شبكة طريق الحرير الإخبارية/
فرنسا والمِيزَان الغَيِر الوَازَن
إعداد: الأكاديمي مروان سوداح
*مؤسس ورئيس (اللوبي العربأذري) للصحفيين والإعلاميين وأصحاب الكلمة.
ليس في أذربيجان وحدها فحسب، بل وفي غيرها من الدول والمنظمات السياسية والاجتماعية والثقافية حتى، يشجبون القرار الفرنسي الطافح بالافتراءات الموجهة ضد أذربيجان. هذا القرار الذي تم تبنيه في الغرفة السفلى (الجمعية الوطنية) للبرلمان الفرنسي، بتاريخ 30 نوفمبر 2022، هو استفزاز فرنسي جديد موجَّه بقضّه وقضيضه ضد أذربيجان، على غرار القرار الأخير الذي تم تبنيه في مجلس الشيوخ الفرنسي.
وزارة الخارجية الأذربيجانية وصفت بكل قوة القرار الفرنسي، قرار الجمعية الوطنية الفرنسية، “استفزاز آخر ضد أذربيجان”، وهو توصيف دقيق للغاية يضع النقاط على الحروف، ويؤكد دون أدنى شك أن باريس؛ التي طالما تحدثت للبشرية عن العدالة وسلام الشعوب؛ تضع نفسها خارج إطار المنطق والقانونين الدولي والإنساني، وتنأى بنفسها عن حقوق البشر والحَجَر، وتبتعد عن كل المبادىء التي طالما تحدثت عنها وشغلت فضاءات الدنيا بها..
كذلك، جاء في موقف وزارة الخارجية الأذربيجانية التالي: “نرفض بشدة هذا القرار، كسائر الخطوات الاستفزازية الأخرى التي اتخذتها فرنسا، بما في ذلك القرار الذي اتخذه مجلس الشيوخ سابقًا”.
تكمن خطورة هذا القرار الفرنسي في وضوح استهدافه للسلام الشامل بين دولتين قوقازيتين، وتوتير الأوضاع في تلكم الإقليم المتميز جيوسياسياً، ما قد يقود إلى استمرارية تقويض عملية تطبيع العلاقات بين باكو ويرفان، ويُعرقل الجهود المبذولة أذربيجانياً وأُممياً لإحلال السلام وتسييد الهدوء في تلكم المنطقة، وهو ما حدا بوكالة الأنباء الرسمية الأذربيجانية (أذرتاج)، الشهيرة في العالم برمته وبخاصة العربي، إلى الإعلان صراحةً ومباشرةً وبكل قوة عن: “أن هذا القرار الذي يتعارض مع قواعد ومبادئ القانون الدولي، يُظهر بوضوح مرة أخرى موقف فرنسا السياسي المتحيز، وبالتالي عدم قدرتها على التصرف كوسيط محايد ومنصف..
و “على وجه الخصوص، فإن تأييد هذا القرار من قِبل ممثل الحكومة الفرنسية في جلسات الاستماع، يُبيِّن مرة أخرى أن الحكومة الفرنسية التي أطلقت مؤخراً مبادرات معادية لأذربيجان على منصات مختلفة، تقف وراء هذا القرار.
يُعتبر هذا الموقف الفرنسي المنحاز إلى جهة دون أخرى، إعلاناً واضحاً عن عدم التوازن في العلاقات الدولية، وانتفاء سوية وقدرة باريس الرسمية في قيادة عمليات التقارب والتعاون بين مختلف الشعوب والبلدان.
هذا الموقف ينعكس مباشرة على يوميات صِلات باريس الدولية بعواصم أقطار المَعمورة، ويُفضي منذ إقراره إلى تراجع مكانة فرنسا السياسية والإستراتيجية، وانحسار وانكماش السياسة الفرنسية على ذاتها، وتهاوي ثقافتها في مستعمراتها السابقة، وكل ذلك بسبب نأي الدول عن سياستها هذه المتصلبة والأحادية الجانب، وبالتالي يُفضي نحو إضعاف وإمراض ووقف دورها العالمي الذي تراجع، وها هو الآن يتسارع لكن للخلف أكثر من أي وقت مضى، ويُفضي أيضاً إلى تعثر مسيرتها القارية عودة على بدء جمود دورها في “مجموعة مينسك” السابقة التي أنيط بها معالجة المواجهات بين أذربيجان وأرمينيا، خلال الاحتلال الأرميني للأراضي الأذربيجانية التي ضمنها منطقة “قره باغ” الاقتصادية الخاصة، ما أدّى مذ ذلك الحين إلى هزال العملية السياسية الفرنسية، وانكشاف فشل الدور الفرنسي في منطقة القوقاز، وبالتالي في بقية أرجاء الكرة الأرضية، لتصبح المرحلة الفرنسية في خبر “كَاَنَ”.
