شبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
بقلم د. الضو خضر أحمد عبد الله
باحث في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية في السـودان
يصادف هذا العام 2021 الإحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعى الصينى، والذى تحول بإرادة أبنائه من حزب صغير لا تتجاوز عضويته الـ50 عند التأسيس إلى حزب تفوق عضويته الـ90 مليونا، ليحلق فى فضاءات تبدو بعيدة بل مستحيلة بحسابات الواقع الصينى وقتئذٍ، ولكن الرؤى الثاقبة لقيادة الحزب، والإرادة المتوثبة لعضويته، والقدرات التنظيمية والإدارية لهياكله ومنتسبيه صنعت من ذلك المستحيل واقعا، ومن مشكلات وتحديات المجتمع الصينى إقداماً ونجاحاً لا نظير له فى التاريخ الحديث.
ولعلو مكانة الحزب الشيوعى الصينى فى حاضر الساحة السياسية الدولية تمثل هذه الذكرى سانحة طيبة وفرصة كبيرة للكثير من المفكرين والباحثين والنقاذ للتعبير عن آرائهم، وأفكارهم، ورؤاهم النقدية تجاه مسيرة هذا الحزب العريق الذى انتج فى مسيرة التاريخ السياسى للأحزاب والشعوب أسفاراً من النجاحات والحكم والنظريات المفيدة، وأضاف فى علوم الإدارة العامة الكثير من المعارف والخبرات الجديدة، مستوحياً كل ذلك من تجاربه، واستيعابه لطبيعة تحديات مجتمعه وحضارته، ومن النظر فى مسيرة ومنعطفات الحضارات الأخرى التى تنسجم معه فى سعيها لتحقيق رفاهية الحياة الإنسانية، وإستقرارها، وتعزيز قيمها، وممسكاتها، وتناغم متناقضاتها واختلافاتها.
بحسابات العمر السياسي للأحزاب يعتبر الحزب الشيوعى الصينى أحد أعرق وأكبر الأحزاب السياسية وأكثرها تماسكا فى العالم، أما بحسابات الإنجاز فأنجحها على الإطلاق على المستويين الإقليمى والدولى، بل وأجدرها لنيل ثقة وإحترام المجتمعات البشرية والإنسانية على إمتداد تواجدها الديموغرافى حول العالم، ناهيك عن الداخل الصينى الذى لم يزل يعلن للعالم تمسكه وتعظيمه لمبادئ ومسيرة الحزب بعد مضى قرن كامل من الزمان قاد فيها الحزب جمهورية الصين الشعبية إلى آفاق الريادة، والعظمة، والكبرياء، والتطور.
إن الكثير مما تراه الأعين أو تتلمسه الأيدي فى عالمنا المحسوس إبتداءاً من مشروعات البنى التحتية العملاقة، وإنتهاءاً بلعب الأطفال وإحتياجاتهم هى من صنع الحضارة الصينية العريقة، وثمرة من ثمرات الكفاح الصينى العظيم نحو ترقية الحياة الإنسانية وتوفير أساسياتها ومستلزماتها المتجددة فى شتى المجالات والأصعدة، ولا ريب فقد إمتدت أيادى أبناء الشعب الصينى بالعون الفنى واللوجستى لتصنع الخير للبشرية فى كل أنحاء المعمورة، حتى وصلت أياديهم البيضاء الكثير من الأصقاع النائية فى آسيا، والأدغال الوعرة فى أفريقيا، وغيرها من المناطق .
كل ذلك بفضل الأداء المتميز لهذا الحزب الكبير والذى مكنه من إحداث ذاك الأثر المتنامى على مستوى التنمية، والأمن، والسلم الإجتماعى الداخلى، كما مكنه فى الوقت نفسه من إحداث هذه النقلات الكبيرة فى أطر التعاون السياسى والإقتصادى والدبلوماسى على الصعيدين الإقليمى والدولى، من خلال استغلاله الكامل لإمكاناته وقدراته الذاتية، وإستخدامه الجيد لقدرات الدولة ومواردها على نحوٍ فعال ومتكامل لتحقيق أحلام الشعب وأهدافه الإستراتيجية البعيدة،
لقد استطاع الحزب الشيوعى الصينى تحقيق الأحلام المشروعة للشعب فى التنمية والرفاهية والإزدهار، ليس فقط فى الجزء الشرقي للبر الرئيسى الصينى أو فى المقاطعات والمرتفعات الغربية النائية، وجذر هونج كونج ومكاو وغيرها، بل امتدت أياديه لتعمر الجغرافية الطبيعية للعالم بتجمعاتها البشرية المتناثرة، وموائلها الطبيعية المتكاثرة. فقلما تجد فى عالم اليوم مشروعاً تنموياًً كبيرا لم يكن فيه لأبناء الشعب الصينى المعطاء بصمات وبطولات.
فاليحتفى العالم بتجربة الحزب الشيوعى الصينى فى إدارة الدولة فى مائويته الأولى، وليبارك نشاطاته ونجاحاته، وليعجب بقدراته فى حفز وإستنهاض همم أبناء الشعب الصينى بشكل شامل ومتواتر، وبتحطيمه للأرقام القياسية العالمية فى الكثير من الإتجاهات والأطر التنموية، وبتميز تجربته المعاصرة فى إنجاز التنمية الشاملة والتى تفردت بشكل غير مسبوق بالسلمية، والأصالة، والسرعة، والإستمراية، والتجديد، مما أهل الصين أخلاقيا ووجدانياً ورقمياً للمنافسة على الريادة العالمية وبشكل مباشر فى الكثير من المجالات و الأصعدة.
