وتشكل هذه المناسبة التاريخية العظيمة فرصة سنوية لاستذكار النضالات وملاحم الكفاح المتعددة الأوجه التي خاضتها ساكنة المنطقة على غرار الشعب الجزائري كافة ضد المستعمر الفرنسي من أجل استرجاع السيادة الوطنية وحماية التراب الوطني كاملا والذي كانت تستهدفه أطماع الاستعمار البغيض من خلال ما يسمى بسياسة فصل الصحراء عن باقي أجزاء التراب الوطني، وذلك بإجهاض كافة مخططاته المسمومة في هذا الاتجاه.
وفي هذا الصدد أكد أحمد نعيمي مجاهد في العقد الثامن من عمره من حي المخادمة (وسط ورقلة) أن النشاط الفعلي للثورة التحريرية المظفرة في المنطقة انطلق سنة 1956 ، سيما بعد استحداث الولاية السادسة التي تمثل الصحراء الكبرى طبقا لقرارات مؤتمر الصومام التي تتضمن نصوص التنظيم الثوري لجبهة التحرير الوطني بمناطق الجنوب الجزائري التي كانت تشكل مناطق هامة لتموين الثوار بالأسلحة من الدول المجاورة.
وعمل المجاهد نعيمي الذي كان قد التحق بصفوف جبهة التحرير الوطني في سن مبكرة (لم يكن يتجاوز الثامنة عشر) مع العديد من مجاهدي وشهداء المنطقة، وكان مكلفا بجمع الأموال من المناضلين لشراء الأسلحة والذخيرة من دول مجاورة ومن بينها ليبيا.
وكانت تلك الأسلحة والذخيرة تحمل على ظهور الإبل بطرق سرية إلى غاية منطقة ورقلة، لتوجه بعد ذلك بأوامر من جبهة التحرير الوطني نحو مناطق أخرى على غرار بسكرة وبوسعادة ومتليلي وجبال الأوراس وغيرها، حسب شهادته.
وأكد في هذا الخصوص بقوله” تشبعت بالأفكار التحررية وحب النضال ورفض تواجد الاستعمار بالمنطقة بفضل والدي الذي كان متشبعا بقيم الثورة والحرية، ورافضا لتوغل الاحتلال بجنوب الوطن، حيث تعرض لعدة اعتقالات قبل اندلاع ثورة نوفمبر الخالدة، بالإضافة إلى تأثري الكبير بالأناشيد الوطنية التي كانت تبث عبر الراديو حينها، فضلا عن دروس الشيوخ التي كانت تقدم بالمدارس القرآنية الذين غرسوا في نفوسنا قيما روحية ساهمت في تعزيز مشاعر حب الوطن والحفاظ على الهوية الوطنية”.
ومن جهته، أوضح المجاهد ومسؤول قسمة المجاهدين بورقلة مبروك سيد روحو “أن تاريخ الإعلان عن اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المباركة كان بمثابة بداية عهد جديد للجزائر لمحاربة المستعمر الغاشم الذي كان يحاول بكل السبل القضاء على الهوية الوطنية واستغلال ثروات البلاد، سيما بعد اكتشاف العديد من الثروات الباطنية الثمينة بالجنوب، وكان هذا الحدث التاريخي بداية النضال بفضل عزيمة رجال مخلصين”.
وأردف قائلا: ” لقد حضرت استشهاد عدة مناضلين الذين ناضلت معهم وتحت إشرافهم، والحمد لله لقد تحقق الهدف باسترجاع السيادة الوطنية كاملة بعد قرن و
32 سنة من احتلال واستعباد ومعاناة وتشريد وتقتيل شعب أعزل بأبشع الطرق والوسائل”.
وذكر المجاهد سيد روحو أن الموفدين الأوائل لجبهة التحرير الوطني قد ناضلوا بقوة من أجل دعم وتنصيب الخلايا المدنية لجبهة التحرير الوطني، وكان من بينهم الشهيد العقيد سي الحواس الذي تنقل من أجل هذه المهمة سنة 1955 إلى ورقلة بغرض تنظيم العمل الثوري بحكم الطبيعة الصحراوية للمنطقة.
