شبكة طريق الحرير الإخبارية/
للكاتب / شاه مار حسينوف
*شاه مار حسينوف (1939-1988م)- كاتب أذربيجاني وصحفي. عضو اتحاد الكتاب الأذربيجانيين منذ عام 1975م. رائد من رواد القصة القصيرة. صدر في حياته مجموعتين قصصيتين هما “محمد الرائق”، و”الفقيد”.
منذ متى لم نلتق مع “أكبر”؟ عشر سنوات، خمس عشرة سنة؟ ربما أكثر من ذلك، أو ربما أقل… لا أدري. لو قال لي أحد، الآن في هذه اللحظة في زحام هذا السوق، سوف ترى “أكبر” الذي يبيع الكريز خلف طاولة البيع على بعد عشرة أمتار، وسوف تلتقي معه، كنت لا أصدق هذا.
رأيت الكريز من مسافة يبدو حجمه كبيرا وشكله غريبا، ما أجمل نوعية الأبيض والأحمر، كنتُ لا أعرف أن هذا الكريز غالي الثمن، ولن أستطيع شراءه، ولن أسأل حتى عن سعره. ومع ذلك ذهبت إلى المكان الذي يباع فيه.
يا ترى رأيتُ من؟ “أكبر”، تعانقنا. “آه، كيف حالك؟”، “أنا بخير”، “ما الذي جاء بك إلى هنا” (أشار إلى الكريز ضاحكا) “حسنا، كنت أريد أن أقول إنك تستطيع تأتي إلى السوق بالمدينة، ألا تستطيع أن تأتي إلينا؟” “لقد جئت”، “إلينا؟”، “إلى مكان عملك، قالوا إنك في مدينة “لَنكران”. “نعم، كنت في جولة مسرحية هناك العام الماضي” قلتُ ذلك كأني مذنب. كأنني كنت مذنبا لأنه عندما جاء كنت في “لَنكران”.
هل لديك شنطة؟
لم يكن في صوته كذب أو تصنع، بل على العكس كان به طلب وحسم، وعشم. “ماذا تفعل؟” كريز للأطفال…”، لا، لا، لا…”، و”نعم، نعم، نعم…”
عندما كنت أخرج من السوق، كنت أهز الشنطة فرحا، وأفكر ربما بها حوالي أربعة كيلو من الكريز، وربما أكثر، ربما خمسة، مكسب عشرين منات غير متوقع. أستغفر الله.
وضعت الشنطة المملوءة بالكريز فوق المنضدة. وقلت تفضلوا بالهناء والشفاء، فإنني لم أجدكم في الشارع!
عندما رأيت عيني زوجتي مملوءة بالدهشة والقلق، قلت:
– لا تخافي، لست ثملا، لم أنفق النقود، ولم أبذر.
– الكريز؟ أعطاني الكريز أخي “أكبر”. أي “أكبر”؟ طويل القامة، عريض المنكبين، (مازحا) “أكبر” الأصفر. لقد قلت لك عنه مائة مرة. صديق الطفولة، وأخي، استعدي، غدا أو بعد غد، دعوته ليحل علينا ضيفا.
يقول الأصدقاء والجيران: إنك تطهين كبابا جيدا. وأنا أيضا مقتنع بهذا.
اشتريت اثنين كيلو من لحم الضأن؛ لحم فخذ، وقطعة أو اثنين من الصدر. الجزار صديقي. حضر “أكبر”. كان ضاحكا ومقبلا وتشع من عينيه السعادة والنقاء والصفاء. دائما تبدو مثل هذه العلامات في عين من تكون أعمالهم على ما يرام. أشار إلى ابني الخجول الذي بلغ إحدى عشرة سنة قائلا:
طبع قبلة على وجه أكبر
بعد أن سأله عن حاله، وسنه، وفي أي صف يدرس، أعطاه الهدية التي أحضرها قائلا:
لم يكن لديه علم حتى الآن عن ابني الثاني. كان ابني الصغير يغط في نوم عميق على سريره الصغير، لا يعرف أي شيء عن العالم، أو حتى اسمه، أو مدى محبة جده وأمه له.
نظر “أكبر” إلى انهماكي في تجهيز الكباب، ومدى سعادتي، فقال:
غضبت بعض الشيء. وقلت في نفسي “لماذا أكلت وأنت تعرف أنك ستأتي إلينا”، وبصوت عال قلت “لا مشكلة، لو أكلتَ مرة أخرى في بيت أخيك، لا تعب عليكم ولا علينا”.
