شبكة طريق الحرير الإخبارية/
بقلم: الكاتب والصحفي السوري سامر كامل فاضل.
صديق الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب اصدقاء وحلفاء الصين.
حظيت أوكرانيا على الدوام بأهمية كبيرة كدولةٍ بالنسبة لروسيا دوناً عن كل الجمهوريات السوفيتية التي تفكّكت عن الاتحاد السوفيتي، بدءاً من موقع أوكرانيا الجغرافي الهام على البحر الأسود إلى مجاورتها لأوروبا، فكانت السياسة الخارجية الأمريكية ومن خلفها دول حلف الناتو تبني خططها الاستراتيجية اعتماداً على هذه الأهمية بالعمل على منع حدوث أي تقارب سياسي بين روسيا وأوكرانيا.
في عام 2004 جرت الانتخابات الرئاسيّة في أوكرانيا والتي فاز فيها فيكتور يانوكوفيتش والذي كان رئيساً للوزراء في عهد كوشما، وقد عمد أثناء رئاسته للوزراء إلى إرسال بعثةٍ عسكريةٍ أوكرانية شاركت مع الأمريكيين وقوات التحالف في الحرب على العراق عام 2002، وكان يتطلّع دائماً إلى إقامة معاهدة شراكة مع الأوروبيين مع الحفاظ على العلاقة الجيدة مع روسيا رافضاً فكرة الانضمام إلى حلف الناتو التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والتي أزعجها هذا الرفض الذي يَحول دون تنفيذ مخطّطها البعيد المدى في الوصول بقواعد حلف الناتو إلى أغلب الدول المحيطة بروسيا ومحاصرتها، فعمدت أمريكا بعد وصول يانوكوفيتش إلى السلطة إلى تحريك القاعدة الشعبيّة لمنافسهِ يوتشينكوفيتش زعيم المعارضة المعروف بتوجّهاته السياسية الغربية وميلهِ إلى أوكرانيا أوروبيّة بعيدةً عن روسيا سياسياً وإيديولوجياً، فشكّكت جهات محلية وعالميّة ومراقبون دوليّون في نزاهة العملية الانتخابية التي فاز فيها يانوكوفيتش وقامت مظاهرات شعبية ضخمة في العاصمة كييف و مقاطعات أخرى وهي ما عُرف باسم الثورة البرتقالية والتي أدت إلى إلغاء نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الدستورية العليا في البلاد وإجراء انتخابات جديدة أوصلت زعيم المعارضة يوتشنكوفيتش إلى السلطة.
وقد تميّز عهده بالفساد وتغلغل النفوذ الأوروبي في أوكرانيا وعجز عن تحقيق أي إصلاح حقيقي كان يحلم به المعارضون الأوكرانيون آنذاك وقد مهّد ذلك كله لعودة يانوكوفيتش مرةً أخرى إلى السلطة عام 2010 والذي عمد إلى سياسة تعزيز دور أوكرانيا وقوتها تجاه الدول المحيطة بها، مع ضرورة الحفاظ على علاقة مع موسكو مبنيّة على المصالح المشتركة بين البلدين، مع الانفتاح على الاتحاد الأوروبي ولكن بشكلٍ مدروس، مما زاد في مدى الانقسام بين فئات الشعب الأوكراني بين من يريد التمسّك بالتوجّه الشرقي والحفاظ على علاقة استراتيجية مع روسيا وبين من يريد تغيير الاتجاه كليّاً نحو غرب أوروبا.
وقد أثارت المعاهدة التي تمّ توقيعها مع روسيا لاستثمار قاعدة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم لمصلحة الأسطول الروسي استياء “المعارضة” التي تتشكل معظمها من نازيون جدد و المدعومة أوروبيّاً والتي استعملت القوة في محاولةٍ لاستعادة السيطرة على الحكم في أوكرانيا وحصلت صدامات مع الشرطة نتج عنها العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الطرفين، وكان ذلك في فبراير عام 2014 وخرجت الأمور عن السيطرة وغادر الرئيس يانوكوفيتش البلاد طالباً اللجوء السياسي إلى روسيا وتولّى يوروشينكو السلطة في أوكرانيا.