هكذا قاد الحزب الشيوعى الصينى مسيرته فى فضاءات التنمية العلمية والنهضة السلمية المتسارعة مظهراً قدراته العالية فى قيادة وتشكيل وعى أبناء الشعب الصينى، وتوحيد توجهاته، وتحريك طاقاته فى المدن الكبرى، وفى الريف الصينى المترامى الأطراف، ليجعل من التجربة الصينية فى النمو موطناً ومرتعاً خصباً بالنسبة للمفكرين والباحثين والنقاد والسياسيين عبر الزمان، حتى وصفت الصين فى عهده بأنها “جنة الصحفيين والحلم المزعج بالنسبة لعلماء الإحصاء “
إذاً ماهى بواعث ومحفزات النهضة الصينية المعاصرة؟ وماهى معالم ذلك الإنجاز والإعجاز الذى لم تشهد له البشرية مثيلاً عبر تاريخها الطويل؟ وما أبرز تحديات النهضة الصينية المعاصرة؟ وأين تتجه أنظارها وتوجهاتها فى العقود القليلة المقبلة؟ نتناول كل ذلك على نحوٍ سريع ومكثف لنتبين بعضاً من معالم وعوالم تلك النهضة التى باتت تشغل بال طيف واسع من الباحثين والعلماء والمهتمين.
أولا: بواعث ومحفزات النهضة الصينية المعاصرة
تتفق الكثير من الأدبيات والأمثال والحكم الإنسانية فى أن تحديات الحياة ومشكلاتها ومعاناة الإنسان فيها غالباً ما توقد البصيرة، وتشحذ الهمم، وتصنع الإبداع فى نهاية الأمر، لتجعل من المستحيل ممكنا، ومن حلكة الظلام وعتمته نوراً وضياء. وقد برهنت تجربة الشعب الصينى فى البناء والتنمية ومن خلال مسيرته نحو الإنعتاق والرفاهية صحة ما ذهبت إليه خبرات وتصورات المجتمعات الإنسانية المختلفة، فلم تكن رحلة الشعب الصينى “من الثرى عبر الأثير إلى الثريا” إلا نتاجاً وإنعكاساً لما مر به هذا الشعب من مشكلات أثقلت كاهله، ومؤامرات تعقبت إرادته،وحروب متنوعة استهدفت وحدته وبقاءه.
يصنف التاريخ الصين المعاصرة والتى يقطنها حوالى المليار وأربعمائة مليون نسمة بأنها من أقدم الحضارات الإنسانية على الإطلاق، إذ تتجاوز حضارتها ال 5000 عام، إلا أنه يقول أن الصينيين القدماء لم ينعموا بالأمن أو الإستقرار طوال حياتهم الممتدة على أرضهم لآلاف السنين، ولم يتذوقوا رغد العيش وهنائه عبر فترات حكم الأسر الإمبراطورية المتعاقب، فكثيراً ما تتفجر الأرض من تحتهم لتضج بالمشكلات والعثرات والحروب من فينةٍ لأخرى، حتى ألفوا المحن والتحديات، وخبروا التعامل مع طبائعها، ومراحلها، ومنعطفاتها.
ويحدثنا التاريخ أيضاً أن الشعب الصينى قد حمل قيم المحبة والسلام فى صدره كرسالة إنسانية سامية عبر السنين، لذلك لم يستطع التاريخ حديثه وقديمه أن يسجل له ولو لمرة واحدة حالة عدوان على جيرانه فى المحيط الإقليمى أو الدولى، كما لم يشهد له أية مشاركات فى إحتلال أو تدمير أي من الدول القطرية الحديثة مثلما فعلت العديد من القوى الإقليمية والدولية الماثلة. ولا ريب فقد استقى الشعب الصينى قيم الأمان، والمحبة، والسلام من التعاليم والفلسفات الصينية القديمة من لدن الكونفوشيوسية، والعقيدة الطاوية، والتعاليم البوذية، مروراً بالأفكار الإيجابية للزعماء الصينيين الكبار والمعاصرين.
واجه الشعب الصينى تحديات جسام ومنعطفات وظروف حرجة قبل قيادة الحزب الشيوعى الصينى للدولة، وقد حفزت تلك الظروف والبدايات القاسية في الحزب إرادته وقواه الكامنة، وفجرت فيه ينابيع الحكمة، كما أظهرت في الشعب الصينى صفاته الإيجابية المتمثلة فى حبه للعطاء والعمل، وبسط الخير للإنسانية جمعاء، والتى استطاع من خلالها أن ينجز، ويعمر، ويكسب تعاطف الملايين فى آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرها من بقاع الأرض.
اعتمدت الصين المعاصرة لمواجهة تحدياتها التاريخية على مر العقود الماضية على استخدام خبراتها التراكمية والمتجددة، وأسلحتها الذاتية الفعالة والمتعددة، والمتمثلة فى الروح الوطنية التى تعمر صدور أبنائها، والإرادة الغلابة التى تحرك الملايين من العمال لديها، وما تمتلكه من قوة معرفية وعلمية كبيرة، ورصيدٍ مادى ضخم على المستوى الإقتصادي، وفوق هذا كله ما تتحلى به من عقل سياسى ذو قدرات عالية على الفعل، والمناورة، والقيادة، وكسب النتائج، وفق ما تشير إليه الكثير من المواقف والمؤشرات.
