في مُنتصف الشهر الماضي أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مُبادرة الحضارة العالمية وذلك خلال الاجتماع الرفيع المستوى لحوار الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب السياسية العالمية. وخلال كلمته قدم الرئيس الصيني مضامين هذه المبادرة والتي ترى الصين بأنها تحمل في جوهرها قيم السلام والتنمية والعدالة والديمقراطية والحرية والانصاف لكل شعوب العالم. مُشيراً إلى أهمية احترام التنوع الحضاري العالمي والتمسك بالمساواة والاستفادة المتبادلة والحوار والتسامح والتواصل بين الحضارات بدلاً من القطيعة. هذه المبادرة تأتي رداً صريحاً على المزاعم التي أطلقها بعض المُفكرين الغريبين ومنهم هنتنغتون في بداية التسعينات حول صدام الحضارات.
إن مبادرة الحضارة العالمية تأتي في سياق استعادة الصين لمركزها كقوة حضارية مؤثرة على مستوى العالم مُستمدةً ذلك من تاريخها الطويل ومن موقعها الذي أحتلته ذات يوم كمركز حضاري. لقد مَهَّدَ الرئيس الصيني لمبادرته بتقديم سمات نمط التحديث الصيني والذي يُمَكَّن الصين من أن تتَبَوَّأَ موقعها الحالي. مُشيراً إلى أهمية الابتكار والتوارث بين الحضارات وذلك من خلال خلق قيم عصرية جديدة، وبذات الوقت المحافظة على التقاليد الحميدة المُتأصلة في الحضارات السابقة.
إن مبادرة الرئيس الصيني تدفعنا للبحث حول هذا المفهوم، لمعرفة الأسس التي تَحكُّم تتطور الحضارات، حيثُ يُشير الباحث السوري عطية مسوح في مقدمة كتاب (حوار الحضارات) إلى إن القارئ لتاريخ وتطور الحضارة الإنسانية يجد إن العلاقة بين الحضارات تحكمها مجموعة من القوانين.
القانون الأول وهو (الاستمرارية) حيث يُشير الباحث بأنه وعلى مر العصور لم يكن هناك فراغاً حضارياً، وإنما يكون هناك انتقال لمركز الحضارة من مجتمع لأخر، وبهذا المعنى فلا يوجد متُقدم أو متأخر، فمن يَتَبَوَّأ مركز الحضارة اليوم، لم يكن قد يستطيع الوصول لذلك لولا مساهمات مجتمع سابق سبقه في الريادة. ومن القانون الأول ينبثق الثاني وهو (التراكمية) فانتقال مركز الحضارة من مجتمع لآخر يأتي لُيضيف لما امتلكته الأول، وهو بذلك لا يبدأ من الصفر، وإنما يُضيف مِدْمَاكاً آخر في عِمَارَة الحضارة الإنسانية. أما القانون الثالث ويتمثل في (التمثّلية) والتي تعني إن المركز الحضاري الجديد والذي أصبح المنارة عليه أن يكون قد اِمْتَصَّ ما حملته الحضارات السابقة، وحافظ على عناصرها التقدمية، وتجاوز عناصرها التي باتت تُخالف مجرى التطور، ومن صُلْب القانون الثالث ينبثق القانون الرابع وهو (الحلوليّة) والذي يُشير إلى أن العناصر التقدمية المُنتقلة من المركز الحضاري السابق، تندمج في المعُطى الحضاري الذي يقدمه المركز الجديد، وتصبح من بُنيانه أي بمعنى تتماهى فيه. أما القانون الأخير وهو (العمومية) والذي يأتي تتويجاً لمضامين القوانين السابقة، والذي يتجلى في إن ما ينتجه المركز الجديد يُصبح مُلكاً لُكل البشرية وليس محصوراً بالنطاق الجغرافي الذي نشأ فيه وبالتالي ينتشر إشعاعه في كافة أرجاء اَلْمَعْمُورَة، وليس للمركز الحضاري الجديد أي مِنَّة على الأخرين في ذلك لأن المنجزات الذي يقدمها ماهي إلا حصليه تراكم جهد إنساني شاركت فيه عبر التاريخ شعوب حضارة إثر حضارة.
*المصدر: CGTN العربية
*الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف CGTN العربية و شبكة طريق الحرير الإخبارية.