جريدة الدستور الأردنية/
الاكاديمي مروان سوداح*
قبل أيام قليلة، قررتُ «جس نبض وسط البلد». توجّهت مَشياً على قدَمي إلى الأسواق الشعبية فيها، حيث الفاكهة والخضار و..الخبز الطازج أيضاً.
في الواقع، خشيت على نفسي كثيراً من «مشاهداتي الشعبية» في تلك البقعة المُنخفضة من عَمّان/عَمّون العزيزة التي بناها أجدادنا بكفاحٍ طويل وتضحيات جِسام. هناك في مركز عَمّان التاريخي، استمتعت بالآثار القديمة التي تحكي قصصاً لم تَعد الأجيال الحالية تستذكرها ولا تقرأ عنها، فثقافة الكتب في اضمحلال.
هناك في «الوسط» وبجانب (سبيل الحوريات) في (سوق السّكر)، تنضح رائحة كريهة يشمئز منها الأجنبي والمحلي على حدٍ سواء. تتلخص المسألة في أن (سقف السيل) القديم الذي جاور (سبيل الحوريات) منذ عصور سحيقة، مكشوف تماماً في أحد جوانبه المُطلة على (سوق السّكر) ومتاجره التي تبيع الغذاء والدواء! الرائحة المُنبعثة من هذا السيل – الذي كان رافداً لشعب عمّون العظيم وشاطئاً للسباحة – تحوّل اليوم إلى شبه مكب للنفايات وموقعاً للروائح النتنة بكل ما في الكلمة مِن مَعنى، وهو مَشهد لا يليق أبداً لا بعمّون ولا بعمّان، ومضاد للسلامة العامة أيضاً. فهناك يسير يومياً آلاف المواطنين والسيّاح والأجانب مِمَن يعملون في البلاد كخبراء.
في صورة أُخرى، هالني عدم التباعد بين المشترين في السوق، فهؤلاء كانوا بأعداد ضخمة، يبيعون ويشترون ويتبادلون النقد المعدني بأيديهم العارية وكأن شيئاً لم يحدث.. لا كارونا ولا ما يحزنون!
والأدهى، أن عاملاً في مَخبز في ذات السوق، يبيع خبزاً بيديه العاريتين وفي الوقت نفسه يتعامل بالمسكوكات المعدنية الملوَثة، برغم أنه يرتدي كمّامة ويضع غطاءً أزرق اللون على رأسه! والأكثر حسرة في هذا المشهد المُبكي، أن أحداً من المواطنين لم يلفت انتباه البائع لضرورة تغطية يديه، واستمر جميعهم بشراء الخبز وكأن شيئاً سلبياً لم يحدث! هذا المَشهد في زمن أخطار كارونا يؤكد لنا تدني مستويات الوعي الصحي عند جانبي المعادلة: البائع والمُشتري، وهو ما يَستدعي من الجهات المختصة جهداً مضاعفاً وعقوبات أكثر ردعاً للمخالفين، بخاصة في مربعات التجمعات الشعبية.
وفي مخبز حديث في موقع عَمّاني عريق، وحين همّت زوجتي (الأجنبية!) بشراء خبز «الشراك» لتجهيز «سدر مَنسف» تتقن طبخه، سارع أحدهم دلف لداخل المخبز من الشارع إلى «تعليمها!» (كيفية وضع الخبز في الكيس!). هذا المواطن، وإن كان في كامل قواه العقلية، إلا أنه سَمَحَ لنفسه بدون إذنٍ منها.. أولاً: بالاعتداء على خصوصيتها واستقلاليتها؛ وثانياً: بتلويث الخبز بيديه العاريتين من القفازات ورأسه المُشرع بدون أي غطاء، تُطالِب الجهات الرسمية والصحية المواطنين الالتزام بها في كل الأماكن العامة والمَحال. لكن ما يستدعي الاستهجان الشديد هنا، أن عقيلتي التي وقفت موقفاً حازماً من هذا التدخل في شؤونها الخاصة، ورفضت أن تتسلّم الخبز المُلّوث، لم ترَ من جانب مسؤولي المخبز وموظفيه والمشترين أيضاً أي تقريع للرجل الغريب المُتدخِّل بشؤونها الشخصية، بالرغم من أنه لا يلتزم أبداً بمتطلبات السلامة الصحية.