ولعمق تجارب الحزب الشيوعى الصينى السابقة وواسع خبرته تبدو الصين المعاصرة غير أبهة بالحادثات، والتحديات، والمنعطفات، بل والمؤامرات التى يحيكها المسرح السياسى الدولى ضدها من حينٍ لآخر، فقد غدت واثقة بنفسها إلى حدٍ بعيد، إذ لا تعطى ذلك أكثر مما يستحقه، بل تركز مجهوداتها الوطنية فى اهدافها الإستراتيجية البعيدة، وأحلامها الوطنية المشروعة.
بهذا الكم الهائل من المبادئ والمنطلقات، والسيل الجارف من الحكم والخبرات، والقدرة الفائقة على الإستبصار والإختيار، واجهت الصين مشكلات ماضيها البعيد، وقفزت بذات الكم لمواجهة تحديات حاضرها المجيد، متحليةً بصبرٍ وجلد منقطع النظير، ولا ريب فقد عاشت الصين تاريخها البعيد بعزيمة وكبرياء تمتهن الزراعة،وتحترف الصناعات اليدوية، وتلون الحياة الإنسانية بفنها، وزخارفها النابعة من تقاليدها وحضارتها التليدة.
وقد أحسنت الصين صنعاً حينما وثقت لتاريخها الباذخ، ومسيرتها وسيرتها العطرة فى البناء والتنمية، ومراحل إنتقالها المشهود عبر مئات المتاحف والدور الوثائقية المنتشرة على إمتداد أراضيها المعطاءة، وعبر مكتباتها، وأرشيفها الإلكتروني، وموادها الإعلامية الخاصة بنهضتها السلمية حتى تتواصل مسيرة الكفاح الصينى العظيم فى العقود القادمة لتتكامل مع الجهود الإنسانية المتطلعة نحو الحرية والرفاهية والإنعتاق.
هكذا تشكلت قصة الحزب الشيوعى الصينى فى البناء والتنمية، فقد تفاعلت طلائعه المتطلعة إلى الكرامة والسلام والطمأنينة والنماء مع واقع الدولة القديم، إذ لم تكن فى بواكير عهدها إلا ممالك متحاربة، ثم ارتقت فى سلم الإنتاج لتصبح مركزاً إقليمياً متوسطاً للمنتجات اليدوية والتبادلات التجارية الصغيرة، من قبل أن تشهد التحول العظيم، والقفزات الحضارية والنهضوية الشاملة التى أحدثها الحزب على كافة الأطر الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، لتغدو الصين فى عهده أحد أهم المحاور الإقليمية والدولية، متمتعةً تحت قدراته العظيمة وقيادته الحكيمة بثقلٍ سياسي وإقتصادى كبير لم يزل يؤثر بدرجة كبيرة ومتنامية فى توازنات القوى على المستويين الإقليمى والدولى.
ثانياً: معالم الإنجاز فى مسيرة الحزب الشيوعى الصينى
تولى الحزب الشيوعى الصينى حكم الصين فى العام 1945 ، ومنذ ذلك الحين تواصلت مسيرة الدولة فى البناء والإنجاز المتسارع واللامحدود، ويرى الكثير من الخبراء أن نسب الإنجاز فى الدولة الصينية المعاصرة قد تفاوتت لا سيما فى بداياتها، وفقاً لحجم وطبيعة التحديات التى كانت تواجهها الدولة فى كل مرحلة من مراحل البناء فيها.
تميز الحزب عن غيره من الأحزاب السياسية فى العالم بقدراته الإدارية والفنية الفائقة، والتجديد المستمر فى رؤاه وأدوات إنجازه، وإستصحابه للحكمة والحذر فى الفعل السياسى، والمرونة والحزم فى التعاطى مع الشأن المحلى والإقليمى والدولى حسب ما تقتضيه الحاجة، وقد طبق الحزب سياساته وتوجيهاته ورؤاه وإصلاحاته العميقة على مستوى هياكله وعلى مستوى مؤسسات الدولة وقطاعاتها المنتجة على حدٍ سواء بشكل صرام وحازم على مدى العقود الماضية.
استطاع شي جين بينغ أن يطرح أفكاراً تجديدية مهمة فى مسيرة النهضة الصينية الماثلة منها على سبيل المثال لا الحصر فكرة “المصير المشترك للبشرية” وهى فكرة تقوم على أهمية أن تضع دول العالم وشعوبه المختلفة نصب أعينها مفهوم المصير المشترك للبشرية كمرجعية قيمية وأخلاقية عادلة فى تعاطيها مع قضايا السياسة والإقتصاد والثقافة والبيئة وغيرها” وتعتبر هذه الفكرة قفزة نوعية فى النظرية السياسية عامة ولون جديد من المبادئ التى ظلت تفتقدها السياسة الدولية وممارسوها على مر السنين والأجيال.
كما أكد شي جينغ بينغ من ناحية أخرى على أهمية ترسيخ وتفعيل العمل بمفهوم “الفوز والكسب المشترك للبشرية” مما يقلل من مظاهر التنافس الأعمى، وحب الذات، والإقصاء الذى ظلت تمارسه الدول والحكومات المختلفة، بل والحضارات ككل فى سعيها نحو تحقيق تطلعات وأحلام شعوبها على دروب التطور والنمو والإزدهار.
تميزت مسيرة الحزب الشيوعى الصينى فى إدارة الدولة بوضوح رؤيته، وإلتزامه التام بسيادة حكم القانون على مستوى الدولة، وعزيمته القوية والصلبة على مكافحة الفساد، وإحترام القيم الصينية العريقة وتمجيدها وإكبارها على كافة مستويات الحكم والإدارة داخل هياكل ومؤسسات الدولة، كما تميزت طلائعه من الشباب والمزارعين والعمال والموظفين على مر السنين بروح التضحية، والتعاون، والإنضباط بشكل منقطع النظير، استطاعت من خلاله الصين أن تتجاوز تحدياتها الآنية وتسابق بشكل جدى على مضمار النهضة والنمو الشامل أكبر الإقتصادات العالمية، بل وتتجاوز أرسخها وأعتاها على الإطلاق.