يستذكر في هذا الصدد شتى أنواع التعذيب التي مارسها المستعمر الغاشم بعد توقيفه وسجنه بعد انتشار خبر التحاقه بالثوار وكان عمره حينها 17 سنة، بعد أن رفض الكشف عن المهام التي كلف بها والتي كانت تتعلق بالخصوص- كما أضاف– في التواصل مع خلايا الثوار عبر مختلف مناطق الولاية.
وأضاف قائلا:” لقد واجهت جبهة التحرير الوطني الممثل الوحيد والشرعي للقضية الجزائرية وجناحها العسكري (جيش التحرير الوطني ) أعظم قوة استعمارية مدعومة في سياستها الاستعمارية بأكبر قوة عسكرية متمثلة في قوات الحلف الأطلسي، وعليه فإن تاريخ 5 يوليو 1962 يشكل تتويجا لمسيرة حافلة بشتى أشكال كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي”.
وأكد المجاهد مبروك سيد روحو أن مليون ونصف مليون شهيد كان ثمنا غاليا لنيل الاستقلال، مشيرا أن عظمة هذه الثورة وصداها عبر جميع قارات العالم قد حرر شعوبا أخرى مضطهدة بعدة مستعمرات.
وفي خضم هذه الأحداث التاريخية استذكر المجاهد أيضا مشاركته في المظاهرات الشعبية 27 فبراير 1962 التي قام بها سكان المنطقة تعبيرا منهم عن رفضهم القاطع للسياسة الاستعمارية الرامية إلى فصل الصحراء عن باقي أجزاء الوطن، أيضا تنديدهم الشديد بسياسته القمعية التي مارسها ضد الساكنة بهدف تفكيك بنية المجتمع محليا وفي عموم مناطق الجنوب أيضا.
ورقلة …. القاعدة الخلفية للثوار ومركزا هاما لتزويد الثورة بالسلاح
ومن جهته ذكر السيد سليمان بومعقل، مسؤول التراث التاريخي والثقافي بمديرية المجاهدين وذوي الحقوق بولاية ورقلة بأن مقاومات شعبية عديدة على غرار مقاومة محمد شريف محمد بن عبد الله وبوشوشة قد واجهت جيش الاستعمار الفرنسي منذ دخوله إلى ولاية ورقلة سنة 1854.
وأشار في هذا الخصوص “أنه وعلى الرغم من الحصار العسكري الشديد الذي كان مفروضا على المنطقة إلا أن الوعي التحرري لدى الساكنة جعل من المنطقة قاعدة خلفية للثوار، حيث كانت مركزا هاما لتزويد المناطق الثورية للوطن بالأسلحة والذخيرة التي كانت تدخل عبر ليبيا كما كانت مكانا للراحة لهم”.
وأكد السيد بومعقل بأن التنظيم الثوري بورقلة كان جد محكما، وكان ينشط في سرية تامة بواسطة الخلايا الأربعة عشرة التي كانت تنشط بأوامر من جبهة التحرير الوطني.
وبدوره ذكر الأستاذ لخضر عواريب، المهتم بالتاريخ وصاحب كتاب “دراسة وأبحاث في تاريخ ورقلة” أن الولاية كانت تحت ضغط الإدارة العسكرية الفرنسية، اذ كانت منطقة عسكرية ومراقبة وكانت كافة تحركات وتنقلات الساكنة والتجار والبدو الرحل تتطلب ترخيص المرور الذي يسلم من طرف إدارة الاحتلال.
كما تطرق الأستاذ عواري إلى النقص الكبير في المرافق التعليمية والإدارية حينها، والتي كانت شبه منعدمة باستثناء فروع بلدية ومدرسة واحدة كانت تخدم مصالح المستعمر بالدرجة الأولى.
وأشار إلى أن المجلس الثوري بورقلة كان يعمل من أجل الحفاظ على النشاط الثوري بالمنطقة باعتبارها “رئة الثورة” سيما بعد غلق الحدود وإقامة الأسلاك الشائكة.
فعلا ثورة مظفرة ومنظمة تنظيم محكم ودور ورقلة والجنوب الجزائري ككل لعبت دورا هام ومحوري في نجاح هذه الثورة العظيمة ثورة المليون والنصف مليون شهيد حيث لعبت دورا هام في تموين الاوراس في البداية وكل الوطن بعدها بالاسلحة والذخائر التي استعملت في اندلاع شرارتها الاولى … المجد والخلود للشهداء وتحيا الجزائر من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها