شبكة طريق الحرير الإخبارية/
يقول الكاتب والمفكر المهندس ممدوح حبشى فى نهاية الجزء الأول من كتابه “المسألة الفلسطينية”.
إن الطوفان الذى انفجر فى السابع من أكتوبر 2023، علامة فارقة فى تاريخ المسألة الفلسطينية بلا جدال، “طوفان الأقصى” تاريخ يحفر على الصخر بدماء الشهداء.
ويضيف: “إن عملية طوفان الأقصى ستُشكِّل نقطة تغير فى مسارات السياسة، ليس فقط فى إقليم الشرق الأوسط، بل على المستوى العالمى، الذى يُشكِّل الآن مرحلة جديدة، وهى العالم متعدد الأقطاب.
استضاف حزب “الكرامة” يوم الأربعاء 20 مارس 2024، الكاتب والمفكر ممدوح حبشى فى أمسية رمضانية تضامنًا مع الشعب الفلسطينى، نوقش من خلالها الكتاب وسط حشد من الشباب والشابات ومن السياسيين والصحفيين والمفكرين، وانتهت الأمسية باحتفال فنى لفرقة الورشة المسرحية بقيادة المخرج القدير حسن الجريتلى، وردد الحضور مع الفرقة الأغانى الوطنية والداعمة للشعب الفلسطينى.
إن أهمية هذا الكتاب، الذى صدر الجزء الأول منه فى أواخر عام 2023، أنه يتناول تاريخ مسألة “القومية اليهودية” وتجميع وتهجير اليهود من كل بلدان العالم التى يعيشون فيها وزرعهم فى فلسطين العربية، وتلاقى فكر الحركة الصهيونية ومصلحتها مع مصلحة الدول الاستعمارية “بريطانيا وفرنسا” فى أوائل القرن العشرين، ثم دعم الإمبريالية الأمريكية هذا الكيان الصهيونى، منذ منتصف القرن العشرين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الآن.
ويسرد لنا الكاتب بأسلوبه السهل الممتنع والعميق فى الفكر والتحليل السياسى، بداية فكرة نشأة توطين اليهود فى الوطن العربى منذ الحملة الفرنسية على مصر فى نهاية القرن الثامن عشر “1798”، والتى التقت بعد ذلك بالفكر الصهيونى ونشأة الحركة الصهيونية فى نهاية القرن التاسع عشر “1898” على يد الصهيونى تيودور هرتزل، ثم بدايات زرع الصهاينة فى فلسطين منذ وعد بلفور 1917 حتى قيام طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023، مرورا بتقسيم فلسطين 1947، ونكبة نشأة “دولة إسرائيل” 1948، وإعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة فى يونيو 1967، وحرب أكتوبر 1973، التى تلاها اتفاقيات كامب ديفيد ووادى عربة وأوسلو مع العدو الصهيونى، وهرولة عدد من حكام الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيونى.
وفى هذا المقال أتناول الجزء الأول من الكتاب، الخاص بالحركة الصهيونية كمشروع استعمارى عنصرى.
يوضح لنا الكاتب ممدوح حبشى فى المقدمة “بعد أن أظهرت حرب السابع من أكتوبر2023، هذه الدرجة العالية من الاستقطاب على الصعيد العالمى، فأنا أقول إن هذا الصراع لم يعد عربيًا صهيونيًا فحسب، بل أضحى صراعًا بين قوى التحرر والثورة، وقوى الاستعمار والإمبريالية فى العالم أجمع، لذلك علينا رواية القصة الكاملة- بقدر الإمكان- للأجيال التى لم تشهد حروبًا لهذا الصراع قبل السابع من أكتوبر 2023.
وينتقل الكاتب إلى فرنسا وبدايات نشأة “إسرائيل” كمشروع استعمارى مع قدوم نابليون بونابرت ودخوله مصر عام 1798، وتوجيهه “نداء إلى يهود العالم”، وفى هذا النداء “من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة الفرنسية فى آسيا وإفريقيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين، أيها الشعب الفريد الذى لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومى، وإن كانت سلبته أرض الجدود، انهضوا، إن فرنسا تقدم لكم يدها حاملة إرث إسرائيل تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها”.
لقد كانت فكرة نابليون فكرة استعمارية، استغل فيها اللعب على الوتر الدينى وأساطيره، لتكون فلسطين وطنًا لليهود “الموعود والمختار”، كما استغل اضطهادهم فى البلدان التى يقيمون فيها فى شرق أوروبا، كل ذلك من أجل السيطرة على الضلع الجنوبى لزاوية البحر الأبيض المتوسط الشرقية “مصر”، ولتأمين سوريا، ولكى يضمن عدم التقاء الضلعين عربيًا وإسلاميًا عليه أن يزرع عند نقطة التقائهما شيئًا آخر لا هو عربى ولا إسلامى.
