خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الاخبارية/
د. عبد الكريم بن خالد
*الدكتور عبد الكريم بن خالد كاتب معتمد في شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية، أستاذ محاضر بالجامعة الإفريقية بولاية أدرار في الجزائر، عضو الفرع الجزائري للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين.
تسعى الدوائر الغربية في السنوات الاخيرة الى الترويج الاعلامي المغرض ضد “مبادرة الحزام والطريق”، ادعاءً بأنه النسخة الصينية لمبادرة مشروع مارشال التقليدي الامريكي، في حين ان مبادرة الحزام والطريق لم تكتفي بالتفوق على طريق الحرير القديم فحسب بل تفوقت على الاستراتيجيات المشابهة للدول الأخرى ايضا، فقد ادّعت جريدة “نيويورك تايمز” ان استراتيجية انطلاق الصين نحو الخارج هي النسخة البنكية لمشروع مارشال وقد توارت هذه الأقاويل بعد تفعيل مبادرة الحزام والطريق. إنها ادعاءات واهية ومضللة من طرف الغرب من أجل تكريس النظام الرأسمالي الجائر الذي لا يصب في صالح البلدان النامية، لان الواقع يثبت العكس عند قراءة وتتبع أحداث خطة مارشال التي حملت اسم جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي إبان الحرب العالمية الثانية، ووزير الخارجية الأميركي آنذاك منذ يناير 1947.
جاء مشروع مارشال من أجل إعادة تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أدى إلى تقسيم أوروبا وترسيخ نظام اتفاقية بريتون وودز الذي تتحكم فيه أمريكا، وتأسيس حلف شمال الأطلسي الشيء الذي جعل أمريكا الوافيد الأكبر من مشروع مارشال، حيث روجت لهذا المشروع عملا على التسريع من وتيرة تحقيق الدول الأوربية الرأسمالية للنهضة بعد الحرب، ومنع الأحزاب الشيوعية من النهوض والتقدم، ومقاومة توسع الاتحاد السوفييتي نحو الغرب وغيرها من الدول الاشتراكية، وهو ما عُرف بمبدأ ترومان الذي يعد أهم أسباب إشعال فتيل الحرب الباردة وتحقيق الهيمنة الامبريالية الأمريكية في العالم، في حين ان مبادرة الحزام والطريق لم توسم بخلفية الحرب الباردة أو اتجاهات أيديولوجية معينة بل بالعراقة والحداثة المؤسسة للنهضة الحديثة لطريق الحرير القديم بالتعاون السلمي والانفتاح والشمولية والتعلم المتبادل والمنفعة المشتركة والتبادل التكنولوجي والمالي بين الصين ومختلف دول العالم الواقعة على طريق الحرير…
و تتضح جليا النية الحقيقية وراء مشروع مارشال في انقاذ امريكا للانتعاش الاقتصادي من خلال المساعدات الامريكية للدول الاوربية واملاء شروطها عليها واستبعاد الدول الموالية للاتحاد السوفييتي وجعلها أداة لمواجه عدائية للمنظومة السوفييتية، مما انتهى في النهاية الى تقسيم أوروبا إلى تحالفات متصارعة في بيت أوروبي واحد، عكس “مبادرة الحزام والطريق” التي تمثل منصة التعاون المشترك ذات منفعة عامة تقدمها الصين للمجتمع الدولي، وإطلاق نمط جديد للعلاقات الدولية والتعاون الإقليمي الاقتصادي والثقافي بين الدول الواقعة في نطاقها .
وترى بعض المقاربات السياسية ان الدول المشاركة في مشروع مارشال لضم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول المتقدمة التي تمثل القوى الرأسمالية في القرن العشرين واستبعاد الدول الاشتراكية ودول العالم الثالث، الذي يتنافى مع اعراف مبادرة الحزام والطريق الرامية الى دمج الدول الواقعة في نطاق طريق الحرير القديم بشقيه البري والبحري ثم توسيعه اتجاه دول اخرى جنبا الى جنب مع الدول النامية والمتقدمة لتعزز فيما بينها التعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي وابتكار سبل التعاون الجنوبي جنوبي وأنماطا جديد للتعاون الإقليمي والدولي.
إضافة إلى نقطة هامة وهي اختلاف المضمون بين المشروعين في الأساس، حيث يتجسد المضمون المحوري لمشروع مارشال في ان توفر أمريكا الموارد المالية والمادية والدعم السياسي، وعلى الدول المنضوية تحت هذا المشروع البراغماتي تقبل الرقابة الامريكية من خلال تأسيس صناديق العملات النظيرة التي تتحكم بها أمريكا، وضمان الاستثمار الأمريكي الخاص واستخدام الدولار الأمريكي كعملة رئيسة لجميع التعاملات الغربية والتأسيس للهيمنة المالية الأمريكية.
بينما “مبادرة الحزام والطريق” تمثل قدرة تشاركية عالية غير أحادية وذلك من خلال التعاملات البينية على الصعيد السياسي والتجاري والمالي والتفتح الايجابي على المعابر الحدودية وانشاء بنية تحتية سليمة لهذه المعاملات وتجاوز كل العوائق التقنية، فمرحلة تنفيذ مبادرة الحزام والطريق تعد اكثر طولا وابعد مدى من مشروع مارشال، لأن الصين مدت حدود المبادرة عبر آسيا الوسطى و”الشرق الأوسط” وجنوب شرق اسيا وجنوبها…الخ من البر الى البحر، وتأسيس الممرات الاقتصادية والمناطق الصناعية والموانئ فضلا عن شبكات الربط بين اوروبا واسيا وافريقيا.
لذا فمبادرة الحزام والطريق لا تعد بأي حال النسخة الصينية من مشروع مارشال كما يُرَوَج له ضمن الدوائر الإعلامية الأمريكية لان مبادرة الحزام الطريق هدفها اعادة بعث العلاقات الاقتصادية والمالية والتجارية ضمن هذا الطوق الاستراتيجي الحيوي ضمن فضاء مشترك دون إقصاءات ولا إملاءات .
*التدقيق اللغوي: أ. مروان سوداح.
*التنسيق والنشر: أ. عبدالقادر خليل.
مقالة جميلة للزميل العزيز د خالد بينت بوضوح الفرق بين مبادرة الحزام والطريق التي تصبح في مصلحة جميع الدول المشاركة في المبادرة وبين مشروع مارشال الذي يصب في مصلحة أمريكا بالخصوص دون غيرها والفرق واضح بشكل ملموس وقد بينه الكاتب بدقة.