جريدة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
ذات يوم من أيام هذا العام، استفقت مُبكراً من نومي و”مَفزوعاً” لظهور شعار وضيع “كُتب” بمفردات دونيّة ومُستفِزة، خطّه أحد الرُعاع ببنطٍ عريض مقابل منزلي بالضبط. يَعود نشر ذاك الشعار إلى بدايات التصريحات الاستعمارية الصَّفيقة التي أطلقتها إدارة ترامب الأمريكية المتصهينة والمُسانِدة لكيانها الامبريالي الصهيوني، والداعمة إتيانه حربياً على البقية الباقية من فلسطين العربية المُعذّبة؛ بقايا الضفة الغربية وغور الأردن.
ليس سراً أن حفنة بيلديربيرغ الصهيوأنجلوسكسونية، تواصل تفعيل خطواتها الأخيرة لمشروعها الاحتلالي الاسترقاقي لفلسطين، من خلال مايُسمّى بـِ(الصهيونية الدينية)، هادفة علانيةً وبدون خجل أو وازع قانوني إلى توظيف الأوضاع العالمية والعربية المُهلهلة لتمزيق أوصال بلداننا نهائياً، تكريساً للفصل الجيوسياسي لعالمنا العربي الأفروأسيوي الواسع والاستراتيجي الموضع.
“الإدارة” الأمريكية التي يُوصِمها شعبها هذه الأيام بعنصرية عميقة تجاه (الأغيار) وفقاً للمفهوم الصهيوأمريكي، توكّل مهمتها الاحتلالية اللصوصية لحربتها الصهيونية الاستعمارية التي وُلدت وترعرعت واشتد عودها في دُور حضاناتها الغربيات بالذات. ففي تلك الحضانات يُوكَلُ إليها مهمة “استكمال” إدماء القلب العربي بطعنات عميقة وقاتلة، للاستفراد بنا (بالقطّاعِي)، ولتتخلص “الغربيات” نهائياً مِن كل وثبات التحرّر ومشاريع الوحدة والحرية والحياة الأفضل والسيادة والاستقلالية والتقدم الحضاري العربي، فعلى أُسُس هذه الشعارات النبيلة بالذات قامت ثورة العرب العُظمى، بزعامة الشريف الحسين بن علي الهاشمي، أول من نادى باستقلال العرب.
من الصادم لجميع مَن يقرأون ذاك الشعار الذي (دَبَّجَه) مواطن شاب بطلاء أسود عريض على جدارٍ شاسع لشركة تقوم مقابل منزلي، أن الأُميّة اللغوية والثقافية والسلوكية تطغى عليه، برغم عدائه للاحتلال، لكن إيصال الرسالة السياسية لا يتم بأسلوب أقل ما يوصف بأنه همجي. الشاب، وأنا لا أعرفه، لم يُدرك أنه بكلماته المُفرِطة في سوقيتها ودونيتها، لم يَطعن اللغة العربية في القلب فحسب، بل وخدش حياء العامة ونصف المجتمع الذي تُشكّله زوجاتنا وأخواتنا وبناتنا أيضاً، وسوّق لشقيقنا العربي وصديقنا الأجنبي صورة مُغايرة لمواطننا الأردني الصالح والواعي، الناهض والمؤدب والمثقف سياسياً والملتزم سلوكياً.. إنما أفراد أغبياء يُسيئون للأكثرية.
الشعار الذي نحن بصدده مُنحَرف وخرِفُ الصياغة ويعكس تدنياً سلوكياً لصاحبه، ويتقصد إهانة المجتمع، وربما يجد لذة في مفرداته المُشِينة. أناشد أمانة عمّان الكبرى، وتلك المؤسسات والمواطنين الذين يجدون على جدران منازلهم شعارات لا حياء فيها، استبدالها بأخرى تعكس رُقي مجتمعنا وناسنا. فها هي جدارن عَمّانية كثيرة تغص برسوماتٍ وصورٍ مُحببة للعيون ونجد متعة في متابعتها.. والسؤال يبقى: لماذا لم تتم إزالة كتابات دونية نجدها حتى على جدران مدارس طالباتنا، ولا يأبه لسوئها أحد؟!
للأسف، يسوّق الأعداء سلوكيات منحرفة يقترفها بعضنا بزعمهم “طغيانها” في مجتمعاتنا العربية، ويكيلون من خلالها مختلف الأوصاف المسيئة لنا. لقد آن الأوان لتصحيح هذا الوضع، وإنزال عقوبات رادعة ومانعة بمن يشوّهون مثالية عاداتنا وتقاليدنا الدينية والمجتمعية الشريفة.
*كاتب وصحفي أردني.