ويستعرض الكاتب بعد ذلك كيف أن بريطانيا فكرت فى هذا المشروع قبل إنشاء الحركة الصهيونية ذاتها، وذلك عندما أصبحت مصر بقيادة محمد على قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية، وأصبحت تُشكّل خطرًا على القوتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا، فاتحدت الدولتان مع الإمبرطورية العثمانية وقتها للقضاء على قوة مصر، حيث قام الجيشان البريطانى والفرنسى بمساعدة الجيش التركى بتدمير الأسطول المصرى عام 1839.
عندئذ بادر وزير خارجية بريطانيا بعرض اقتراح على السلطان العثمانى بأن يسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين والاستيطان هناك، حيث إن اليهود يمكن أن يُشكِّلوا درعا بشرية فى مواجهة محمد على وأمثاله والحيلولة دون مشروعاتهم المستقبلية، ولكن السلطان العثمانى رفض هذا الاقتراح.
وفى أواخر القرن التاسع عشر عام 1897، تأسست الحركة الصهيونية على يد اليهودى النمساوى “تيودور هرتزل” وسط تزايد العداء للسامية فى أوروبا. ومثلما بدأ المشروع الاستيطانى العنصرى فى جنوب إفريقيا، كان لابد من أن يبدأ المشروع الصهيونى، لتوطين يهود العالم فى دولة واحدة “أوغندا أو موزمبيق أوالأرجنتين أو قبرص أو ليبيا” تحت حماية ورعاية قوة استعمارية كبرى مثل بريطانيا العظمى، وفكر هرتزل بعد ذلك فى تأثير البعد الدينى والأساطير اليهودية بالعودة إلى أرض فلسطين.
ويستطرد الكاتب كيف استغل الصهيونى هرتزل كل الوسائل لإقناع الدول الاستعمارية بمساعدته، لأن ذلك سوف يحمى مصالحها فى الشرق، فأقنع بريطانيا بحماية الطريق إلى مستعمراتها فى الهند، فى مواجهة المصالح الألمانية فى الأقليم، وفى نفس الوقت وعد الحاكم الألمانى بحماية مشروع برلين بغداد فى مواجهة المصالح البريطانية، وفى 1898 حصل على موافقة القيصر الروسى بعد أن أقنعه بدور الصهيونية فى مواجهة الاشتراكية.
بعد ذلك تم عقد اتفاقية “سايكس- بيكو” لتقسيم العالم العربى بين بريطانيا وفرنسا عام 1916، ثم وعد بلفور البريطانى 2 نوفمبر 1917، بإعطاء فلسطين وطنا قوميا لليهود، وهذا معناه التطهير العرقى للشعب الفلسطينى وطرده وتهجيره قسريا، ولقد بدأت هذه الخطة، وتم تنفيذها بكل الوسائل المجرمة، واتضح للعالم كله آنذاك كيف أن الفكرة الصهيونية لم تكن حركة تحرر وطنى كما يزعمون، لكنها كانت بالأساس مشروعًا لخدمة القوى الاستعمارية القديمة، ثم خدمة القوى الإمبريالية المعاصرة، وهى الولايات المتحدة الأمريكية بجانب الدول الاستعمارية القديمة الأوروبية.
وإننى أضيف أنه فى عام 1908 شكَّل كمبل، رئيس وزراء إنجلترا لجنة لدراسة المخاطر المستقبلية على الإمبراطورية البريطانية وكيف يمكن تفاديها، فأوصت اللجنة بعد دراسة وتشاور على مدى سنتين، بخلق كيان بشرى فى موقع فلسطين، يفصل بين مصر والشام؛ لأن هذه المنطقة العربية يجمع شعوبها التاريخ واللغة والدين وكانت دولة واحدة لفترات طويلة من عهد رمسيس الثانى حتى عهد محمد على.
لقد أوضح لنا كتاب المسألة الفلسطينية كيف أن الحركة الصهيونية قامت على أساس عنصرى عن طريق التهجير الجماعى بالقوة للسكان العرب الفلسطينيين الأصليين، وكيف أن الكيان الصهيونى كيان استعمارى استيطانى إحلالى عنصرى.
ويجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة أصدرت قررًا فى عام 1975 باعتبار الصهيونية شكلًا من أشكال الفصل العنصرى “الأبارتهايد”، لكنها ألغته بضغط من الدول الاستعمارية الكبرى عام 1991.
كل التحية للكاتب ممدوح حبشى على هذا الكتاب الهام، وفى انتظار الجزء الثانى.
المجد والخلود للشهداء والنصر للمقاومة والحرية للأسرى، والبقاء للشعوب والزوال للاحتلال.