الأنباط – الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح
كان صهاينة روسيا أوائل من أسس ما يُسمّى بِ (جمعيات أحباء صهيون) أو (حوفيفي تسيون)، التي لم تكن تدعو على الأقل في بداياتها، لاستعمار واستيطان فلسطين كما غدا لاحقًا بوصاية متعددة الأشكال من الدول الغربية، بل كانت أمانيهم الجمعوية هي الهجرة من مختلف البلدان، ضمنها روسيا وبعض بلدان شرق أوروبا، إلى (العالم الجديد)، الذي هو الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، لأجل بناء وطن الميعاد الصهيوني فيها. كان أحباء صهيون، ووفقًا لدراساتي الواسعة في الأدبيات السوفييتية، يَسعون إلى بناء نظري عميق يُشرعِن أمانيهم اليهودية الصهيونية المستمَدة من (العهد القديم) في مواجهة عدائية لِ(العهد الجديد) المسيحي. هذه العهود تتحدث عن أجدادنا الأنبياء، وبخاصة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل وذريته عليهم السلام، كمواطنين لمنطقتنا ينتمون للآرامية بكل تجلياتها اللغوية والجغرافية، من الرافدين إلى كامل أرض كنعان.
لكن (أحباء) الصهيونية استولوا على التاريخ وزوروه وصبغوه بلونهم وسيطر عليه فكرهم، إذ تطلع هؤلاء الفتيان الصهاينة الأوائل؛ بدايةً؛ إلى حركة ثقافية نظرية مناهِضة لاندماج الموسويين في المجتمعات الأوروبية بغية جذبهم للصهيونية الأولى.
أحباء صهيون شاركوا لاحقًا في وضع اللبنات الفكرية العدوانية لصهيونية هرتزل السياسية، وساروا فيما بعد في خضم مسيرته السياسية – العسكرتارية، كتلاميذ له، لإيجاد بقعة يُعْلَن فيها استقلال الدويلة الصهيونية تكون غيتو جديد لهم، وتوصلوا في نهايات أمورهم إلى أنه لا أفضل من فلسطين ذات الموقع الإستراتيجي المتميز، بالرغم من أسماء بلدان عديدة في مختلف القارات كانت مرشحة لديهم لاختيار الأنسب منها كَ”وطن قومي” لهم!!!
نظر هؤلاء الصهاينة إلى أمريكا على أنها المركز الأول الحاضن والأب الحاني للحركة الصهيونية الجديدة، لجمع (يهوذ) و (يهود) العالم في تلك المساحة الجديدة من الأرض البعيدة الموعودة والواعدة بالخيرات عليهم(!)، فقد كانوا يرون فيها وطنًا عالميًا لاستثمار أموالهم الفلكية، ولرعاية أتباع الديانة الموسوية إنهاضًا لأوضاعهم المالية والمجتمعية، وفي سبيل إخراجهم من الغيتوات الأوروبية التي عاشوا فيها منغلقين أو شبه منعزلين عن بقايا مجتمعاتهم الأوروبية الشرقية والغربية ليموتوا في حروب من أجل (غيتو قيادي) جديد.
قبل وفاته، كنت على علاقة طيبة مع الحاخام الأكبر المرحوم موشيه هيرش، اليهوذي المناهض بقوة للصهيونية وزعيم منظمة ناطوري كارتا، والذي شغل كذلك منصب مستشار للرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي عيّنه الشهيد عرفات في أول حكومة فلسطينية، بعد اتفاق أوسلو، وزيراً للشؤون اليهودية، وقد عملت شخصيًا على دعوته للأردن لإلقاء محاضرات في المنتديات الثقافية الأهم، تفضح الجوهر الرجعي والاستعماري والعنصري للصهيونية، التي تمثّل نفسها وكوادرها فقط، ولا تمثّل كل يهود العالم الذين ينتمون لمجموعات كبيرة ترفض الصهيونية فكرًا وممارسة، لكونهم يَعتبرونها تنظيمًا إجراميًا لمصالح رأس المال الغربي التوسعي الذي يُوظّف أصحاب الديانة الموسوية ذبيحةً مقدسة على مذبح الصهيونية وامتداداتها العالمية، وفي الأخص سيطرتها الجغرافية على فلسطين وجوارها العربي كما جاء في أيديولوجيات أساطينها.
الصديق موشيه هيرش الذي وقف بصلابة نادرة إلى جانب فلسطين تاريخًا ووطنًا وسيادةً وفي مواجهة الاحتلال الصهيوني وداعميه، توفي في أيار 2010، ولم يتمكن هذا الحليف الذي شنت الأجهزة الإسرائيلية عليه وعلى منظمته حملة معادية ضخمة، من قراءة محاضرات في المنتديات الثقافية المحلية، تعريةً للجوهر الإمبريالي التوسعي للصهيونية الدولية، ولتعريفنا بالوجود الفاعل لناطوري كارتا وشقيقاتها في فلسطين المحتلة والعالم، تأكيدًا لانتماء اليهود العرب واليهود غير الصهاينة للإنسانية ولعروبتهم وتاريخهم الجمعي للمكونات العربية المُبدعة والمتآخية وللعدالة التاريخية نُصرةً لحقوق الشعب الفلسطيني على أرضه وفي وطنه التاريخي الكنعاني فلسطين.
(أحباء صهيون) هم البُناة الأوائل مع هرتزل وصحبه لأيديولوجية وتطبيقات الصهيونية المَعاصرة، وهم آباء الصهيونيتين الدينية والحربية التوسعية وغيرها من مدارس وأشكال وأزياء الصهيونيات المُستنِدة إلى ما يُسمّى بأشواق “بني موسى”، إذ “تطورت” هذه الصهيونية من المطالبة بوطن قومي لليهود في أمريكا وحدها، إلى وطن قومي لهم في فلسطين التاريخية وفي الأراضي العربية المجاورة لفلسطين، زعمًا منهم أن تلك الأراضي “فارغة من السكان”.
برزت تلك الإدعاءات بعدما تحوّل رأس المال الصهيوني العالمي الضخم إلى مؤسسة احتكارية عابرة للكرة الأرضية، وإثر تعزيز بُنيانه وتركيز نفوذه في (العالم الجديد) الذي هو الولايات المتحدة الأمريكية، ليبدأ هرتزل فور ظهوره زعيمًا على الساحة السياسية الدولية، في إعمال أيديولوجية جديدة جلّها إقامة وطن بشري للتوسعية الصهيونية الكونية بتجنيد فقراء اليهود من غيتوات أوروبا.
واليوم في الذكرى الحادية عشرة لوفاة الصديق والأخ هيرش، من الضروري الإشارة إلى أن “اليهود الشرقيين” والأفارقة والآسيويين عموماً هم الأكثر فقراً وفاقةً واضطهادًا إسرائيليًا وصهيونيًا في غيتو نتنياهو، وهم الأقل حمايةً وتمتعاً بقوة القانون في الكيان الوظيفي المُصطنع للصهيونية الدولية، الساعي بالترهيب لفرض التجنيد الإجباري عليهم ليتخلص منهم فيزيائيًا في الحروب العربية الإسرائيلية!
مقالة فريدة و متميزة ..
صحيح ليس اليهود صهاينة فهناك يهود يقفوا على النقيض من الحركة الصهيونية ..
نعم وهناك يهود في اليمن ليسوا صهاينة ولا رجعيين.. بل مواطنين طبيعيين وعلى قدم المساواة مع شعبهم اليمني.