ضحك، وقال إذا نجلس في الخارج.
قالت زوجتي:
عندما جلس “أكبر” على السفرة التي أعدتها زوجتي، رأى ابني الصغير. أو بالأصح، عندما أراد أن يجلس، ضحك بشدة على شيء ما، فنظر إلى الطفل متوجسا أن يتحرك فجأة. (في الحقيقة لم أنظر متعمدا)، لمحني “أكبر” آنذاك ورأى الطفل:
انحنى فوق مهد الطفل حتى يرى وجهه جيدا.
التفت قائلا:
– آه لماذا لم تقل لي؟ قبل أن يتم الطفل أربعين يوما، لا يأتون بزيارته. لعل العين تصيبه، ويجب عدم السماح للضيوف بالزيارة، ومثل هذا الكلام…”
وضع “أكبر” يده في جيبه بسرعة، وأخرج كومة من النقود، وأخذ منها عملة فئة الخمسين الزرقاء، ووضعها فوق لحاف الطفل.
“آه، لا حاجة لهذا، ماذا تفعل، كفى، لا تحرجنا، لا أستطيع أن أنظر إليك خجلا…”
كنت أعرف أنه لا يخطر مطلقا ببال “أكبر”، أو زوجتي، أو ابني الذي التحق بالصف الخامس الابتدائي أنني دعوت “أكبر” على العشاء من أجل هذه الخمسين منات التي وضعها بجوار الطفل الذي لم يمر أربعون يوما على ولادته. كان لا يرد هذا بخاطري أو في فؤادي، لم يرد هذا الأمر قط، ولكن… هذا السؤال وهذا الفكر الذي بداخلي، أم في عيني، أم في يدي، أم في نفسي، أم بعيد عني (لا أعرف، لا أعرف) “أنت دعوت “أكبر” من أجل هذه الخمسين منات”! كان هذا السؤال حاضرا بشكل رهيب”.
فهمت فجأة أني لن أستطيع أن أسلط نظري على “أكبر” وأتحدث. وربما “أكبر” فهم ذلك قبلي. وربما لهذا السبب وجه حديثه لزوجتي:
التفت لي وغير نبرة صوته:
كان في سؤاله هذا، وفي نبرة السؤال شيء ما غير الود والألفة. يمكن أن أقول هل هو كبر، أم تعال…
“نعم، خمسة كيلو كريز، وخمسون منات، فالآن لا يلقون السلام على الإنسان مجانا”. هكذا فكرت بمرارة.
فقلت له:
– صدقا ليس في ذهني بالضبط. أعتقد أننا تعرفنا عندما كنا ندرس في الصف الثاني أو الثالث الإعدادي.
بدا تعالٍ في بريق عينيه وفي هزة رأسه للخلف دليل على الاعتراض، وفي قوله “لا، لا”. كان يبدو هذا كله.
كان لا يجب أن يبدو على “أكبر” مثل هذا التعالي في حضرة ابني الذي سرعان ما يميز بين الغث والسمين، وزوجتي شديدة الحساسية تجاه زوجها (لم ينبع هذا من محبتها فقط). كنت سوف أرد عليه آنذاك.
– أختاه، لقد أتممت الصف السادس الابتدائي وكنت سوف أنتقل للصف الأول الإعدادي. كنت في المراعي أرعى الحيوانات في أرض مستوية. فجأة رأيت أمام الحمار فتى في سني وفي حجمي يقترب. ويبدو من تلفته أنه كان يخاف ويخشى شيئا ما. كان في يدي عصاة ضخمة “وحق سيدنا حضرة العباس”، كان طولها أطول من طولي مرتين. قلت في نفسي، سوف أضرب هذا الفتى على ظهره ضربة، فيترك حماره، ويهرب. وقفت مستعدا بجوار الطريق. بمجرد أن قدم إليّ الفتى، قلت بصوت عال:
تعمدت أن أرفع صوتي حتى يغضب مني هذا الطفل، ويرد عليّ ردا سيئا، فأنزل عليه ضربا بالعصاة. لم يكن للغضب مكان آنذاك. التفت الفتى، وقال بأسف، أنا قادم من منطقة “بالتيشلي” ونحن نسكن منطقة “بالتيشلي”. أنا من تلك المنطقة. فسألته:
ثم بعد ذلك بدت عليه علامات الحزن، وبدأ يتوسل ويقول لي “أنت تشبه ابن عمي، هيا فلنكن أصدقاء”. فرق قلبي، وأنزلت ذراعي بجواري، وقلت “هيا فلنكن أصدقاء”. كان ذلك الفتى هو “إسماعيل” هذا.