تأثرت مسيرة الحزب الشيوعى الصينى فى إدارة الدولة الصينية المعاصرة بعبقرية وحكمة ووعى الزعيم دينق شياو بينغ الأب الروحى لفكرة الإشتراكية ذات الخصائص الصينية، والذى لم يقتصر التجديد لديه على ذلك، بل ابتدع مجدداً نظرية “الإصلاح والإنفتاح” التى أحدثت بفضل عبقريتها وواقعيتها تلك النقلة الكبيرة فى الأطر السياسية والإقتصادية الإجتماعية والدبلوماسية والثقافية للشعب الصينى، وقفزت بالشعب الصينى من شعب منغلق على نفسه إلى شعب منفتح على العالم والحضارات من حوله يتبادل معها المنافع والتجارب والخبرات بشكل متواتر وفعال.
من المعلوم أن الصين هى أكبر منتج ومصدر للبضائع فى العالم،إذ تنتج الدولة طيفاً واسعاً من البضائع إبتداءا من إحتياجات الإنسان البسيطة وإنتهاءاً بالمنتجات ذات التكنولوجيا المعقدة مثل الروبوتات والأجهزة الذكية وغيرها، وتصدر الصين منتجاتها إلى كل دول العالم فى أوربا وأمريكا وآسيا وأفريقيا عبر موانئها المنتشرة على طول ساحلها الشرقى وعن طريق قطاراتها التى تربطها بالعديد من الدول فى آسيا وأوربا،وتعتبر التجارة فى نسختها المعاصرة من أهم دعائم وركائز الإقتصاد الصينى على الإطلاق.
وفى هذا الإطار أنجزت الصين أطول شبكة للقطارات فى العالم لخدمة مشروعها التنموى ورفاهية شعبها، إذ يساوى طول شبكتها الحالية حوالى ثلث الشبكة العالمية مجتمعةً، وتتربع الصين على المركز لأول فى إمتلاك القطارات فائقة السرعة ذات الكفاءة والجودة العالية، كما تمتلك فى الوقت نفسه عدداً ضخماً من شركات النقل الجوى والمطارات التى تربط مدنها الداخلية ببعضها البعض، وبغيرها من المدن الكبرى والمهمة فى العالم.
ويعتبر الإقتصاد الصينى من الإقتصادات المهمة لدفع عجلة النمو العالمى، فوفقاً للتقديرات وإبتداءاً من العام 2005 بلغ متوسط معدل مساهمة الصين السنوي فى نمو الإقتصاد العالمى 31.9% ، وقد حافظت الصين بدايةً من العام 2011 على نسبة مساهمة تتجاوز 30% لتصبح بذلك أكبر مساهم فى النمو الإقتصادى العالمى لمدة 14 سنة متتالية.
وتتسيد الصين الآن الرقم القياسى العالمى فى الحفاظ على معدلات نمو تتجاوز 6.5 لأطول فترة زمنية ممكنة فى تاريخ النمو الإقتصادى العالمى، وهى التى أستطاعت بفضل قوة الدفع التى تمتلكها إزاحة أكبر الإقتصادات العالمية من أمامها مثل الإقتصاد الألمانى، والبريطانى، واليابانى، حتى غدا الإقتصاد الصينى ومنذ العام 2011 ثانى أكبر الإقتصادات فى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية فى الوقت الذى لم يزل فيه ينمو وينافس.
من ناحيةٍ أخرى تظهر أرقام الأمم المتحدة الصادرة فى يناير من العام 2021 أن الصين تتفوق على الولايات المتحدة كوجهة أولى للإستثمارات الأجنبية بعد أن سجلت نمواً بلغ 4% فى هذا الإطار، لتضع نفسها فى المركز الأول على المستوى العالمى. كما يؤكد العديد من الخبراء أن الصين تتحرك الآن بخطى ثابتة نحو مركز الإقتصاد العالمى الذى هيمنت عليه الولايات المتحدة فى السنوات والعقود الماضية.
فيما يتعلق بتعاطى الدولة مع مشكلات وقضايا المجتمع المحلى لديها، فقد سارعت الصين منذ وقت مبكر لمحاربة الفقر وسط شرائح المجتمع فى الريف الصينى المترامى الأطراف، والذى يشغل مساحات شاسعة يصعب الإحاطة بها والتعامل مع تعقيداتها ومشكلاتها، ولكن الإرادة الصينية فى نسختها المعاصرة جعلت من المستحيل ممكنا، فقد سجلت الصين أرقاماً قياسية وغير مسبوقة على المستوى العالمى فى أعداد من أنتشلوا من الفقر خلال السنوات الماضية، وهكذا إلى أن تخلصت الدولة بصورة نهائية من الفقر المدقع بنهاية العام 2020 .
كما ارتفع معدل الإنفاق الإستهلاكى للفرد فى الصين فى الفترة من العام 2013 وحتى العام 2018 بمعدل 69.3% على مدى خمسة سنوات متتالية، مما يشير إلى إستمرار تحسن المستوى المعيشى وإزدياد معدلات الرفاهية لدى الشعب، لا سيما وأن المدن الصينية بمختلف المقاطعات قد أصبحت فى عالم اليوم منارات فى عالم الحضارة، والتقدم التكنولوجي، والنمو الآمن والمستدام، وأضحت الكثير منها مثل بيجين وشنغهاى وغوانزو وشنجن وغيرها من كبريات المدن الصينية تضاهى، بل تتفوق كبريات المدن المعروفة فى أوربا وأمريكا شكلاً وأمانا وجمالاً وتحضرا.
