بقلم عدنان آدم ، عضو مؤسسات المؤتمر الشعبي اللبناني في طرابلس.
یعد التطور الحضاري من الصفات الملازمة للمجتمعات الإنسانية الحية والساعية للبقاء على قيد الحياة، وأي أمة لا یكون التطور والتقدم والابتكار هاجسها ولا یكون الشباب عمادها وأساسها، فهي حكما أمة تحتضر وتترنح كالغريق، ومن هنا تكمن أهمية خلق بيئة جيدة لرعایة الشباب، تكون مستقرة تتمتع بالأمن والأمان في ّكافة المجالات العلمية والسياسية والاقتصادیة وغيرها لكي تستطيع أن تقدم الدعم لأجيالها الجديدة من الناشئة والشباب.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التطور والتقدم القومي والوطني لا یحدث فجأة أو دفعة واحدة، إنما یحتاج للوقت والجهد المستمر كي يتخمر ويتعتق، وأولى معالمه تبدأ بالظهور على المستويين السلوكي والفكري للأفراد داخل المجتمع الواحد كما أن استجابات الأفراد والمؤسسات تختلف درجاتها باختلاف نسبة الالتزام بمنظومة القيم والمعايير الوطنية والإنسانية التي يتبناها الأفراد وتتحدد بموجبها علاقاتهم الاجتماعية أو تبنى على أساسها قواعد السلوك الفردي والجماعي .
مما لا شك فيه أن الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل، وهذه الحقيقة ليست إنتقاص من باقي الفئات، إنما هي إمتداد لها، فالفئة الشابة هي الأكثر حيوية وحركية، والأغزر خصوبة من حيث الأفكار، وهذا ما يوضح لنا ماهية المشاكل التي تواجه الشباب في المجتمعات العربية، والتي تبدأ حين تصطدم بالتركيبة السياسية الهرمية المتجذرة بمواقع صناعة القرار، والتي غالبا ما یحكمها الاحتكار السلطوي والذي قد یمتد لعقود، وللأسف وطني لبنان نموذجا لمثل هذه الممارسات السلطوية، فقد تجد مواقع صناعة القرار في وطني محتكرة من نفس الأشخاص لأكثر من أربعين سنة. وإن كان هذا الأمر مقبولا في السابق، فهو يتم التصدي له الآن من قبل الشباب. فمن غير المنطقي اتخاذ قرارات تخص المستقبل دون الرجوع لجيل المستقبل واخذ آرائه في عين الاعتبار وإشراكه في وضع جداول الأعمال وعملية صنع القرار، وهذا ما یجيب على السؤال المحوري للمقال، ” لماذا إخترنا التجربة الصينية كنموذجا وكيف تربعت الصين تحت عنايته على عرش الاقتصاد العالمي ” ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في معرفة السر وراء صعود الصين وتقدمها حتى وصلت إلى المركز الثاني عالميا على المستوى الاقتصادي، وكما یجب استحضار تجربتها في الحكم الرشيد وعظمتها من حيث التخطيط والشفافية في العمل، والذي كان الحزب الشيوعي الصيني عرابه منذ النشأة الأولى للجمهورية الجديدة على يد الزعيم ماو تسي تونغ ورفاقه الإثنا عشر .
إن هذه التجربة لم تأت دفعة واحدة، بل شهدت تقلبات وتغيرات كبيرة لا سيما على المستوى السياسي، كما
أن الانتقال من الشيوعية إلى الشيوعية المرنة القابلة للتطور مع روح العصر والتي سميت بالشيوعية ذات الخصائص الصينية، كان له بليغ الأكثر بتسهيل عملية التقدم والسمو، أضف إلى ذلك إستمرار قيادات الحزب من بعدها في التطوير والتخطيط وإعداد الدراسات بما يتوافق ومستحدثات كل جيل، مع معالجة الأخطاء وتعديل الاستراتيجيات وفرض نظام رقابي صارم لأبعد حد ومتابعة دقيقة للتنفيذ، ومؤخرا أضاف الحزب الحاكم بتعليمات من الزعيم الجديد شي جين بينغ، بند جديد ألا وهو مكافحة الفساد بأوجهه المختلفة وفي مختلف نواحي الحياة، والضرب على الشخص الفاسد بيد من حديد مهما كان منصبه أو مكانته.
وإذا ما إنتقلنا إلى المقلب الآخر – واقع الشباب العربي – وصغنا عنوان مقالتنا بطريقة استفهامية: “لماذا التجرية الصينية حلم يراود الشباب العربي؟ تتضح الرؤية أمامنا، كما نجد أن حلول الكثير من مشكلاتنا الاجتماعية تندثر في حال أستحضرنا التجربة الصينية وأعدنا صياغتها بما يتناسب وخصوصية المجتمعات العربي، الدينية والثقافية والحضارية، كما نجد بها الخلاص لمعالجة أم المشاكل في عالمنا إلا وهي البطالة المتفشية بمختلف مسمياتها.
