ويحتفي الجزائريون هذا العام بذكرى استرجاع السيادة الوطنية، وهم يشهدون تجسيد معالم عهد جديد، يستند إلى إرادة سياسية قوية بدأت ب54 التزاما تعهد بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أمام الشعب الجزائري قبل أزيد من عامين، كان عنوانها الكبير “خدمة الشعب” من خلال تجنيد الوطنيين الغيورين الثابتين على المبادئ النوفمبرية، لمحاربة الفساد والتحايل وأخلقة الحياة العامة وإشاعة روح المبادرة وتشجيع الاستثمار وخلق الثروة وتكريس المواطنة والحس المدني والاعتزازِ بالهوية والانتماء.
السرعة والفعالية في رص لبنات الجزائر الجديدة والتدرج في تنفيذ ورشات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفق منطق أولوياتي مدروس وممنهج، أدت في ظرف قياسي إلى عودة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
كما نتج عن هذا الجهد والنية الصادقة في الإصلاح، انخراط غير مسبوق لشباب كان مغيبا لفترة طويلة من الزمن، واستفاق على وقع نداء قوي وجهه له الرئيس تبون في أول خطاب له للأمة عقب أدائه اليمين الدستورية، حيث أكد أن نهج عمله “يستمد روحه من مبادئ ثورة أول نوفمبر التي هي المرجع الثابت لكل السياسات المتطلعة إلى جزائر جديدة ومنيعة تتحقق فيها بإرادة الشعب، دولة المؤسسات ويعلو فيها الحق والقانون وتتبوأ فيها كفاءات من الشباب مواقع المسؤولية لتحقيق الوثبة النوعية المبتغاة على درب النهضة الشاملة”.
وبعد هذه الاستفاقة، يجد الشباب نفسه اليوم، عشية الاحتفال بعيدي الاستقلال والشباب، على رأس هيئات دستورية وقطاعات وزارية حساسة ومؤسسات اقتصادية كبيرة، بل وبلغ مبلغه في المشاركة في الحياة العامة وصنع القرار، من خلال تنصيب رئيس الجمهورية قبل أيام للمجلس الأعلى للشباب، الذي سيكون بمثابة برلمان حقيقي تمر عبره كل القضايا المتعلقة بالشباب ويرفع بشأنها اقتراحات وتوصيات إلى السلطات العمومية وإلى رئيس الجمهورية بصفة مباشرة. و قبلها كان قد نصب المحكمة الدستورية و المرصد الوطني للمجتمع المدني.
ولأن العهد كان مسؤولا، فإن التزامات الرئيس تبون التي بدأت بتعهدات انتخابية وتبلورت في برنامج سياسي طموح، أصبحت اليوم واقعا ملموسا جوهره دستور نوفمبر 2020 ومعالمه مؤسسات دستورية جديدة ومجالس منتخبة كرست القطيعة مع ممارسات الماضي واختارت الاندماج في مشروع وطني واعدة.
وعليه، فإن الجزائريين يستعدون للاحتفال بذكرى استرجاع السيادة الوطنية، مؤكدين انخراطهم في مسعى توافقي جديد تبلور في مبادرة لم الشمل التي أطلقها رئيس الجمهورية لمواجهة التحديات الإقليمية الصعبة والرهانات الدولية المعقدة، دعامتها الحوار ومبتغاها تعزيز اللحمة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية، وهو المسار الذي التفت حوله كل مكونات المجتمع الجزائري من خلال تفاعلها الإيجابي مع المشاورات التي أطلقها الرئيس تبون.
كما أن العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية واستعادة الجزائر لمكانتها الطبيعية وتواجدها الوازن في مختلف الملفات الإقليمية والدولية ودورها الريادي في نصرة القضايا العادلة في العالم، كلها عوامل زادت من توحد الجزائريين في مواجهة محاولات التشتيت والتفرقة.
إن الجزائر الجديدة التي تحيي هذا العام تاريخ 5 يوليو 1962 تحت شعار “تاريخ مجيد وعهد جديد”، جعلت من الحفاظ على الذاكرة الوطنية والعرفان لتضحيات المجاهدين والشهداء واجبا مقدسا وواحدة من أهم الأولويات، وذلك بتوجيه من رئيس الجمهورية الذي أكد في رسالة له بمناسبة إحياء يوم الذاكرة المصادف للثامن مايو أن “الحرص على ملف التاريخ والذاكرة ينبع من تلك الصفحات المجيدة ومن تقدير الدولة لمسؤوليتها تجاه رصيدها التاريخي، باعتباره أحد المقومات التي صهرت الهوية الوطنية الجزائرية.. وهو حرص ينأى عن كل مزايدة أو مساومة لصون ذاكرتنا، ويسعى في نفس الوقت إلى التعاطي مع ملف الذاكرة والتاريخ بنزاهة وموضوعية، في مسار بناء الثقة وإرساء علاقات تعاون دائم ومثمر”.
وقال أيضا في رسالة له بمناسبة عيد النصر (19 مارس) أن الإرث التاريخي للجزائر يعد “أساسا صلبا تقوم عليه اليوم الدولة الوطنية المستقلة التي صمدت وانتصرت بمرجعية نوفمبر، أمام الهزات والمحن”.
وعلى هذا الأساس، فقد تم إيلاء أهمية خاصة لإحياء الذكرى ال60 للاستقلال من خلال برمجة تظاهرات كبرى ونشاطات متميزة، تشارك فيها كل القطاعات والمؤسسات والهيئات والمجتمع المدني عبر مختلف ربوع الوطن.