ضحك “أكبر”. كانت ضحكته الصافية والنقية مثل الطفل تعجب المرء. ففكرت: “أيها الصديق، لن تستطيع هذه الضحكة أن تنقذك من يدي”.
قلت: “هل تكلمت وانتهيت من الكلام، فلأتكلم أنا الآن”.
– آنذاك كان مرعانا في منطقة “صيوغبولاق” أعلى من مرعاكم. كنت لا آتي من منطقة “بالتيشلي” ذلك اليوم. أنت تكذب… تختلق هذا من عندك. لسبب ما كنت أعتبر نفسي في ذلك الصيف قويا مثل المصارع الذي كان يأتي إلى قريتنا. وكنت أشفق على الجميع، على كل شيء، على جدتي المسنة، وعلى الأشجار التي جفت، وعلى عين الماء التي تعكرت بسبب الخراف والماشية، وعلى حصاننا الأعرج. في تلك الأيام كان قلبي يخفق وسط حزن واضطراب لا أعرف أنا نفسي سببه، انظر، في تلك اللحظة، رأيتك. وكلمة “رأيتك” لا تعطي المعنى الحقيقي. غمرتني فجأة هالة من الضوء الذي تولد من عقلي وقلبي، وظل زيك ومظهرك عالقين في ذهني إلى الأبد. وتولدت آنذاك فكرة جديدة لدي عنك وعن مظهرك. ويمكن أن نطلق على هذه الفكرة “اكتشاف” والله (ضاحكا). كيف كان زيك آنذاك؟ أقول، أم لا أقول؟ كنت تقف بجوار نبات الزعرور الشائك (لو لم يجف، ولو لم يقطعوه، لكنت أظهر الآن ذلك نبات الزعرور الشائك). كنت تنظر بإمعان، وكان على رأسك قبعة قديمة وضخمة نزلت على عينيك. وكانت سترتك وكان بنطالك رمادي اللون قديم لدرجة أنه لا أحد يصدق أنهما كانا جديدين. وفي قدميك حذاء طويل. كان هذا هو مظهرك العام. كان طرفاك الأيمن والأيسر (أي شقاك) متباينين. لاحظتُ هذا التباين في الحال، وكان من الممكن أيضا ألا أراه. كما أننا أحيانا، بل في أحايين كثيرة لا نلحظ أشياء عدة، أو نتظاهر بعدم ملاحظتها. ولكن كان يلزم أن يصاب الإنسان بالعمى حتى لا يرى هذا التباين. وقد أصبتُ بالدهشة ما إن رأيت هذا التباين، وربما ارتجفتُ بعض الشي.
ضحك “أكبر”، ولا أستطيع أن أقول كيف، أو بأي شكل ضحك، لأن… نصف الذي قلته حقيقة، ونصفه الآخر مصطنع، قد حرك شيئا ما في نفسي أو في خيالي، أو فكري. وكأنني تذكرت من جديد بمعجزة ما، الحلم الذي رأيته (وكذلك خفت منه) منذ سنوات طوال.
سمعتُ صوت “أكبر” في اللحظة التي انتهى فيها هذا الإحساس.
قال:
آه، أنت شاعر.
