شبكة طريق الحرير الاخبارية/
بقلم: وانغ مو يي
صحفية صينية
في أعقاب تحقيق المصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية في بكين الصينية في العام الماضي، تم تحقيق “المصالحة الكبيرة” و”الوحدة الوطنية الشاملة” بين الفصائل الفلسطينية تحت جهود الصين. اختتم في بكين اجتماعٌ موسعٌ بين الفصائل الفلسطينية يوم 23 يوليو /تموز الجاري، حضره ممثلون كبار عن 14 فصيلا، بما في ذلك فتح وحماس. وتُوّج الحوار الذي استمر ثلاثة أيام بالتوقيع على “إعلان بكين” الذي يهدف إلى إنهاء الانقسام و تعزيز المصالحة الوطنية بين الفصائل.
وفي الوقت نفسه، قام وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا بزيارة الصين في الفترة من 23 إلى 26 يوليو /تموز، التي تعتبر أول زيارة وزير خارجية أوكراني للصين منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وقد اجتذبت هذه الزيارة اهتماما عالميا. وأشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقطع من الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، بالاجتماع بين وزيري الخارجية الصيني والأوكراني في قوانغتشو الصينية، وأعرب عن رضاه عن نتائج زيارة وزير الخارجية الأوكراني للصين.
لا تظهر الأحداث المذكورة أعلاه تأثير الصين المتزايد في الشرق الأوسط فحسب، بل تعكس دور الصين المهم غير المستغني عنه في حوكمة الأمن العالمي، ودور الصين في تعزيز السلام والحوار والتنمية الذي أكسبها ثقة دول المنطقة بشكل أكبر.
في الوقت الراهن، ما زال الصراع في قطاع غزة مستمرا، وما زالت التداعيات الناتجة عنه تمتد، وتشهد المنطقة صراعات عديدة ومتشابكة، فلسطين بحاجة إلى الوحدة الداخلية أكثر من أي وقت مضى. لم تتوقف الصين جهودها إلى رأب الصدع بين الفصائل الفلسطينية منذ فترة، ويعتبر حوار المصالحة بين الفصائل في بكين أحدث خطة من الصين لرأب الخلافات داخل فلسطين. وخلال حوار المصالحة في بكين، أكدت جميع الفصائل الفلسطينية ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، لتوحيد جميع القوى السياسية وتحقيق قضية التحرير الوطني الفلسطيني، إنه إنجاز تاريخي يضع أسس الوحدة الداخلية والاستقرار في فلسطين. وكما قال وزير الخارجية وانغ يي، أنه فقط عندما تتحدث جميع الفصائل الفلسطينية بصوت واحد، يمكن لصوت العدالة أن يكون أعلى.
إضافة إلى ذلك، أولى الرأي العام الدولي اهتماماً خاصاً بالمضمون المتعلق بـ “تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة”، الوضع الحالي هو أن الأطراف المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل، تناقش خطة الوصاية الانتقالية على قطاع غزة، ولكن هذا الأمر يعارضه “إعلان بكين” بشكل واضح. فتعارض الصين أي شكل من أشكال خطة الوصاية على قطاع غزة، مؤكدا على أنه يجب يتم حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين. كما طرح الجانب الصيني مبادرة من ” ثلاث خطوات” من أجل خروج فلسطين من مأزق الصراع الحالي، وهي: الخطوة الأولى الدفع بتحقيق الوقف الشامل والدائم والمستدام لإطلاق النار في قطاع غزة في أسرع وقت ممكن وضمان إيصال المساعدات والإغاثة الإنسانية بشكل سلس، والخطوة الثانية هي الدفع سويا بالحوكمة ما بعد الصراع في قطاع غزة التزاما بمبدأ “حكم فلسطين من قبل الفلسطينيين”، والخطوة الثالثة هي الدفع بنيل فلسطين العضوية الكاملة للأمم المتحدة وبدء تنفيذ “حل الدولتين”. والأمر يعكس تصميم الصين على لعب دور بناء في الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
كما زار وزير الخارجية الأوكراني الصين على خلفية عالقة في مستنقع الحرب. إن أوكرانيا، التي تعتمد على المساعدات الغربية لـ”نقل الدم”، تمر حالياً بوضعية صعبة وتتعرض لضغوط كبيرة، فأظهرت مساعدات الغرب التي تتضاءل شيئا فشيئا.. وباعتبارها أكبر دولة مانحة لأوكرانيا، تواجه الولايات المتحدة قدرا كبيرا من عدم اليقين في سياستها تجاه أوكرانيا، وخاصة مساعداتها لأوكرانيا. وفي السنوات الأخيرة، صرح الرئيس الأمريكي السابق والجمهوري دونالد ترامب مرارا وتكرارا أنه إذا أعيد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، فإنه سينهي أزمة أوكرانيا في غضون 24 ساعة، وانتقد مرارا المساعدات التي تقدمها إدارة بايدن لأوكرانيا. ويعتقد بشكل عام أنه إذا فاز ترامب بالانتخابات، فمن المرجح أن يقطع المساعدات عن أوكرانيا. لقد أجبرت التغييرات التي طرأت على الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتأثيرها السلبي المحتمل على الأوكرانيا على وضع خطط مبكرة، وتوسيع المجال الدبلوماسي، وتسعى إلى الحصول على تعاون الصين في تحقيق خطة السلام. وبعد وصوله إلى الصين، أعرب وزير الخارجية الأوكراني كوليبا عن اعتقاده بأن الصين “يمكن أن تلعب دورا هاما” في استعادة “السلام العادل والمستدام” في أوكرانيا.