هذه الأحداث دفعت روسيا إلى إدخال قواتها إلى شبه جزيرة القرم وضمِّها قبل أن تتحوّل إلى منصّةٍ لحلف الناتو على يد المعارضة الجديدة التي تولّت زمام السلطة في كييف، في معلوماتٍ مسبقة لموسكو عن خطّة الناتو للوصول إلى القرم.
فقد أصبحت أوكرانيا في عهد يوروشينكو مفتوحةً بشكلٍ كامل على أوروبا وتغلغلت فيها الشركات الغربيّة بأموالها الضخمة من خلال خصخصة الحكومة الأوكرانية لمعظم قطاعات الدولة وسيطرت الأحزاب اليمينيّة على مفاصلها وصولاً إلى الجيش والقوى الأمنيّة، لتُصبح كل توجهات كييف في أيدي أوروبا وأمريكا، وليقتصرَ النفوذ الروسي على المناطق الشرقيّة فقط وهي دونباس ودونيتسك وخاركييف و لوهانسك والتي بدأت تطالب بانضمامها لروسيا وحظيت بدعمٍ روسيٍ سياسي وعسكري.
في عام 2019 فاز فولوديمير زيلينسكي بالانتخابات الرئاسية الأوكرانية وهو الممثل الكوميدي الشهير عديم الخبرة السياسية فهو لا يملك الحد الأدنى من مقوّمات العمل السياسي، وهو اليميني اليهودي الأصل الذي تم ترشيحه من قبل الحزب اليميني مستغلاً شعبيته بين الأوكرانيين في المجال الفني، وقد أعلن في أول لقاءٍ له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن رغبته في تغيير بعض بنود اتفاقية مينسك الموقّعة بين الطرفين عام 2015 والتي هدفت وقتها إلى تخفيف التوتر بين الجيش الأوكراني والمجموعات المدعومة روسيّاً شرق البلاد، وبدأ بالحديث عن ضرورة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وعمدَ إلى إغلاق ثلاث محطات تلفزيونية صديقة لموسكو وملاحقة أصحابها، وأطلق يدَ أعداء موسكو في الدولة ومَرافقها.
باختصار قام زيلينسكي بالقضاء على أي نفوذٍ لأصدقاء موسكو في الدولة الأوكرانية في سياسةٍ واضحة عنوانها العداء الكامل لروسيا وانحيازاً إلى الغرب الأوروبي وأمريكا التي تسعى للوصول إلى الحدود الروسية بأي ثمن بعد أن نجح الناتو بضم دول البلطيق وأغلب دول أوروبا الشرقيّة والتي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق قبل تفككه أو التي كانت عضواً في حلف وارسو في مخالفةٍ واضحة لكل الاتفاقيات بين روسيا وأمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ولم تكن عمليّة تحرير شبه جزيرة القرم وغيرها من قبل روسيا إلّا خطوة (لاستعادة الاراضي الروسية التاريخية التي سبق وأهداها لينين بشكل غير قانوني لاوكرانيا)، رادعة من قِبل بوتين بوجه محاولة الغرب محاصرة روسيا وإبعادها عن المياه الدافئة، كما فعل سابقاً في الوقوف بوجه تحويل جورجيا إلى قاعدة لحلف الناتو، عندما استعادت روسيا عسكريّاً أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من أيدي القوات الجورجية.
لا شكّ أن الانكفاء الأميركي بانسحابه من أفغانستان وفشله في خطّة الانقلاب في كازاخستان بعد التدخّل الروسي السريع وحسمها، دفع واشنطن لردّ الاعتبار في أوكرانيا و دفع أوكرانيا لخوض حربٍٍ بالوكالة عن أميركا والناتو ضد روسيا بإعادة طرح فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو المرفوض كليّاً من قبل موسكو إلى حدود الحرب الشاملة لو اقتضي الأمر ذلك وهذا ما حدث فعلاً، فكان الخَيار العسكري الروسي الذي سيغيّرُ قواعد النظام العالمي الجديد ويعيد مجد الدولة الروسية من جديد.