في الأوساط الأذربيجانية يرون أنه ومنذ ما يقرب من 25 عاماً، لم تقدم فرنسا؛ المستشِهدةً بدورها الوسيط الذي اخذته على عاتقها؛ تقييماً لسياسة العدوان والاحتلال من قِبل أرمينيا، وبالتالي لم تحاول حل النزاع، كما وإن شن حملة تشهير مفتوحة وتوجيه الاتهامات لأذربيجان، بعد أن أنهت أذربيجان الاحتلال، وبعد أن تم لها حل النزاع بنفسها، برز الدليل الواضح على نيَّة فرنسا المنحازة. لذا، جاء في بيان الوزارة الأذربيجانية الموقف التالي الحازم: “نرفض بشدة هذا القرار، كسائر الخطوات الاستفزازية الأخرى التي اتخذتها فرنسا، بما في ذلك القرار الذي اتخذه مجلس الشيوخ سابقًا”.
وبصدد فرنسا أيضاً، لفتت إنتباهي المقالة القوية الأركان لكاتبها المعروف الأستاذ كريم محمد، على صفحة قناة “الجزيرة” التلفزيونية، بتاريخ 27/10/2022، وقد جاء فيها التالي: “التقى “ماكرون” نظيره الأذربيجاني في العاصمة التشيكية براغ يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى جانب رئيس الاتحاد الأوروبي “شارل ميشيل”، ورئيس الوزراء الأرميني “نيكول باشينيان”، وتحدث حينها “علييف” باستحسان عن مشاركة “ماكرون” في الاجتماع.
ولكن في أعقاب المقابلة التلفزيونية، قال “علييف” إن دعوة “ماكرون” جاءت من باب اللباقة فقط، نظراً لأن فرنسا لم يكن لها أي مكانة في عملية الوساطة بعد تهميش مجموعة مينسك، الهيئة الدبلوماسية التي توسطت في المحادثات بين أرمينيا وأذربيجان قبل عام 2020، التي تُعَدُّ فرنسا أحد رؤسائها الثلاثة.
لذلك، تأكد للجميع، أن الموقف السياسي الفرنسي له لون تحيّز واحد وهو واضح للعيان إلى جانب أرمينيا، وبعدم التوازن، فهو كان درج على تجاهل احتلال أرمينيا للأراضي الأذربيجانية نحو ثلاثين عاماً متواصلة، وغَضَ النظر عن المذابح التي ارتكبتها أرمينيا بحق السكان المدنيين ونهب المدن والقرى الأذربيجانية، وكذلك الأمر الفرنسي حِيال “قره باغ” التي هي منطقة أذربيجانية عبر كل العصور، وهي أرض معترف بها دولياً ضمن سيادة أذربيجان، وبالتالي تُعتبر في القانون الدولي والمنطق والواقع وحقائق التاريخ الجزء الذي لا يتجزأ من أذربيجان، وأن حقوق وأمن السكان الأرمن الذين يعيشون فيها إنمَّا هي مسألة داخلية لباكو، ومضمونة بموجب دستور أذربيجان، التي تتعرض لمجموعات انتقامية أرمينية تناصرها باريس، وهو أمر لا يُسهم في إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة القوقازية، التي شهدت في 27 سبتمبر/أيلول 2020 عملية تحرير الجيش الأذربيجاني لأراضيه المحتلة في “قره باغ”، عقب هجوم شنه الجيش الأرميني على مناطق مأهولة مدنياً، وبعد معارك ضارية استمرت 44 يوماً بلياليها، أعلنت روسيا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 توصُّل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ينص على استعادة باكو سيطرتها التاريخية على محافظاتها التي كانت مُحتلة، وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 2020 أعلن الرئيس العظيم إلهام علييف يوم 8 نوفمبر “يوم النصر في الحرب الوطنية العظمى الأذربيجانية”، وهو تاريخ دخول القوات الأذربيجانية مزهوَّة ومُنتصرة إلى مدينة شوشا بعد تحريرها الكامل والشامل، بالرغم من المِيزَان الفرنسي الغَيِر الوَازَن الذي قُصِمَ ظهره المُحدَودَب والمُعْوَج وتعثّر لسانه فاشتباك حروفه فإسكاته.