وتتربع الصين حالياً على عرش التكنولوجيا الرقمية وتطبيقاتها فى العالم، فهى صاحبة أكبر قواعد للمستخدمين فى العالم، وصاحبة أسرع الحواسيب الآلية على الإطلاق، كما أنها فى طريقها للإعتماد كلياً على نفسها فيما يتعلق بالبرمجيات والتقانات المعقدة وتقانة الحواسيب والأجهزة الذكية الأخرى فى المستقبل القريب.
أما فى مجال الفضاء فقد حققت الصين نجاحات كبيرة تفوقت بها على الكثير من دول العالم، مزاحمةً على السبق فى الكثير من دراسات وتجارب الفضاء، وتتجاوز الطموحات الصينية فى هذا المجال طوحات أى دولة أخرى فى العالم، فقد تفوقت منذ العام 2018 على الولايات المتحدة بأكبر عدد من إطلاقات الأقمار الصناعية ( 39 مقابل 31 ) وما ذلك إلا لأن الفضاء الخارجى يمثل جزءاً لا يتجزأ من الطموح الصينى العظيم، وتعتد الصين بإنجازتها فى هذا المجال، فهى ثالث دولة فى العالم تنجح فى جمع عينات من القمر وترفع علمها على سطحه بعد نجاح مهمة مركبة الفضاء شانغى فى العام 2020، وقد ذهبت الصين أبعد من ذلك بنجاحها فى الوصول إلى المريخ فى يوليو من العام نفسه
فيما يتعلق بقطاع التعليم فى البلاد فقد تمكن الحزب الشيوعى الصينى من إحداث نقلة تعليمية كبيرة بهذا القطاع عبر بها المراحل المختلفة من مراحل بناء الدولة الصينية الحديثة، محدثاً إنجازاً كبيراً فى تقليص الفجوة بين الريف والحضر، وبين الذكور والإناث فى الغالبية العظمى من المقاطعات الصينية، وإرتفاعا غير مسبوق فى مستوى الخدمات التعليمية بصورة عامة، ليتمكن قطاع التعليم بفضل تلك الإنجازات من التنفيذ الكامل لأفكار الرئيس شى جين بينغ حول الإشتراكية ذات الخصائص الصينية فى العصر الجديد،وبناء دولة تعليمية قوية، محققاً إنجازات كبيرة على مستوى كافة الأطر والمستويات.
لم يتجاوز الحزب الشيوعى الصينى فى مسيرته قضايا المرأة داخل الصين، إذ عمل بشكل كبير على تعزيز مكانتها وتمكينها، وظلت مكانة المرأة الإجتماعية داخل الصين فى إرتفاع ملحوظ إلى أن بلغت ما هى عليه الآن، وصارت بفضل جهود وسياسات الحزب تتواجد وبصورة لافتة فى الخطوط الأمامية للعملية الإنتاجية، وفى أنشطة ومشروعات تعزيز الوحدة الصينية، وفى خطوط المواجهة الأولى للدفاع عن السيادة الوطنية ومواجهة الكوارث، مثلما حدث أثناء مواجهة وباء كوفيد 19، كما أصبحت المرأة فى ظل قيادة الحزب الشيوعى الصينى تتبوأ مكانةً رفيعةً فى المناصب القيادية والقواعدية للحزب والدولة معاً، مما أهل الصين الشعبية للنشاط فى تعزيز التعاون الدولى حول قضايا المرأة بشكل فاعل وبناء.
ساعد كل ذلك العطاء الثر والنشاط التنموى البناء، والنهج الإدارى والتجديدى المتميز للحزب جمهورية الصين الشعبية للإنتقال السريع والفعال من دولة تحتل أسفل قائمة الدول النامية إلى دولة تتسيد قائمة النمو السريع والمستدام لدول العالم أجمع .
ولن نستطيع القفز على الإنجاز الأعظم للحزب ودوره فى تعزيز السيادة الوطنية على كامل التراب الصينى، وجهوده المتواصلة فى هذا الإطار والتى توجها بعودة هونغ كونغ إلى حضن الوطن فى العام 1987، ولم تزل مساعيه السلمية الحكيمة ماضية فى التعامل مع ملف تعزيز السيادة الوطنية على كامل الأراضى الصينية خاصةً فيما يتعلق بقضية تايوان والتى تعتبر الحلقة الأخيرة من حلقات التآمر الدولى للنيل من وحدة التراب الصينى المتماسك.
تقابل منجزات الحزب الشيوعى الصينى فى التنمية الشاملة قوة عسكرية ضاربة قادرة على الردع والحماية للأراضى الصينية والذود عن مقدراتها ومدخراتها، وسيادتها الوطنية، مما يجعل الصين المعاصرة عصيةً وبعيدةً كل البعد عن محاولات الإبتزاز، أو التلويح بإستخدام القوة العسكرية ضدها بشكل مباشر، مهما يكن الطرف الآخر وما يملكه من قدرات وعتاد.
