شبكة طريق الحرير الإخبارية/
مقالة خاصة:
بقلم/ د. فايزة سعيد كاب، مترجمة وباحثة في العلاقات الصينية ـ الدولية
أكدت الصين دعمها وترحيبها لانضمام الجزائر للمجموعة الاقتصادية “بريكس”، على لسان وزير خارجيتها وانغ يي، خلال لقائه بنظيره الجزائري رمطان لعمامرة، على هامش مشاركتهما في الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم25سبتمبر الجاري بنيويورك.
وأشار وانغ يي إلى أن الجزائر دولة نامية كبيرة، وتعد ممثلا عن الاقتصادات الناشئة، وأن الصين تقدِّر انضمام الجزائر لمجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية بصفتها من أوليات الدول الأعضاء وتطبق المبادرة بفاعلية، كما تعتزم العمل مع الجزائر من أجل لعب دور بناء في تحقيق السلام والتنمية العالميين.
وفي وقت سابق، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمة ألقاها خلال افتتاح قمة “البريكس” الرابعة عشرة الافتراضية، تحت عنوان “تعزيز شراكة بريكس عالية الجودة ـ بداية عصر جديد للتنمية العالمية”، المنعقدة في شهر يونيو من هذا العام، إن ضخ دماء جديدة في آلية التعاون للبريكس سيأتي بحيوية جديدة للتعاون في إطار البريكس، وسيزيد من تمثيل دول البريكس وتأثيراتها. مضيفاً، ان دول بريكس قد أجريت في العام الجاري النقاش في مختلف المناسبات وعلى نحو معمق حول توسيع عضوية المنظمة، ومن الضروري المضي قدما في هذه العملية، بما يمكن الشركاء ذوي التطلعات المشتركة من الانضمام إلى العائلة الكبيرة للبريكس في وقت مبكر.
وفي نفس القمة، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إنّ “ما عايشه العالم من تجارب سابقة، يثبت أنّ انعدام التوازن على الساحة الدولية واستمرار تهميش الدول النامية ضمن مختلف مؤسسات الحوكمة العالمية، يشكّل مصدراً مؤكداً لعدم الاستقرار وغياب التكافؤ في التنمية”. ولفت، إلى أنّ “تخلف النمو الاقتصادي في العديد من الدول النامية ليس مسألة داخلية فحسب، وإنما يستمد جذوره من اختلال فاضح في بنية العلاقات الاقتصادية الدولية والهيمنة القائمة لفائدة مجموعة من الدول”.
ولا يزال النقاش حول سعي الجزائر للانضمام إلى منظمة “بريكس” يستحوذ على اهتمام العديد من وسائل الاعلام المحلية والدولية، إذ تتواتر أسئلة حول امتلاك أكبر بلد في أفريقيا مساحة مقومات تؤهله ليكون عضواً في كيان يضمن الدول الأسرع نمو اقتصادي في العالم. وقد أكد الرئيس الجزائري في لقاء صحفي سابق مع وسائل الاعلام المحلية على أن بلاده لديها المقومات اللازمة للانضمام، والشروط الاقتصادية تتوفر بنسبة كبيرة. وأن بلاده مهتمة بالانضمام إلى مجموعة “بريكس”.
كما يرى العديد من الخبراء الاقتصاديين الجزائريين أن الجزائر توفر على كل المؤهلات الاقتصادية اللازمة للانضمام إلى مجموعة بريكس. حيث أنها واحدة من أكبر الدول في افريقيا من حيث المساحة والحجم الاقتصادي، ما يمنحها ” الثقة” الكاملة للمشاركة بنشاط في الحوكمة العالمية.
الجغرافيا الفريدة والموارد الغنية
تقع الجزائر في الجهة الشمالية الغربية للقارة الافريقية، وتعتبر أكبر دولة عربيّة وإفريقيّة من حيث المساحة، ويمتاز الموقع الذي تحتلّه بأهمية كبيرة، حيث أنها أهمّ بوّابات قارة إفريقيا، كما تحظى موانئها بأهمية كبيرة لقُرْبها من خطوط الملاحة البحرية الموجودة في البحر المتوسط، وأيضًا لقربها من الموانئ الأوروبية. ويوجد في الجزائر الكثير من الموانئ البحرية التي تستخدم للتجارة والصيد والنقل البحري. ومع انضمام الجزائر رسميا إلى مبادرة “الحزام والطريق” في 2019، دخلت الشراكة الجزائرية ـ الصينية مرحلة جديدة بالاتفاق على إنجاز مشروع مشترك لبناء أكبر ميناء إفريقي وفي حوض البحر الأبيض المتوسط، ميناء الحمدانية التجاري، الذي سيرتبط بالطريق العابر للصحراء، ومن شأنه فك العزلة عن البلدان الإفريقية غير الساحلية.