– البطالة في العالم العربي:
إن العلاقة العكسية بين التقدم والتطور الحضاري من جهة وبين البطالة من جهة أخرى، ما هي إلا تجسيد لواقع المجتمعات وتوجهاتها، فلا سبيل إلى السير قدما إلا بحلحلة المشاكل المعوقة، وأهمها البطالة، فبحسب آخر الإحصائيات الرسمية للبنك الدولي وبالتعاون مع منظمة العمل الدولية في أيلول 2018 فإن نسبة البطالة في المنطقة العربية تصل إلى 9.81 % من إجمالي السكان، بينما یصل المعدل العالمي إلى 5.38 %فقط، ففي الوطن العربي لوحده يوجد أكثر من 16 مليون عاطل عن العمل أغلبهم من الشباب، كما یسجل الوطن العربي أعلى معدلات البطالة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهنا تكمن أهمية الاستفادة من الخبرة الصينية في مكافحة الفقر .
انتهج الحزب الشيوعي الصيني أساليب عدة لمواجهة الفقر والبطالة، كما حقق نصرا مؤزرا في هذه المعركة، والنقاط التي سنتحدث عنها ما هي إلا غيض من فيض، ومن أبرز هذه المنجزات التي قام بها الحزب:
– التخطيط الدقيق طويل الأمد:
تميز الحزب الشيوعي الصيني وإدارته الحكيمة بالليونة العالية والإنسيابية في التخطيط من خلال سعيه الدؤوب للتخلص من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة، كما أنه لم یستورد أي تجربة سابقة، بل جاءت دراساته انطلاقا من ظروف البلد المعاشة والحياة اليومية، وتنوعت الخطط ما بين قصيرة وطويلة الأجل، ولم تقتصر على مساعدة الأفراد لتلبية إحتياجاتهم فقط، بل شملت مناطق ومدن بأكملها للنهوض بإقتصادها، فضلا عن برامج وخطوات وتدابير محددة لتلبية احتياجات هذه الخطط، ومما ساعد الحزب على نيل مراده، هو ذلك الاستقرار السياسي الذي لا يتغير بتغير رأس النظام المتمثل في رئيس الجمهورية، عكس الأنظمة الانتخابية الأخرى التي تغير خططها بتغير النظام الحاكم بل أحيانا یأتي الجديد كي يهدم ما بناه من قبله من أجل مجد شخصي زائف، وتضع خطط قصيرة الأجل تستهدف الفوز في الانتخابات المقبلة وفي بعض الأحيان لا تفي تلك الأنظمة بما وعدت به.
فمنذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، عمل الحزب والحكومة على التخفيف من حدة الفقر إلى مستوى التخطيط الشامل “خمسة في واحد” و”التخطيط الاستراتيجي”الربعة الشاملة“، واتخذوا ترتيبات جديدة حتى أصبحت الصين في عام 2020 خالية من الفقر.
– حوكمة اجتماعية حررت قوى الإنتاج:
حررت سياسة الإصلاح والانفتاح، خلال السنوات الـ 43 الماضية قوى الإنتاج الاجتماعي في الصين وطَّورتها، وعَّززت سرعة التنمية الشاملة للمجتمع، وعمقت التغييرات في مجال الحوكمة الاجتماعية الواسعة والعميقة، مما جعل تلك السنوات تشهد تغيرات اجتماعية كبيرة، وأخرجت المجتمع من براثن الفقر وأنهت معاناته طيلة عقود من نير الاستعمار، ناقلة شريحة كبيرة إلى مصاف الأغنياء ووسعت شريحة الطبقة المتوسطة، ما عزز القوة الشرائية وحول الصين إلى أكبر وأقوى سوق استهلاكي بفضل الحوكمة الاجتماعية التي حررت المواطن وفتحت الباب أمام الابتكار والإبداع وفقا للظروف الصينية، واتخذت من التكنولوجيا ركيزة للانطلاقة الاقتصادیة مع فتح الباب أما السوق الحر مع مراعاة الدور الاجتماعي وانتشال قرابة 750 مليون مواطن من تحت خط الفقر.
أخيرا، إن إختيارنا للتجربة الصينية كنموذج حضاري لم یأت عبثا، بل جاء بناءا على معايير إنسانية وثقافية
مترسخة في خاطر كل ّعربي أصيل، أهمها أن الصين لم تكن يوما دولة ذات أطماع إستعمارية في وطننا العربي، ولا هي من الدول الدموية التي تعمل على نشر الفوضى الخّلاقة لتحقيق مصالح ضيقة، أضف إلى ذلك نجاحها الكبير في توحيد الأمم الصينية تحت رایة وطنية موحدة تمارس فيها الدیمقراطية بأبهى تجلياتها. والجدير بالذكر هنا، أن جمهورية الصين الشعبية لم تبخل يوما على دول العالم بنقل تجربتها الناجحة، بل كانت تسعى من خلال الزيارات والمؤتمرات الدولية الى نشر هذه التجربة العظيمة، ففي نهایة نوفمبر 2019 إجتمع قرابة 200 ممثل عن مختلف الأحزاب السياسية حول العالم بمدينة نانتشانغ بمقاطعة جيانغشي شرقي الصين، لتبادل الخبرات في مجال الحوكمة مع الحزب الشيوعي الصيني، كي يرى العالم بأسره كيف ارتقت الصين وحققت تلك الإنجازات كتجربة ملهمة تساعدهم على تحقيق التنمية المستدامة، من خلال خارطة طريق واضحة أبرز معالمها الانضباط والشفافية والتقدم والإستفادة من الطاقات الشبابية، مع مراعاة متغيرات وظروف كل دولة.
المحرر: يعكس هذا المقال وجهة نظر الكاتب، ولا يعكس رأي القناة CGTN.
*المصدر: سي جي تي إن العربية.