فالجيش الصينى المعاصر هو أكبر الجيوش فى العالم، وتؤهله قدراته وإمكاناته العسكرية الكبيرة من إمتلاك زمام المبادرة فى الفعل العسكرى فى كل الظروف عند الحاجة لذلك، ولكن الصين ظلت تلتزم وتتمسك بشكل صارم منذ تأسيس الدولة فى العام 1945 بإستراتيجية ومبادئ الحزب القائمة على أن القوة العسكرية الصينية ليست للإعتداءات أو التدخلات الخارجية، كما أنها ليست للإبتزاز، أو تهديد الآخرين وسلب حرياتهم وسيادتهم ومدخراتهم، وإنما للدفاع عن وحدة أراضيها، وسيادتها الوطنية. وللصينيين فى هذا الإطار أقوال مأثورة تقول “أن على الدولة أن تمتلك القوة العسكرية ولكن لا تستخدمها” إلا إضطراراً.
فأى فخر واعزاز يزين جبين الشعب الصينى فى ظل قيادة الحزب الشيوعى الصينى وهو يبسط للعالم نموذجه القائم على سلمية نموه، ويرسم طريقه تحت رايات الإصلاح والإنفتاح، والتنمية العلمية، كنظريات ثاقبة ومتجددة لم تبليها السنين والأيام، متوجاً ذلك بإعلاء قيم الفوز والمصالح المتبادلة بين الدول والشعوب بطرحه لمفهوم “المصير المشترك للبشرية” والذى يعتبر ثورة فى عالم النظريات والمفاهيم التنموية الإيجابية، إذ يحمل فى طياته الكثير من أبعاد الإستقرار، والتوازن، والأمان، ويعزز من الثقة بين الدول والشعوب، متجاوزاً المفاهيم البالية التى أسست لمعادلات النمو الصفرية القائمة على إستعمار الشعوب وسرقة خيراتها ومدخراتها، والتى جلبت الكثير من التعاسة والبؤس للإنسانية على مدى عقود من الزمن.
ثالثا: تحديات النهضة الصينية فى مائوية الحزب الشيوعى الصينى
على الرغم من الإنجازات الكبيرة التى حققها الحزب الشيوعى الصينى فيما يلى التنمية الشاملة، وعلى الرغم من تجاوزه للكثير من المنعطفات أثناء مسيرته فى إدارة الدولة، إلا أن الحزب غالباً ما سيواجه فى مقبل مسيرته بعضاً من التحديات الكبيرة والتى يمكن إجمالها فى ما يلى:
– الحروب الإقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة والتى يمكن لها أن تتجدد وتتعاظم تحت غطاءات مختلفة، وربما بأشكال أخرى مغايرة فى أى دورة من دورات حكم الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة، خاصةً وأن الولايات المتحدة صارت تتخوف فى العقود الأخيرة وبشكل جدى وكبير مما تسميه طموحات الصين فى ظل سرعة نموها الإقتصادي الحالى، وتعمل فى أحيان كثيرة تحجيم وإعاقة العلاقات التجارية القائمة بينهما، على الرغم من الفوائد الإقتصادية الكبيرة للتبادلات التجارية بينهما والتى لا غنى عنها لأىٍ منهما فى القريب العاجل.
– ندرة المواد الخام على نطاق واسع من العالم، لا سيما ما يتعلق بالموارد غير المتجددة وإمدادات الطاقة، إذ من المتوقع أن تشهد الساحة العالمية مزيداً من التنافس على المواد الخام الأولية اللازمة لإستمرار النهضة والنمو، وتعتبر هذه من التحديات الكبيرة التى تواجه الصين مثل غيرها من الدول النامية التى لم تزل على سلم الصعود والنمو الشامل.
– حسم النزاعات حول الجذر بصورة نهائية مع بعض دول الجوار الإقليمى مثل اليابان والفلبين وغيرها عبر الأطر والوسائل المتاحة، مما يشكل قفزة نوعية فى إستقرار الوضع الإقليمى عامة لا سيما فى بحر الصين الجنوبى.
– معالجة مشكلات الحدود مع الهند عبر ماهو متاح من حلول، لا سيما وأن الإضطرابات وتجدد التوترات بين الجارتين الكبيرتين من شأنه أن يقلق الوضع الإقليمى والدولى بشكل كبير، وربما أعاق بشكل جدى وخطير الكثير من أطر التعاون الإيجابى بينهما والذى يعتبر ضرورة تنموية كبرى بالنسبة لكليلهما فى العقود القادمة.
– طى ملف قضية تايوان بصورة نهائية وبالوسائل الممكنة، وتأكيد سيادة الصين على الجزيرة بشكل رسمى، وإثبات وإعلان ذلك فى كافة الأطر والمنابر الإقليمية والدولية، وقفل الباب أمام أى تعامل أو تناول لهذه القضية فى أى من الأطر والمنابر الإقليمية او الدولية بشكل يتناقض مع السيادة الصينية على الجزيرة.
– تعميق الأخذ بالحكمة والتوازن فى التعامل مع التنوع الكبير الذى تحظى به جمهورية الصين الشعبية، خاصةً فيما يلى المقاطعات والأقاليم ذات الخصوصية مثل إقليم شينجيان والتبت وغيرها، والحرص على تعميق الإنتماء الوطنى فى هذا الإطار، وبث روح الوحدة بين أبناء الشعب الصينى.
– مواجهة مشكلات البيئة المتفاقمة فى المستقبل البعيد، فتحديات البيئة الطبيعية ستظل باقية وربما تتعاظم فى ظل الزيادة المتوقعة للسكان، وزيادة إستهلاك الأرض، والموارد،وتغيرات المناخ، فى ظل حاجة الدولة للإستمرار فى النمو الإقتصادى بذات المعدلات السابقة.