لماذا تختار الدول الصين لتعزيز تحقيق السلام؟
وبمقارنة سياسات الصين والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، نجد أن تدخل الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط يتركز بشكل أساسي في المجالين العسكري والطاقة. وتحت تأثير “الكينزية العسكرية”، تواصل الولايات المتحدة البحث عن أعداء في الشرق الأوسط والتحريض عن الحروب فيها، كما يعتبر مصنعو الأسلحة الأمريكيون الشرق الأوسط أحد أهم الأسواق. ولكن نظراً لأن عالم اليوم يرتبط بشكل وثيق في كافة الجوانب، كما يزداد الوعي بالاستقلال الاستراتيجي لدول الشرق الأوسط باستمرار، فإن النموذج الأميركي في تشجيع الصراعات والسعي إلى الانقسام والمواجهة في الشرق الأوسط والمناطق الأخرى لم يعد مستداماً.
أما الصين، فهي تولي المزيد من الاهتمام للبنية التحتية والتجارة والمجالات الأخرى في الشرق الأوسط، ولا تنتهج “لعبة محصلتها صفر” وليس لديها نوايا عسكرية في المنطقة، ظلت الصين تنتهج سياسة خارجية مستقلة سلمية، لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولا تصدر أيديولوجيات. بل تبذل جهودها لتعزيز محادثات السلام وتجلب السلام والأمن إلى المنطقة، بدلا من الحرب والدمار. كما لا تنتهج الصين سياسة “اختيار أحد الجانبين”، بل تحافظ على الاتصال مع جميع الأطراف. ولهذا السبب تمكنت الصين من تحقيق مصالحة مهمة بين إيران والسعودية. لكن لا تستطيع الولايات المتحدة ان تلعب دور الوسيط بين أطراف الصراع، مثلا لا يمكنها إجراء حوار مع إسرائيل وحماس بشكل عادل في نفس الوقت، تحاول الولايات المتحدة كسب حلفائها فقط.
أما عن الأزمة الأوكرانية، مقارنة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرها من القوى الدولية المهمة، فالصين ليست مسببا أو طرفا في الأزمة، وباعتبارها واحدة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن للأمم المتحدة ودولة كبرى مسؤولة، تعمل الصين بنشاط على تعزيز السلام بشأن القضية الأوكرانية وتعزيز المحادثات بين الأطراف المعنية والتوصل إلى حل سياسي للأزمة. ومع تعقد تطور الصراع الروسي الأوكراني وتزايد تغير العامل الأمريكي، تقدر أوكرانيا بشكل متزايد دور الصين البناء في تعزيز الحل السياسي للأزمة الأوكرانية.
وفي السنوات الأخيرة، نجحت الصين في التوسط في الانفراج بين إيران والمملكة العربية السعودية والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، ونفذت الصين بالفعل مفهوم بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية وكذلك مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمية ومبادرة الحضارة العالمية وقد حظي دورها “كوسيط دولي” بإشادة واسعة النطاق في العالم. وفيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، تقف الصين دائما إلى جانب الحوار السلمي، وقد أثبتت زيارة وزير الخارجية الأوكراني للصين مرة أخرى أن موقف الصين المتمثل في تعزيز السلام وتعزيز المحادثات قد حظي باعتراف معظم دول العالم، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا. ومن المتوقع أن تلعب الصين دورها أكثر إيجابية وتستخدم مزاياها الخاصة لتعزيز الوساطة بين روسيا وأوكرانيا لتهدئة الوضع والسعي من أجل السلام.