خاص بشبكة طريق الحرير الصيني الإخبارية/
دكتورة كريمة الحفناوي*
فى الفترة الأخيرة يعانى العالم شعوبه ودوله من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية والتى أدت إلى تكدس معظم الثروات فى يد القليل من الدول الرأسمالية المتوحشة المعسكرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والتى بدورها تقود الهيمنة والسيطرة والنفوذ والتحكم فى بقية دول العالم وتتعامل كقطب واحد لاينافسه أحد وتفرض شروطها المجحفة فى مطالبة الدول التى على علاقة بها ومنها الحفاظ على أمن الكيان الصهيونى الغاصب لأرض فلسطين بل وتصفية القضية الفلسطينية لصالح دولة قومية يهودية. بل وتعمل فى نفس الوقت على إعادة تقسيم الدول العربية وتفتيتها على أساس عرقى ومذهبى بإشعال الفتن والحروب والصراعات الداخلية مع دعم أنظمة استبدادية فاسدة كل ميزتها هو الخضوع للسياسات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية .
ويجنى العالم آثار هذه السياسات النيو ليبرالية والتى أدت إلى تركز الثروات فى عدة بلدان مع مزيد من الفقر لبقية بلدان العالم وأيضا تكدس الثروات داخل كل بلد فى يد قلة احتكارية فاسدة فى معظمها تمتلك السلطة والثروة على حساب الأغلبية التى تعانى من الفقر وتردى الخدمات. وبالطبع أدت هذه السياسات إلى زيادة اتساع الفجوة الطبقية داخل البلدان وانهيار السياسات الاقتصادية الإنتاجية فى الزراعة والصناعة والاعتماد على النمو فى الخدمات والاعتماد على القروض من صندوق النقد الدولى المشروطة بسد العجز فى الموازنة العامة للدولة وخصخصة الهيكل الإنتاجى بل وخصخصة الخدمات والمرافق (الصحة والتعليم والمياة والكهرباء) كل هذه السياسات أدت إلى صعود الحركات الاحتجاجية من الفئات والطبقات المهمشة وصعود الانتفاضات والثورات التى طالبت بالتغيير لصالح عالم أفضل تسوده العدالة الاجتماعية والمواطنة وعدم التمييز.
وعلى الجانب الآخر شاهدنا وتابعنا صعود أقطاب أخرى وعلى رأسها الصين والتى أعلنت عن سياستها التى تعتمد على الشراكة والتعاون والمنفعة المتبادلة بينها وبين دول العالم بل والمساهمة فى نقل الخبرات لهذه الدول دون التدخل فى شئونها أو مس سيادتها وصعدت الصين إلى المرتبة الثانية فى الاقتصاد العالمى بل وتعتبر الأولى وفقا لنظام تعادل القوة الشرائية لعملتها المحلية مقارنة بالقوة الشرائية الفعلية للدولار الأمريكى. أى أن العالم لم يعد أحادى القطبية مما يساعد على إمكانية التعاون بين الدول دون الخضوع للأخطبوط الأمريكى.
وقد ظهر هذا جليا وواضحا وضوح الشمس عقب اجتياح فيروس كورونا متعديا القارات والبحار والمحيطات غازيا بكل شراسة للإنسان فى كل مكان مما استوجب وقوف البشرية معا وتكاتفهم وتعاونهم من أجل الخروج بسلام من هذه الجائحة. ظهر هذا فى تعامل الدولة فى الداخل وتعاملها مع بقية الدول. واستيقظت الشعوب لتعيش وترى كيف عالجت بعض الحكومات الرأسمالية المتوحشة الأزمة وفقا لمنطق المكسب والخسارة، منطق لاأخلاقى، منطق تجار الحرب، لاعلاقة لهم بحياة الإنسان. فالإنسان رقم ضمن أرقام الأرباح التى تجنيها هذه الحكومات من تسخيره فى ألة تكديس المكاسب والثروات.
حدث هذا فى معظم دول الغرب التى لم تتخذ الإجراءات المناسبة فى الوقت المناسب بل وكشفت هذه الجائحة عن ضعف الخدمات المقدمة للشعوب وعجز الأنظمة الصحية فى معظم الدول الرأسمالية بل وعدم قدرتها على مواجهة الأزمة حيث النقص فى الإمكانيات والمستلزمات داخل المستشفيات، ونقص فى عدد الأسرة ونقص فى المطهرات والكمامات، ونقص فى أجهزة التنفس الصناعى، ونقص فى أعداد الأطباء والتمريض والفنيين. وأمام عجز النظم الصحية. تعاملت دول الغرب بمنطق أنانى ولم تمد يد المساعدة لحلفائها أو لبعضها البعض. وفى نفس الوقت بزغت دول مثل كوبا وروسيا والصين لتمد يد العون بالأطقم الطبية والمستلزمات والمعدات بل ونقل الخبرات مع التدريب والتأهيل، مدت يد العون للدول الأوروبية المنكوبة ومنها إيطاليا وضربت بذلك الصين المثل فى إمكانية التعاون والتشارك بين الأمم على أساس المنفعة المتبادلة وإمكانية بناء بنية تحتية عالمية للتعاون متعدد الأقطاب بدلا من عالم يحكمه القطب الواحد الأمريكى.
لقد أجمع الخبراء الاقتصاديون على دخول العالم فى أزمة اقتصادية حادة تؤثر على جميع أنحاء المعمورة نتيجة نكبة فيروس كورونا حيث أدى انتشار الفيروس إلى أخذ اجراءات احترازية بالعزل داخل البيوت وبمنع التجمعات مع فرض حالة الطوارىء وحظر التجوال وإغلاق أماكن التجمعات عدا الأماكن الحيوية كالمستشفيات والصيدليات والبقالة. كما أدت هذة الأزمة إلى حالة من الذعر والهلع بين المواطنين مع انهيار البورصات وخسارة المليارات وتوقف حركة التجارة وتوقف الطيران والسياحة مع تراجع حاد ويومى لأسعار النفط وتوقف استكمال المشروعات وتوقف عدد كبير من الاستثمارات.
ومن تداعيات الأزمة الاقتصادية وأخطرها إغلاق المصانع وعدد كبير من الشركات مع الاستغناء عن عدد كبير من العمالة مما سيؤدى لزيادة البطالة. هذا بجانب فقدان الملايين من البشر لقوت يومهم والذين يعتمدون على العمل اليومى مما يفقدهم القدرة على شراء احتياجتهم الضرورية لهم ولأسرهم المعتمدة على دخلهم اليومى مما سيؤدى إلى فقدان الأمان وعدم الاستقرار.
لكل هذه التداعيات بدأت الحكومات تضع سياسات مالية جديدة للتعويض المادى لهؤلاء وتوفير مايسد احتياجاتهم اليومية وذلك بالتعاون مع المجتمع المدنى من أحزاب وجمعيات أهلية ومنظمات تعمل فى مجالات الدعم الاجتماعى بجانب الدور الكبير لرجال الأعمال فى تحمل المسئولية المجتمعية.
إن هذة الأزمة سيكون لها دور كبير فى تغيير العديد من السياسات الاقتصادية التى استقرعليها العالم لما يقرب من نصف قرن ونأمل أن تخرج الحكومات والشعوب بنظرة جديدة للمستقبل لتفادى كل التحديات والصعوبات التى واجهتنا وفى مقدمتها تعزيز وتطوير بنية المنظومة الصحية والاستثمار فى الصحة والتعليم.
*التدقيق اللغوي والتحرير الصحفي: الأكاديمي مروان سوداح.
*المراجعة والنشر: أ. عبد القادر خليل.