رابعا: توجهات الحزب الشيوعى الصينى فى مائويته الثانية
بالنظر فى مسيرة الحزب الشيوعى الصينى عبر العقود الماضية، وعند التفكير فى تطلعاته المشروعة المتمثلة فى تحقيق مجتمع رغيد الحياة على نحوٍ شامل،وإصراره على طموحاته المستحقة فى قيادة الدولة نحو الريادة العالمية فى العديد من الأطر فى العقود الأولى من المائة الثانية لتأسيسه، يتوقع أن يتجه الحزب نحو تعزيز الإهتمام بالقضايا الإستراتيجية والقضايا المحورية الأخرى على الصعيدين الداخلى والخارجى.
من شأن معالجة الحزب لهذه القضايا إرضاء قواعد الحزب الداخلية، وتوسعة دائرة المنتمين إليه، وكسب المزيد من تعاطف الشعب وتعاطف الشعوب الأخرى معه، كما يمكن لها أن تعمل على تمكين الحزب من التعامل بشكل وأكثر أريحية وفاعلية مع الجوار الإقليمى والمجتمع الدولي ككل بعيداً عن التوترات، والإختلافات العميقة فى وجهات النظر، والتى لم تزل تستغل لتعكير صفو علاقات الدولة الخارجية بشكل كبير.
يمكن إجمال توجهات الحزب فيما يتعلق يهذه القضايا فيما يلى:
– من المتوقع أن تواصل جمهورية الصين الشعبية تحت قيادة الحزب الشيوعى الصينى خطواتها بثبات نحو تحقيق الهدف الذى عملت لأجله لعقود طويلة من الزمن، والمتمثل فى “تحقيق مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل” والذى سخرت الصين لبلوغه إمكانيات كبيرة وقدرات، ودفعت لأجله أثماناً طائلة وتضحيات، بذا لا يتوقع أن تفارق الصين دروب نهضتها السلمية والعلمية تحت مظلة الإصلاح والإنفتاح والمصير المشترك للبشرية وعبر مبارداتها التنموية المعاصرة، لا سيما وأنها قد قطعت شوطاً بعيداً فى توفير متطلبات نهضتها، وإحكام تصميماتها وقياساتها، ومراقبة جودتها ومنعطفاتها.
– كما يتوقع أن تتجه جمهورية الصين بإرادة قوية نحو تعزيز قواها الوطنية الشاملة للمستوى الذى يجعلها تشعر بالقدرة الملطقة، أو ربما التفوق على الكثير من القوى والتحالفات الإقليمية والدولية الأخرى ،لأجل حماية سيادتها ومصالحها وأصدقائها حول العالم، مما يمكنها من لعب أدوار غير تقليدية أو أكثر فاعلية فى التوازنات الإقليمية والدولية، لا سيما ما يتعلق بالشأن الإقتصادى وربما السياسى والعسكرى والثقافى على حدٍ سواء.
– ويتوقع للصين فى بدايات المائة الثانية للحزب أن تواصل مسيرة الإصلاح والإنفتاح التى انتهجتها لما يربو عن الأربعة عقود متتالية، ليلتئم ويلتحم بفضلها المجتمع الصينى بصورة مباشرة بالمجتمعات البشرية الأخرى على نحو أكثر شمولاً وعمقاً، متبادلاً معها منجزاته ومعارفه وخبراته فى مشوار نهضته السريعة والشاملة، لا سيما على مستوى تطبيقات نظريات الإدارة العامة والعلوم، وعلى مستوى جوانب أخرى مهمة مثل اللغة والثقافة والفنون، والتى تعتبر من كنوز ومقتنيات الحضارات الإنسانية ذات النفع المتعدى والمشترك بالنسبة للبشرية فى مختلف أماكن تواجدها.
– كما يتوقع أن ترسم الصين لنفسها طريقاً واضحاً وأكثر فاعلية يمكنها من التعامل مع مشكلات وأمراض الحضارات المتفوقة قديمها وحديثها، والتى يتوقع لها أن تطل بكثافة فى المشهد الصينى فى المائة الثانية من عمر الحزب والتى منها على سبيل المثال: كيفية إنتصار الحضارة الصينية لأهدافها عبر مبادئها المؤسسة، وقيمها الداعمة والمحفزة لبقائها وتفوقها، مع مراعاة القيم الإنسانية العليا، خاصةً فيما يلى الشأن السياسي والإقتصادي والدبلوماسي والعسكري، بعيداً عن مظاهر الظلم، والفساد، والإضهاد، والإستبداد التى شابت سلوك الكثير من الحضارات الأخرى عند إرتقائها على سلم المجد، وتفوقها على حلبة التنافس الدولى.
– ويتوقع أن تتوصل الصين مع الولايات المتحدة إلى صيغة مرضية آمنة وشفافة للتعاملات السياسية والإقتصادية والدبلوماسية بينهما على نحو شامل ومستقر ولعقود طويلة قادمة، خاصةً إذا علمنا صعوبة وإستحالة إستخدام كل منهما القوة العسكرية تجاه الآخر لحل الخلافات الماثلة، ليبقى الخيار الوحيد هو التوصل إلى هذه الصيغة المرضية، والتى من شأنها تطمين العالم على المستقبل الآمن للتنمية الإقتصادية على أسس التعاون وتبادل المنافع، بعيداً عن الخسائر والدمار الذى أحدثته نظريات التنافس الصفري فى العقود السابقة.
– على المستوى الداخلى يتوقع أن تعمل الدولة بشكل جدى للإستمرار فى عملية تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إذ تشير بعض المعطيات أن الأغنياء فى الصين يستحوذون على 45% من الثروات فى المدن مقارنةً بسكان الريف الذى يعيش فيه نحو ثمانمائة مليون نسمة تقريباً، كما يتوقع فى الوقت نفسه أن تعمل الدولة على رفع مستوى نصيب الفرد من الناتج القومى ليتوازى مع نظرائه فى البلدان المتقدمة الأخرى.
