جريدة الأنباط الأردنية/
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح*
*صحفي وكاتب وباحث متخصص بشؤون جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة.
تُعتبر جمهورية أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة، دولة متعددة الثقافات والديانات والألسن والقوميات، وتتّبع نهجاً سياسياً متحضّراً في هذا وفي غيره من الفضاءات.
ولهذا، نرى أذربيجان تفتح أبوابها على مصاريعها على الآخر الديني والثقافي والعقلي الذي يأمَنُ لمناهجها وصداقتها وحسن جبلتها الانسانية. وفي هذا الأمر وفي غيره من الوقائع تشغل أذربيجان المكانة الأولى بين دول العالم غير المسيحية، التي تُفاخر بتاريخها المسيحي، إذ ينشغل المهتمون في العاصمة باكو بالحديث عن مسيحيتهم تاريخياً، ويسهبون بإعادة نشر مدونات العصور السابقة والتعريف بآثارها المادية والمعنوية من خلال البحث والإفاضة في وسائل الإعلام الرسمية، وفي المؤسسات العلمية والبحثية. إلى ذلك، يتابع العالم بإهتمام وتركيز بالغين كيفية وآلية شروع أذربيجان خلال الحرب الأخيرة، التي تمكنت فيها من تحرير أراضيها المحتلة منذ نحو ثلاثة عقود، بتكثيف النشر الإعلامي من خلال وسائلها الرسمية والاجتماعية، عن المسيحية وتاريخها على الأرض الأذربيجانية.
لم يتوقف الاهتمام الأذربيجاني عند هذا الحد، بل تطور بصورة صاعدة وسرعة ملحوظة وضمن اهتمام قيادي واضح من جانب الرئاسة السياسية الأذربيجانية، صوب تأسيس مؤسسات وطنية متخصصة تُعنى بالتراث المسيحي الأذربيجاني غني المضمون، ونجحت بتميّز في تكتيل جهود أكاديمية ومالية كبيرة لدعم هذا المشروع الكبير الذي يعكس بجلاء تحضّر ورُقي قيادة الدولة ومجموع الشعب وانفتاحيتهما ورغبتهما بتأكيد استمرارية التوثيق التاريخي والانساني للحقائق الأذربيجانية وبلغات متعددة ضمنها العربية. في هذا المضمار، كان لتصريحات النائب الأول لوزير الثقافة الأذربيجاني أنار كريموف، (الذي سبق له وشارك في دورات دراسية في الجامعة المستنصرية في العراق وفي معهد الدراسات الدبلوماسية في مصر)، عن أن الآثار الثقافية والدينية المسيحية في (قره باغ) “موروثة عن أسلافنا ونحميها”، أثراً بالغاً في كل رياح الكرة الأرضية، وهو ما أضاف لأذربيجان شهرة على شهرة واحتراماً على احترام، إذ أكدت للبشرية جمعاء أنها دولة القانون المنفتحة على الجميع دون استثناء، وحامية للاعتقادات والايمان والحرية الدينية لجميع مَن يحملون الجنسية الأذربيجانية وزوار وضيوف أذربيجان وجموع الحجيج المسيحي على ترابها. يُعتَبر البرنامج الأذربيجاني الذائع الصيت “نتعرف على تراثنا المسيحي”، واحداً من أبرز هذه الأنشطة وهو شهير على صعيد دولي، وقد تلقى دعماً وازناً محلياً وعالمياً عندما نشرت وزارة الثقافة الأذربيجانية مقطع فيديو عن الكنيسة الأرثوذكسية “القديس جين ميرونوسيتس”، وذلك في إطار عنوان لافت هو: “التعريّف بتراثنا المسيحي.”
جاء في وكالة أنباء (أذرتاج)، أن الكنيسة أقيمت في عام 1909 على يد المهندس المعماري فيرجبتسكين، بدعم مالي من المليونير الأذربيجاني الشهير وصاحب الاعمال الخيرية الحاج زين العابدين تقييف.
واللافت للانتباه والاهتمام والمتابعة، أنه وأثناء زيارة بطريرك موسكو وعموم روسيا، المثلث الرحمات، آلكسي الثاني، إلى باكو بتاريخ 27 مايو 2001، ترأس قداسته قدّاساً دينياً في هذه الكنيسة وأعلنها “كاثدرائية عامة”. وقد ذاعت في أخبار مختلف البلدان في ذلك الوقت أن الرئيس الأذربيجاني السابق، المرحوم حيدر علييف حضر هذا الاحتفال الديني الكبير، وإلى جانبه حضره أعضاء الحكومة الأذربيجانية وممثلو السفارات ورؤساء الطوائف الدينية.
وفي الحديث عن الكنائس، فإن في أذربيجان الدولة المتعددة الثقافات والأديان، يَحظى جميع مّن يتبعون الإيمان فيها بالاحترام والحماية، ولهذا نكتشف أن الكنيسة الأرمنية القائمة في وسط العاصمة باكو بقيت أبوابها مفتوحة أمام الجميع في كل الأزمان، وتمتعت بالصون في الحرب الأخيرة أيضاً، تماماً كما تمتعت بالحماية المتواصلة كنيسة (شوشا) التي هي المدينة الرئيسية في (قره باغ)، وبقيت بقية الكنائس في البلاد الأذربيجانية تعمل بحرية، وشخصياً كنت وما أزال أتابع في برامج محطات التلفزة الأذربيجانية باللغة الروسية، اللقاءات المتواصلة التي تجريها هذه المحطات مع رجال الدين في أذربيجان وتصريحاتهم الجريئة للدفاع عن سيادة الدولة ومِثال الحريات الذي تقدمه في كل الحقول عبر شاشات المُباصرة الأذربيجانية التي تشهد على حرية واقع وحركة الأديان في هذا البلد الصديق.
مقال قيم ومعلومات تكشف النقاب عن تاريخ مجهول لا يعمله الكثيرون من أبناء الأمة العربية.
شكرا أستاذ مروان على هذا المقال الكاشف للحقيقة النابض للتاريخ
بالضبط صديقي العزيز استاذ طارق قديس الباحث والشاعر والكاتب الاردني العريق..
قليلون يعرفون هذه المعلومات وبعض الدول تقوم بتغييبها قصداً..
واجبنا دعم اذربيجان والتعريف بها وبحضاريتها وعلو شأنها في مختلف المجالات.. فهي دولة منفتحة ومثقف شعبها ووسطية..