مسح بالمنشفة شفتيه بسرعة:
– أختاه، سوف أحكي لك شيئا. كل ما سبق لا شيء، مزاح. لن أنساه مطلقا. قبل عشرين عاما، مرض ابن خالتي قرة عينها مرضا شديدا، أصيب بداء عضال. عندما ذهبتُ لزيارته ذات يوم، اشتكى وهو يبكي قائلا: “لم يذهبوا بي إلى باكو، وإلا كنتُ سوف أشفى”. تأثرت، وقلت له، “استعد سوف أذهب بك غدا إلى باكو”. لامني الجميع – أمي، إخوتي، وأقاربي (ما عدا خالتي)، قالوا، لا تتعب نفسك، ولا ذلك المسكين، لا فائدة من هذا. قلتُ، على الأقل، حتى لا يكون متعلقا بهذا الأمل الأخير. سافرنا في اليوم التالي. كان منظر المسكين في شكل يخاف منه الإنسان. كانت عيناه اللتان غاصتا في حديقتيهما تلمعان في خوف. لم يجلس أحد مطلقا بجوارنا في عربة القطار حتى وصلنا إلى باكو، حتى المحصل سألنا من بعيد بشكل جاف “هل معكم تذاكر؟”. استأجرنا سيارة، وعندما طفتُ به في المستشفيات، فهمت أنني لم أوفق عندما أحضرته إلى هنا، كانوا يقولون “موعد الكشف انتهى، غدا، غدا”… كانوا يريدون “شهادة طيبة”. أما في الفنادق فكانوا يقولون “ليس لدينا مكان”. ساءت حالة ابن خالتي، وبدأ يرتعد وارتفعت حرارته وأصيب بسعال شديد. وأنا فيما أفعل، تذكرت عمي فجأة. قلتُ للسائق، اذهب بنا إلى المكان الفلاني.
كان عمي يعمل آنذاك في مكان مرموق (الآن؟ – ضحك “أكبر” – مدير عمال النظافة). كان لديه زوجة اسمها السيدة “زينات”. فتحت السيدة “زينات” لنا الباب بنفسها، وما أن رأت ابن خالتي حتى أغلقت الباب، وبدأت الحديث معنا من خلف الباب. “عمك ليس بالمنزل، وعندنا أولاد أختي، أنا مريضة، عندي تضخم في الغدة الدرقية، والتلفاز لا يعمل، سوف يذهبون بابن أختي إلى الخدمة العسكرية، وهذا الوقت من الليل… وإلخ…”
كنا ننزل من السلالم بهدوء، وأنا ألوم نفسي “لقد أخطأت أنني تركت السيارة تنصرف”. ما إن خرجت من العمارة رأيت السيارة تقف مكانها. فتحت الباب، وأجلست ابن خالتي وسأل السائق إلى أين أذهب الآن؟ قلت لا أعرف، طرقتُ آخر باب يخطر ببالي في هذه المدينة. لا يوجد مكان آخر، ربما أنت تعرف مكانا لنا؟ فقال: “لا، لا أعرف”. في تلك اللحظة خطر ببالي “إسماعيل”، والله يا أختاه، لو كنتُ وجدتُ مليون منات() في تلك اللحظة، لما سعدت كل هذه السعادة. قلت للسائق، قد السيارة إلى هذا العنوان. وصلنا، ورأينا “إسماعيل” لم ينم بعد، يجلس ويقرأ كتابا. كان “إسماعيل” آنذاك يعيش في شارع “واقف”، في حجرة بالإيجار ضيقة ثلاثية الأركان. كان بها منضدة صغيرة وكنبة قديمة مهلهلة. أحضرنا ابن الخالة وجعلته يتمدد على الكنبة، ووضعنا فوقه لحافا وبطانية. أحضر “إسماعيل” نصف لتر من اللبن من مكان ما، وسخنه، وسقيناه لابن الخالة، فعلاه العراق بعض الشيء. ومجرد أن عرق، نام في الحال. لم ننم نحن الاثنين حتى الصباح. كلما تقلب المريض واستيقظ، كنا نعطيه أحيانا لبنا، وأحيانا أخرى شايا أو ماء ساخنا بالعسل الأسود. كان عند “إسماعيل” صباح تلك الليلة امتحان ما يجب أن يؤديه. أهذا صحيح؟ (حركتُ رأسي). كان فوق المنضدة جزء من مرآة مكسورة، كان سطحها مغطى بالجريدة. سألتك حينها، لماذا غطيت المرآة؟ خجلتَ وقلتَ، لا شيء. ففكرت أنها ربما تشغلك عن المذاكرة وقراءة الدرس، لذا غطيت المرآة. أليس كذلك؟ (حركتُ رأسي مرة أخرى).
