جريدة الأنباط الأردنية/
بقلم الأكاديمي مروان سوداح
تضرب أذربيجان المَثل وتمنح القدوة للعالم في تعظيم تراثها التاريخي والديني ودراسته والتعريف به آسيوياً وعالمياً، ما يؤكد للمتابع والمهتم أن هذه الدولة تتمتع بتركيبة خاصة، وانفتاحية من لون جديد، فهي تشرّع أبوابها أمام الجميع بدون أي استثناء، ليغرفوا منها ما يشاؤون من العلوم والمَعارف وما يَسعهم الجهد والعمل لتغتني جِعابهم بكل جديد وممتع من وقائع إنسانية حضارية وحضرنة صنعها الأذريون عبر العصور، لتشكّل وعاءً يجمع المثقفين والمتعلمين والنبلاء أصحاب السماء.
في خضم الأعياد الميلادية التي احتفلنا بها مؤخراً، وما زلنا نعيش في أجوائها، لمسنا على أرض الواقع كيف أن أذربيجان التي تشرّفتُ شخصياً بزيارتها والتقيت فيها كبارها السياسيين وشعبها وأصدقائي التاريخيين من صحفيين، وباحثين، وكتّاب مرموقين، أعلت بُنيانها وشأنها وعبّدت سبيلها صوب مستقبل زاهر بشعب متضامن لا مكان لديه للتفرقة أياً كانت، وها هي الآن تُحاجج العالم بانفتاحية دينية داخلية وخارجية لا مثيل لها حتى في دول الغرب، التي عادةً ما تسهب وسائل إعلامها في تسويق مناهجها المختلفة، من خلال تقديم نظامها السياسي على أنه جامع للكل، بينما نرى في واقع أذربيجان الآسيوية والشرقية، وحدة إجتماعية قل نظيرها دولياً، إذ أن كل مواطني المجتمع يفاخرون بأنهم يتمتعون بدرجة كافية من الوعي السياسي الذي أوصلهم إلى تراصِ شعبٍ يقوده الرئيس الفذ إلهام علييف، يؤكد يومياً وِحدة الإخوة في الدين والإنسانية والمصير المشترك.
نقرأ أيضاً في فضاء باكو الواسع الذي احتضن المسيحية والمسيحيين تاريخياً، نجاحها مجدداً في إستعادة سيادتها على أرضها ومساجدها وكنائسها وأديرتها المسيحية المحتلة، بعد ثلاثة عقود من احتلال أبكى العالم. اللافت والمهم هنا، أن أذربيجان وثّقت وما زالت تعمل على توثيق تاريخها المسيحي، الذي يُعتبر اللَبِنة الأولى التي بُنِيت عليها أذربيجان المُعاصِرة. لفت انتباهي قبل أيام، تصريح في غاية الأهمية لفخامة رئيس أذربيجان، السيد إلهام علييف، جاء رداً على “قلق” دول غربية بخصوص دور العبادة المسيحية في المناطق المُحرّرة من الاحتلال الأرميني، إذ تساءل فخامته خلال تفقده مسجدًا تاريخيًا في مدينة أغدام الحرّة: “هل سينتقدنا مَن يُغلقون المساجد؟ هل مَن يلقون رؤوس الخنازير على المساجد سيعطوننا الدروس ويعربون عن قلقهم؟”؛ وأردف: مساجد كثيرة عائدة للأذربيجانيين تم تدميرها خلال فترة الاحتلال الأرميني، واستُخدم بعضها كحظائر للخنازير”؛ ف”لا داعي لقلق أحد وخاصة القادة الغربيين الذين يؤججون مشاعر الإسلاموفوبيا، ذلك أنهم يتجاهلون الإساءات للقيم الإسلامية المقدسة، وحتى أنهم يُبرّرون مَن يُسيء إليها، فلا يحق لهؤلاء التحدّث، كما أن جميع المعابد في أراضينا تعد ثروة تاريخية لنا”.
لفت انتباهي في نداء وجّهه رؤساء الطوائف المسيحية في أذربيجان، إلى رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، قولهم “إن أذربيجان وطننا، ونحن مسيحيون نتعايش هنا منذ قرون طويلة في أجواء من السّلم والأمن، ونؤدي طقوسنا الدينية دون أي مانع وضغط، ونحظى في ظل اهتمام وعناية دائمة من دولة أذربيجان بحرية الحفاظ على المستوى العالي لتقاليدنا وقيمنا الدينية والأخلاقية ومعابدنا وطوائفنا التي أُقيمت هذه البُنى على أرضها القديمة، في زمن وُجِدت فيه دولة ألبانيا القوقازية بطوائفها المسيحية الأولى بجهود إثنين من رُسل السيد المسيح، وهما تداوس وبرثولماوس، وتشتهر حالياً كمركز من مراكز التعاون بين الأديان على نطاق عالمي، ونحن نعتز بكوننا الجزء الذي لا يتجزأ من هويتنا القومية الأذربيجانية ودولة أذربيجان وطننا التي تُحقق التعددية الثقافية ضمن سياسة الدولة.”
يَكشف النداء كذلك عن حقائق أذربيجانية يتم طمسها غربياً وعلى يد أدواتها في بلدان عدة، ويؤكد أن مواقع العبادة المسيحية القائمة على الأراضي الأذرية؛ بجانب معابد سائر الأديان الموجودة في أذربيجان؛ تعرّضت للدمار والهدم على يد المحتَلين، ومع ذلك “نشهد على إقامةِ عددٍ كبير من المِلّة الأرمينية في أذربيجان إقامة حرة..
زد عليه أن الكنيسة الأرمينية في وسط العاصمة باكو قائمة، وتحظى بالحماية والصيانة والإصلاح من قِبل الدولة.. ونستذكر هنا أن البطريرك الأرميني سبق وأدى فيها الطقوس الدينية خلال زيارته إلى باكو، للمشاركة في قمة باكو الأولى لزعماء الأديان العالمية، وعَقدَ اجتماعاَ مع منتسبي المِلّة الأرمينية في أذربيجان. وللحديث بقية.