شبكة طريق الحرير الإخبارية/ خاص بالشبكة/
بقلم: علجة صدوقي – كاتبة جزائرية
إن المطلع على الشأن العالمي، وعلى تاريخ العلاقات الرابط بين الدول، يدرك تمام الإدراك أن العلاقات الجزائرية الصينية واحدة من أبرز العلاقات العربية الآسيوية، وهي ليست وليدة اللحظة؛ إنما تعود جذورها لحقبة الاستعمار، حيث كانت جمهورية الصين الشعبية واحدة من مؤيدي ومباركي الثورة التحريرية برفع المعنويات، وتقديم مساعدات مالية وعسكرية، كما أنها أول دولة اعترفت بشرعية الحكومة الجزائرية المؤقتة في 19 ديسمبر عام 1958، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من تأسيسها.. لتصبح جمهورية الصين حليفا يعتز به، وبمواقفه التي أدت لتثمين هذه الصداقة خاصة بعد الاستقلال.
وكان للجزائر مواقف مشابهة أيضا كرد للجميل فيما يخص قضايا الإنسان، وتايوان وقضايا أخرى بعد انتهاء الحرب الباردة، كما قدمت من خلال رئاستها الدورية لمنظمة الوحدة الإفريقية من سنة 1999 إلى 2000، مساعدات للأعمال التحضيرية لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، مما أدى لتسريع إقامته في بكين أكتوبر 2000، لتعرف بعدها العلاقة بين الدولتين والشعبين نقلة نوعية لاسيما مع تزايد المشاريع والاستثمارات، والقضايا ذات الاهتمام المشترك، منها ما يتعلق بحفظ النظام وحرية الشعوب في تقرير مصيرها دون تدخل دولي في شؤونها الخاصة، ومن الملفات التي تشغل البلدين، ملف القضية الفلسطينية ورهانهما على قدرة المقاومة والشعب الفلسطيني على استرداد حريته وإقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس( اعترفت الصين بدولة فلسطين عام 1988، ورفرف علمها في عاصمتها، لتصبح بكين أول عاصمة غير عربية ترفع علم فلسطين في عهد شو إن لاي داعم حركات التحرر في العالم الثالث).
تطورت العلاقات الجزائرية الصينية من خلال مبادرة” الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين سنة 2013، والتي تقوم على المنفعة المتبادلة، والتعاون البَنَاء بين الأمم والشعوب وفق منظومة عالمية من أجل السلم والأمن الدوليين بعيدا عن هيمنة أي منظومة، وخلق فرص تصب في مصلحة الجميع، انضمت الجزائر إليها سنة 2018 لتكون همزة وصل بين القارات الثلاث نظرا لموقعها الاستراتيجي ومكانتها المرموقة، لم تقتصر العلاقات على الجانب الاقتصادي والتنموي فقط بل امتدت للثقافة، الصحة، والتكنولوجيا؛ بل حتى الزراعة حسب الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة مؤخرا، والتي تسعى الجزائر من خلالها تحقيق اكتفاء ذاتي لاسيما في شعبة الحبوب وذلك للتخفيض من أعباء الاستيراد، تعتبر الصين أكبر مورد للسوق الجزائرية بل تحتل المركز الأول بقيمة فاقت 9 مليار دولار سنويا وبنسبة تجاوزت 16,5 بالمائة، حسب معطيات الجمارك الجزائرية، كما يتم حاليا العمل على تعزيز الشراكة الجزائرية الصينية في مجالات الطاقات الجديدة والمتجددة، وبالأخص الطاقة الشمسية الكهروضوئية، والهيدروجين وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الجوفية، إلى جانب مجال تصنيع المعدات واستغلال الموارد المنجمية المستخدمة في صناعات الطاقة المتجددة.
وبالعودة للملف الصحي فقد كان للصين دور بارز في رفع مستوى المنظومة الصحية بالجزائر منذ عام 1963، حيث أرسلت بكين أول فريق طبي لها بطلب من السلطة التي كانت قد خرجت للتو من حربها ضد المستعمر، وإلى حد الساعة مازال الجانب الصيني ينقل خبراته مع تزايد البعثات بين الطرفين وتوحدها خاصة مع بداية جائحة كورونا، حيث أعربت الرئاسة الجزائرية عن تضامنها المطلق واحترامها للجهود الجبارة التي بذلتها الصين في مواجهة الفيروس، وكعربون للمحبة أرسلت بكين فرقا طبية، ولوازم ولقاحات، وكمامات، دعما لحليفها الاستراتيجي، كما نقل الجانب الصيني على مر السنين خبرته في الطب التقليدي.. منها العلاج بالأعشاب والوخز بالإبر.
كما لا ننسى التبادلات الثقافية، واهتمام الطرفين بالجانب التاريخي والأدبي، وترجمة الأعمال الأدبية.. حيث ترجمت رواية ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة للغة الصينية، إضافة لأبناء العالم الجديد لآسيا جبار، وكتاب الأمير لواسيني الأعرج، وبعض مؤلفات ياسمينة خضرة، وعرض أفلام في دور السينما وشاشات التلفاز، وإصدار سلسلة من الطوابع البريدية التي توثق العلاقة بينهما على مر سنين، وبفضل السياسة الرشيدة لمسؤولي الدولتين هاهي العلاقات تبلغ عامها الخامس والستين دون أن تشوبها شائبة أو أطماع بل انتقلت من مستوى الصداقة إلى التحالف، لتصبح العلاقة الأكثر ثباتا في زمن المتغيرات؛ فهنيئا للبلدين بهذا الرابط المقدس المبني على المحبة والتآخي.
*علجة صدوقي- كاتبة، روائية وفنانة تشكيلية من ولاية ورقلة، الجزائر