الأنباط، الأردنية/
بقلم الأكاديمي مروان سوداح
لفت اهتمامي بشدة قبل أيام، الخبر الذي بثته وكالة أنباء (أذرتاج) الرسمية الأذربيجانية، الذي كشف عن رقم ألغام مُذهل زرعته قوات أرمينيا التي احتلت أكثر من عشرين بالمئة من أراضي أذربيجان، على مدار سنوات طويلة قبل وبعد بيريسترويكا غورباتشوف. نقلت الوكالة الأذربيجانية عن (وكالة تطهير الألغام الأذربيجانية – أناما) قولها، إن فِرق الوكالة تعمل “حاليًا”، ليلًا ونهارًا على الأراضي الأذربيجانية المُحَرَرَة من وطأة الاحتلال الأرميني، في محافظات أغدام، فضولي، جبرائيل، زنكيلان، قبادلي، ترتر، بالإضافة إلى مدينة شوشا، لتطهيرها من الألغام الأرمينية التي راح ضحيتها العديد من المدنيين الأذربيجانيين.
كشفت (أذرتاج) كذلك، عن أن عمليات نزع الألغام جارية بالآلات والأدوات اليدوية وأجهزة التطهير الخاصة والكلاب المدربة. أكدت (أناما)، أن الأراضي المُنْقَذَة من العبودية ووطأة غُزاة أرمينيا نَالت حُرّيتها، لكن ترابها ملوثٌ بالألغام المختلفة والذخائر غير المتفجرة والعبوات الناسفة، التي بقيت في جوف الأرض وتنذر بالويلات.
ولذلك، مُنِعَ دخول المدنيين إلى المناطق الموبوءة بالنّحرِ والموت الأرميني إلا بإذن خاص. المُذهل والمُثير لتساؤلات عديدة وعلامات استفهام لا حدود لها، هو عدد الألغام المزروعة المُكتشَفة “حتى الآن” على الأراضي الأذربيجانية التي كانت تحت الاحتلال، والتي تجري هذه الأيام عمليات ضخمة لتحييدها، إذ وصل عددها إلى 9584 لغَمًا مضادًا للمُشاة والدّبابات، و7081 ذخيرة حربية غير مُتفجّرة تم العثور عليها منذ بدء عمليات التطهير في 27 سبتمبر العام الماضي، على مساحة قدرها 16 مليونًا و 586 ألفًا و 32 مترًا مربعًا من الأراضي.
هذه الألغام والذخائر الحربية الخطرة تستهدف الإنسان بالموت الأكيد، ولهذا بالذات نَشرها العدو في المواقع المدنية حيث لا وجود للعسكر فيها، بغية إلحاق أكبر قدر من الإصابات والموت بالمواطنين الأذريين، وهو لعمري عمل فاشي ونازي النزعة، مُطابِق للأفعال الوضيعة التي اقترفها مجرمو التوسعية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، مِمَن كانوا يَستهدفون المدنيين بالدرجة الأولى، لكونهم حِصن العسكريين المقاتلين لردع العدوان وتكنيس الاحتلال. لكن الفاشيين هُزموا شر هزيمة، ومِثلهم وعلى مِثالهم هُزم عسكر أرمينيا هزيمة يُسطّر التاريخ يومياتها التي تدين كل جهة استعمارية في هذا الكون، الذي تنشد غالبية شعوبه ودولهِ السلام والأمان والتطور السلمي والإبداع والإنتاج وتعظيم المشتركات والمَحبة بين الأمم.
السؤال الكبير الذي يَطرح نفسه ويؤرقني كل يوم منذ عشرات السنين التي تابعت خلالها منذ شبابي، منذ أن بدأت أرمينيا بقضم وهضم تدريجي ملحوظ للأراضي الأذربيجانية إبّان الاتحاد السوفييتي السابق، هو: هل هدف يرفان من التلغيم الشامل لأذربيجان هو تسريع الإبادة الجماعية الفظيعة للبشر والحجر، والتصفية الحضارية للدولة الأذربيجانية، وسَحْق العنصر البشري الأذربيجاني جسديًا، ومحو وجُودي لكل مواطنة أذرية ومواطن إذربيجاني تطأ أقدَامَهم أرضهم الأم؟! وإذا كان الأمر كذلك في ألفه ويائه، وهو هو في واقع الاحتلال الأرميني الذي يَستهدف الأرض والإنسان والبُنيان معًا، إنما يَعني واقعيًا النيّة المُبيّتة أصلًا بإبادة الجنس الأذربيجاني، وهذا بحد ذاته إثْمٌ وجريمةٌ شنيعة مع سبق الإصرار والترصد، يُعاقِب عليها ليس فقط القانون المدني – الإنساني فحسب، بل وميثاق الأمم المتحدة أيضًا، والأديان السماوية التي ضربت أرمينيا وما زالت تضرب بها كلها عرض الحائط في مواجهة البشرية، كل البشرية!
*متخصص بشؤون أذربيجان.