سناء كليش*
فجأة ودون أي مقدمات، طفت منذ شهور عديدة على سطح الأحداث في هونغ كونغ بعض أعمال الشغب والنهب والسلب وحرق الممتلكات العامة والخاصة، وتدمير وسائل المواصلات الأرضية وتحت الأرضية، ورفع شعارات اجرامية ودعوات تشجع النهب والسرقة والاستحواذ على ممتلكات الآخرين بالقوة، بدفع من عناصر وجهات خارجية، وشعارات غريبة تدعو الى النيل من القانون والإدارة المحلية لهونغ كونغ، وعلاقاتها مع البَر الرئيسي للوطن – الأم.
كل هذه الأعمال التي لا ترضى أي دولة في العالم أن تحدث على أراضيها، وجدت وللأسف الشديد آذاناً صاغية في وسائل الإعلام الأمريكية ومَن َلف لفها، ووصفتها بانتفاضة “ديمقراطية ومطالِبة بالحريات!!! وفي خضم كل ذلك، كثفت بعض المنظمات الأمريكية والصديقة لها، أنشطتها بين المحتجين في هونغ كونغ، ودفعت بغزارة الاموال للمحتجين وشجعتهم لزيادة منسوب الاحتجاج، ورسمت لهم الشعارات “الأنسب” لرفعها ،لتنضج هنا “الطبخة السياسية”!، ويصير بعد ذلك الوقت لحلول دور الادارة الأمريكية نفسها، ليقر الكونغرس الأمريكي ما يُسّمى بمشروع “قانون حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ لعام 2019″، والذي اعتبرته جمهورية الصين الشعبية تدخلاً صارخاً في شؤونها الداخلية، وانتهاكاً عميقاً للقوانين الدولية وقواعد العلاقات الاممية، ولها الحق في اعتباره كذلك، فهذا الموقف كانت ستتخذه أي دولة أخرى سيّدة على أرضها وشعبها وواقعها ومستقبلها .
وفي يوم 27 نوفمبر 2019، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذا المشروع، متجاهلا تماماً موجة الاحتجاجات الشديدة والمعارضة القوية من الحكومة الصينية له، ليصبح بالتالي “قانوناً” تحاول أمريكا من خلاله السيطرة على كونغ كونغ وإدارتها من وراء المحيط ضمن مصالحها، متناسية أن هذه المنطقة صينية بحتة وتخضع لقيادتها في بكين. ما قامت به أمريكا من خلال هذا “المبادرة” “غير القانونية”، هي في حقيقتها مناهضة لكل القوانين الوضعية والدولية، من شأنه أن يَنسف مجمل العلاقات الدولية التي إتّفقت عليها كل الدول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعدما وضعت الحرب الباردة بين القطبين السوفييتي والغربي أوزارها، لكن هذه الحروب تعود اليوم لتمتد الى الصين، في خلاف لكل لوائح الامم المتحدة والقوانين التي اتفقت الدول الأعضاء عليها ومن ضمنها أمريكا. تصَنِف عديد دول العالم وشخصياته النافذة، فِعلة أمريكا ترامب بأنها تدخل علني في شؤون هونغ كونغ، وتدخل صارخ في الشؤون الداخلية للصين، وانتهاك شديد للقوانين الدولية والقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، ذلك أن هونغ كونغ صينية وليست أمريكية أو بريطانية، وشؤون هونغ كونغ هي الشؤون الداخلية لدولة سيدة ومستقلة وكبيرة إسمها الصين، ولا يسمح القانون الدولي وشرعية حقوق الإنسان والدول بأي تدخل خارجي فيها في الحقيقة يعتبر التدخل الفض لدولة في شؤون دولة أخرى “متاجرة مفضوحة”، لا ترضى أي دولة بمثلها ولا حتى النظام الأمريكي نفسه، ناهيك عن الأفعال الإجرامية التي شهدتها هونغ كونغ بتشجيع أمريكي، لا يمت لحقوق الإنسان والدول بأي صِلة.
ومهما طال الأمر أو قصر، ستبقى الصين دولة سيدة ككل دول العالم، وهونغ كونغ جزء من الصين، باعتراف كل دول وشعوب المعمورة المتحضرة، التي تدرك أهمية واقع ومبادئ “دولة واحدة ونظامان”. تتمتع هونغ كونغ بدرجة عالية من الحكم الذاتي، تضمن الحقوق والحريات الشخصية، وفقًا للقانون، وستبقى عزيمة الحكومة الصينية على حماية سيادة الدولة وأمنها ومصالحها التنموية صامدة ولا تتزعزع، وكذلك تطبيق مبدأ “دولة واحدة ونظامان” هدف لا تنحاز عنه الصين التي تمتلك يقينا كامل القدرات لحماية نفسها وشعبها من التغوّل ومحاولات الهيمنة الخارجية، وللحفاظ على الازدهار والاستقرار المُستدام، في هونغ كونغ.
سناء_كليش: كاتبة وصحفية #تونسية ناشطة وشهيرة، ومن المجموعة الاولى المؤسِّسة للاتحاد الدولي للصُحفيين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين ومستشارة رئيس الاتحاد الدولي للشؤون الإعلامية والأفريقية وقضايا المرأة
مقالة الأستاذة سناء كليش مهمة جدا جدا.. انها رأي متقدم من تونس بوضعية العلاقات الصينية الأمريكية والوضع في هونغ كونغ. نأمل المزيد من المقالات بقلم الأستاذة كليش من تونس.
شكرا للسيدة سناء على هذة المقالة الشيقة