ذهبنا بابن الخالة صباحا، وأودعناه مستشفى “الجمهورية”. وبعد أسبوع (متأوها)، أخرجتُه من المستشفى. قال الأطباء، هذا هو النفس الأخير للمسكين، خذه، وعلى الأقل، فليمت في مكان بين أهله. وفاضت روحه بعد يومين. كنتُ بجواره وهو يموت. قال لي: “ابن الخالة، أنا أموت، وسأرحل من هذه الدنيا. الملائكة تنادي عليّ. ولكن سأرحل وأنا مدين. تقول لصديقك الذي في باكو أن يسامحني… “إسماعيل” هو “إسماعيل”، يا أختاه. أتمنى أن يشبه أولاده أباهم.
أثرت هذه الكلمات في قلبي وقلب زوجتي، وقلب ابني.
وبعد أن ودعنا “أكبر” وذهب، قالت زوجتي:
– صديقك رجل طيب.
كان الضوء والمودة الموجودة في عينيها تقول لي إنك في الأصل شخص طيب، صديقك أيضا طيب.
قلت ناظرا لابني:
– بالطبع.
كان الليل قد انتصف، لم أستطع النوم، فنهضتُ وخرجتُ إلى الخارج. لماذا يا ترى اصطنع “أكبر” هذه القصة وحكاها، هل كان يستهزئ بي؟ لا، لم أر في صوته أو في عينيه معنى خفيا أو استهزاء. ربما؟ ربما؟ أي جاء اليوم الذي يريد أن يرفعني أمام عيني زوجتي وابني؟
ألم تحدث هذه القصة؟ لم تحدث لم تحدث بالطبع.
ضربتُ يدي على ركبتي حتى أهدأ من نفسي وقلت لنفسي:
– انتظر، انتظر.
ربما “أكبر” اختلط به الأمر بيني وبين شخص آخر؛ فكيف عرف إذا دون أن يعاصر فترة دراسة عنواني، وشكل منزلي، والكنبة المهلهلة (عندما أتذكر تلك الكنبة، أشعر بالألم في جانبي)، واللبن (كنت أشتري نصف كيلو من اللبن يوميا)، والعسل الأسود؟ وكما قال بالفعل كنت أذاكر الدروس استعدادا للامتحانات دائما بالليل. ومن أين إذا عرف بالمرآة المكسورة، ألم أكن أغطي المرآة بالجريدة؟ لماذا كنت أغطي المرآة؟ كنت أغطي المرآة حتى لا أرى الاتساع الغريب في حدقة العين اليسرى، وحول عيني اليمنى (كأني كنت أنظر إلى هدف). أليس هذا صحيحا؟ ولكن الحكاية التي حكاها “أكبر” لم تحدث. أقسم بكل المقدسات الموجودة في الدنيا إنها لم تحدث. ذكرياتنا ليست بعيدة عن ذهننا وإدراكنا. هذه تحت سيطرتنا حتى يخمد وعينا. أليس كذلك؟ كذلك. ولكن (الصدفة والمصادفات) هل من الممكن أن حلما رأيناه في وقت ما وحادثة حلت بنا تنمحي من ذاكرتنا، وتمسح من ذاكرتنا؟ ثم بعد ذلك، مهما قلبنا في ذهننا وعصرناه، ألا نستطيع أن نتذكر ذلك الحلم، وتلك الحادثة؛ فلو تذكرناها (كيف يمكن تذكر حادثة لم تقع؟ فأين الصدفة؟ وأين المصادفات؟)، فلنعلم آنذاك ولنظن أن هذا الحادث لم يحدث لنا، بل حدث لشخص آخر.
أنا لم أر هذا الحلم، لم أراه، ربما رأيته؛ حينئذ فهذا ليس حلمي.
لماذا؟
ولكن كنت أرى “إسماعيل” الحالي البالغ من العمر ثلاثة وأربعين عاما، وأرى أن ذلك الحادث الذي حكاه “أكبر” حدث مع “إسماعيل” ذلك الفتى الذي كان قبل عشرين عاما، ذلك الفتى الذي كان سليم البنية ومصارعا (هل كان مصارعا؟). كان يجب أيضا على “إسماعيل” الذي كان قبل عشرين عاما (آه) فأين أنت أيها الرجل) ألا ينسى هذا الحادث حتى نهاية عمره (أي أنا – “إسماعيل” الحالي)، وإلا ينمحي من ذاكرته مطلقا (حتى ولو حل به ألف شيء).
ماذا؟
*ترجمها من الأذربيجانية إلى العربية د. أحمد سامي العايدي
1. المنات عملة جمهورية أذربيجان وتتكون المنات من 100 كابيك.