– يتوقع أن تطوى جمهورية الصين الشعبية ملف تايوان إلى الأبد، إذ لا خيارات لديها أو بدائل أخرى يمكنها أن تأخذ بيد الشعب الصينى إلى تحقيق أهدافه العليا سوى التمسك بمبدئها الحكيم (مبدأ صين واحدة) والذى يعتبر العمود الفقرى لكل النظريات التى استحدثتها قيادة الحزب فيما يتعلق ببقاء ونماء الدولة، إذ وجدت لها مكاناً فى أعماق الشعب وأصبحت تنير طريقه، وتشحذ هممه، وتعبئ طاقاته على مر العصور.
– على المستوى العربى وفى إطار مبادرة الحزام والطريق التى طرحها الرئيس شي جين بينغ لإحياء وتجديد وتعميق الروابط الإقتصادية والثقافية بين الشعوب، من المتوقع أن تعمل الصين على توسيع دائرة أصدقائها حول العالم، وتعميق مضامين علاقاتها لا سيما مع الدول العربية ومؤسساتها الرسمية ومراكز الدراسات والبحوث داخلها، وذلك بشكل فعال يمكنه تعديل شكل العلاقات القائمة، وينجز فى إطارها الكثير من التوازنات، بإعادة تشكيلها وصياغتها على أساس تبادل المصالح وتعظيم المنافع، بدلاً عن توجهات الدول العربية النمطية والتقليدية البالية القائمة على التوجه نحو المحاور والأحلاف والتكتلات الإقليمية والدولية، والتى لم تحقق أية منافع سياسية أو إقتصادية لشعوبها منذ وقت بعيد، لا سيما وأن العالم العربى ذو أرض واعدة، ويحظى بالكثير من الثروات والحضارات، وتنتظر منه شعوبه نهضة متسارعة مماثلة للنهضة الصينية المعاصرة منذ وقت ليس بالقصير.
– عربيا أيضا يتوقع ولمقابلة توجهات الصين التنموية الدولية المعاصرة المتمثلة فى مبادرة الحزام والطريق أن تتخذ الدول العربية سياسات رشيدة وموحدة تحت مظلة ورعاية جامعة الدول العربية، لترقية وتطوير العلاقات القائمة، والإتجاه بها نحو شراكات إستراتيجية طويلة الأجل ذات مشروعات ومنافع متبادلة لا تتعارض أو تتضارب مع العلاقات القائمة الأخرى لأىٍ من الطرفين،
– كما يتوقع أن تترجم الدول العربية كل على حده تلك السياسات وتتخذ توجهات أكثر إيجابية وأكثر عمقاً فى علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية، عن طريق صياغة إستراتيجيات قطرية متكاملة، ملزمة وطموحة، أساسها التعاون، والصداقات، والشراكات السياسية والإقتصادية والدبلوماسية والأمنية، مع العمل على تتفيذها بشكل شامل ومتكامل، بإعتبار الصين الشريك الموثوق فى نواياه، والمعتدل فى طموحاته، والمتوازن فى خطواته، وفق ما تبرهنه سيرتها ومسيرتها، ويثبته التاريخ، وتشير إليه التحليلات والتجارب والخبرات الإنسانية السابقة.
خاتمة
احتفاءاً بالمائة الثانية لتأسيسه يستحق الحزب الشيوعى الصينى التجلة والتقدير من كل جيرانه الإقليميين، وأصدقائه الدوليين من مختلف الشعوب والأقطار، وربما من أعدائه التقليديين، بل حتى منافسيه المعاصرين لإنجازه نهضته السلمية والعلمية الباهرة، بطريقته وثقافته الإدارية والتنظيمية النادرة، وقدراته التجديدية والفكرية الساحرة.
لقد استطاع هذا الحزب أن يجعل من الصين المعاصرة جوهرةً للحضارات الإنسانية، ورائدةً للمعجزات البشرية، بواسع نظرته،وعظيم حكمته، وقوة إرادته، وعجائب صنائعه، لتبقى إنجازاته على مر التاريخ مبعثاً للعزة والفخار فى كل وقتٍ وحين.
ستظل إنجازات الحزب الشيوعى الصينى فى التنمية الشاملة محفورةً فى ضمير الإنسانية عبر الزمان، ومرسومة على جدران الأبدية على إمتداد الأوطان، كما سيظل عطاء أبناء الشعب الصينى موصول غير منقطع تتوارثه الأجيال المتعاقبة، ليسجل التاريخ فى كل دورة من دوراته صفحات أخرى إضافية أكثر إشراقاً للحضارة الصينية العريقة، والتى آلت على نفسها أن تشكل وتلون للبشرية حاضرها ومستقبلها فى تجردٍ ونكران ذات.
فالتُقم الإنسانية موازينها بالقسط، ولتشرع فى محاكمة شعوبها وحضاراتها الواحدة تلو الأخرى، فستجد شعب الصين العظيم على منابر العدالة الإنسانية حاضر بعطائه، شامخ بإبائه، متسربل بوفائه، متوشح لنقائه، واثق من تاريخه وصفحاته، فى وقت ربما تواضعت فيه شعوب وأمم وحضارات أمام محاكم التاريخ التى لا تجامل أو تتجمل.
*ملاحظة المحرر: يعكس هذا المقال وجهة نظر الكاتب، ولا يعكس رأي القناة CGTN العربية.
*المصدر: سي جي تي إن العربية.