث تم إطلاق عدد من المبادرات الرئيسية خلال مؤتمر 2021. وخلال حفل الافتتاح، أعلن الرئيس شي جين بينغ عن “البرامج التسعة للتركيز” للأعوام الثلاثة الأولى من رؤية التعاون بين الصين وأفريقيا 2035. وقد حدد هذا البرنامج رسميًا مجالات التركيز الرئيسية لتحسين التعاون بين الصين والدول الأفريقية، بما في ذلك الصحة والحد من الفقر والزراعة والتجارة والاستثمار والابتكار الرقمي والتنمية الخضراء وبناء القدرات والتبادلات بين الناس والسلام والأمن.
توقعات المنتدى التاسع للتعاون الصيني الأفريقي 2024
قد تشهد قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي التاسع ظهور تعاون بين القارة السمراء والصين مثل مشاريع البنية الأساسية التي تنفذها الصين مع أفريقيا التي تتسم بالتعاون الثنائي، وقد يكون تعزيز العلاقات بين الشعوب من أبرز الموضوعات التي ستتناولها القمة هذا العام. فخلال الحوار بين زعماء الصين وأفريقيا في عام 2023، أُعلن عن خطة التعاون بين الصين وأفريقيا في مجال ترقية التنمية البشرية وتنمية القدرات والكفاءات المهنية للشعوب الافريقية، اضافة الى التعاون الصحي، والتنمية الزراعية، ومبادرات الاقتصاد الرقمي، من خلال وجهات نظر جديدة والتزامات معززة.
ومن المتوقع انعقاد القمة التاسعة في بكين من 4 إلى 6 سبتمبر 2024 وسط توترات جيوسياسية متصاعدة مما يتعين على البلدان الأفريقية اعادة بناء العلاقات الاستراتيجية المستقبلة المبنية على الشراكة التي من الممكن أن تعزز عصراً جديداً من التعاون المستدام والمفيد للطرفين، وتأتي قمة هذا العام في سياق سياسة المنافسة والمناهضة المتزايدة للصين من جانب التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. وردا على ذلك، تعمل الصين على تكثيف جهودها لتعزيز العلاقات مع دول الجنوب العالمي، حيث تنظر إلى هذه العلاقات ليس فقط باعتبارها فرصا اقتصادية ولكن أيضا باعتبارها عناصر حاسمة لقوة سياسية عالمية ناشئة، وسوف تعكس قمة 2024، التي تحمل عنوان “التكاتف من أجل تعزيز التحديث وبناء مجتمع صيني أفريقي رفيع المستوى بمستقبل مشترك”، هذا التركيز، وتهدف إلى تعميق العلاقات الصينية الأفريقية.
أولويات أفريقيا وتحدياتها في منتدى التعاون الصيني الأفريقي 2024
إن الشراكة المتطورة بين الصين وأفريقيا تعمل على إعادة تشكيل البنية التحتية والبيانات ومشهد الطاقة في القارة. وهذه العلاقة، التي تتخللها منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي يُعقد كل ثلاث سنوات، لا تتعلق فقط بالعلاقات الثنائية – بل إنها إطار استراتيجي يؤثر على مشاركات أفريقيا العالمية.
ومع اقتراب منتدى التعاون الصيني الأفريقي 2024 تتجلى مجموعة من الأولويات:
التنمية الاقتصادية: في ظل أولوية توسيع التجارة وآلياتها، فإن الهدف الطموح الذي تم تحديده في عام 2021 لزيادة الواردات الأفريقية إلى الصين شهد تقدماً متواضعاً. ومع ذلك، تظل الصين ملتزمة بتطوير وتعميق علاقاتها الاقتصادية في أفريقيا، ومن المتوقع أن يجدد منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2024 الالتزامات، مع التركيز على الزراعة ومساعدة المنتجين الأفارقة في الوصول إلى الأسواق الصينية.
التحالفات السياسية: إلى جانب المصالح الاقتصادية، تنظر الصين إلى أفريقيا باعتبارها شريكا رئيسيا في جهودها الرامية إلى إنشاء هياكل حوكمة عالمية بديلة أكثر انسجاما مع أولوياتها وأقل تركيزا على القوة الغربية. والواقع أن الثقل الأخلاقي لأفريقيا باعتبارها قلب الجنوب العالمي، وأصواتها الـ 54 في الأمم المتحدة، تجعلها شريكا مهما في هذا المسعى.
الطاقة الخضراء والتنمية الصناعية: من المرجح أن يركز منتدى التعاون الصيني الأفريقي القادم، الذي يعكس استثمارات الصين في الطاقة المتجددة في إطار مبادرة الحزام والطريق، على التعاون في مجال الطاقة الخضراء. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخبرة الصينية في مجال الطاقة المتجددة تؤهلها كشريك حاسم في كهربة أفريقيا، ودعم أهداف التنمية الصناعية الأوسع في القارة.
الاتصال العالمي: في حين أن منتدى التعاون الصيني الأفريقي سبق مبادرة الحزام والطريق، فقد برز كمنصة رئيسية للمشاركة في مبادرة الحزام والطريق. ركزت مبادرة الحزام والطريق على تعزيز الاتصال بين الصين وبقية العالم. وقد ركز هذا تاريخيًا على البنية التحتية المادية ولكنه يشمل بشكل متزايد أشكالًا أخرى من الاتصال، مثل التجارة والتكامل التنظيمي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتدريب والتبادل بين الناس. ومن المرجح أن تبرز هذه الموضوعات بشكل كبير في منتدى التعاون الصيني الأفريقي 2024.
*البروفيسور عبد الكريم بن خالد، أستاد محاضر بالجامعة الأفريقية بأدرار-الجزائر
** ملاحظة المحرر: تعكس المقالة وجهة نظر الكاتب، ولا تعبر بالضرور عن رأي الشبكة.