كما أن الموقع الجيولوجي الذي تحتله الجزائر مكنها من امتلاك العديد من المعادن والثروات الطبيعية الهامة مثل الحديد، والنحاس، واليورانيوم، والذهب، والرصاص، والزنك، والفحم، والنفط، والغاز الطبيعي، وتمتلك الجزائر احتياطيّاتٍ كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، وهي من أكبر الدول في العالم من حيث إنتاج النفط والغاز الطبيعي. وقد نجحت الجزائر في رفع إجمالي إنتاجها من الغاز الطبيعي خلال 2021 ليصل إلى 100.8 مليار متر مكعب سنويًا مقابل 81.5 مليار متر مكعب سنويًا في 2020 بنسبة نمو سنوية تتجاوز 24%.. وتعتبر مصدر مهم للغاز والنفط للصين، حيث أبرمت شركة الطاقة الوطنية الجزائرية اتفاق مشاركة إنتاج بقيمة 490 مليون دولار مع شركة البترول والكيماويات الصينية (سينوبك). وإن الاتفاق الذي تبلغ مدته 25 عاما سينتج 95 مليون برميل من النفط إجمالا، والقيمة الكلية للاتفاقية تصل إلى 490 مليون دولار، ويغطي منطقة زرزايتين في حوض إليزي (أقصى الجنوب). كما وقعت شركة الطاقة الجزائرية “سوناطراك” عقدا مع مجموعة “سينوبك” الصينية في أوائل هذا العام، بقيمة 25 مليار دينار (178.6 مليون دولار)، لبناء مستودع لتخزين الغاز الطبيعي المسال في مرفأ سكيكدة شرقي الجزائر، بحجم 150 ألف متر مكعب.
الاقتصاد الواعد
يعتبر الاقتصاد الجزائري قوة عذراء وعملاق نائم، حيث لم يستغل كما ينبغي حتى الآن، بالرغم من أن مستوى التنمية الاقتصادية للجزائر يأتي في مقدمة الدول الأفريقية. وتتجه الجزائر إلى إحياء ثرواتها المعدنية غيرِ المستغَلة أملاً في تخفيف العبء على قطاع المحروقات ودخول مرحلة التنوع الاقتصادي، حيث شهدت قيمة صادرات الجزائر خارج المحروقات للمرة الأولى في تاريخها ارتفاع إلى 4 مليارات دولار نهاية 2021، والذي كان يتوقع بأن تبلغ 7 مليار دولار في نهاية 2022. وتظهر الإحصائيات التي أعلنت عنها الجزائر مؤخرا، أن الصادرات خارج المحروقات (خارج الطاقة والزيوت) قد بلغت 3,507 مليار دولار خلال السداسي الأول من 2022، مقابل 2,047 مليار دولار خلال نفس الفترة من السنة الماضية، “أي نصف الهدف المسطر لسنة 2022 وهو 7 مليار دولار”. ويتوقع أن يتجاوز فائض الميزان التجاري للجزائر 17 مليار دولار بحلول نهاية عام 2022. كما أن قطاع الزراعة يعد من أبرز شروط انضمام الدول إلى مجموعة “بريكس”، وتتوفر الجزائر على نحو 40 مليون هكتار صالحة للزراعة، وقدرات مائية ضخمة، الأمر الذي يؤهلها لأن تكون أحد محاور الأمن الغذائي في العالم. كما لجأت الجزائر مؤخراً إلى تغيير قانون الاستثمار ليكون جاذباً لرؤوس الأموال الأجنبية خصوصا المباشرة منها والتي لا تتعدى حاليا 1.3 مليار دولار، بحسب الحكومة الجزائرية. وبخصوص أهم الشركاء التجاريين للجزائر، أبرزت الجمارك الجزائرية أن الصين من الممونين الرئيسيين (16,5 بالمائة) للجزائر. وفي عام 2021، بلغ إجمالي واردات الصين من السلع من الجزائر 7 مليارات يوان، وبلغ إجمالي صادرات الصين إلى الجزائر 41 مليار يوان، وحقق الفائض التجاري للصين مع الجزائر 34 مليار يوان.
الدبلوماسية المستقلة
شهدت الجزائر تاريخًا مؤلمًا من تعرضها لجرائم ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي في حق الشعب الجزائري على مدى أكثر من قرن من الزمن، وقدم الشعب الجزائري تضحيات جسيمة إلى الإعلان الرسمي للاستقلال عام 1962. وتعتبر الدبلوماسية المستقلة أهم ما يميز الجزائر المستقلة، والتي تظهر ثقتها بذاتها كقوة اقليمية، حيث ان الجزائر قد تبنت “مبادئ عدم الانحياز” لتأسيس سياستها الخارجية، وان هذه المبادئ تعكس وجهتها النضالية والوطنية التي عرفت بها بالأمس وتضمن اليوم استقلالها. ويتضح ذلك في الموقف الجزائري من الصراعات المختلفة في العالم، حيث تشدد دائما على موقفها دبلوماسي مستقل تدعوا إلى حل سياسي للأزمات من خلال الحوار والمفاوضات. كما أن الجزائر دائماً وفية لمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة وتعمل لمنع نشوب النزاعات وحلها عبر السبل السلمية. ويتضح ذلك في موقف الجزائر الذي يتطابق مع ما ينصّ عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول مسألة تايوان، حيث أكدت الجزائر على لسان سفيرها لدى الصين حسان رابحي حول زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان في شهر أغسطس هذا العام، “أن سيادة الصين على تايوان منصوص عليها صراحة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758 في عام 1971″. و”أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وأن حكومة بكين هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين كلها.”
إن رغبة الجزائر في الانضمام إلى البريكس تتوافق مع مصالحها الخاصة، خاصة وأن لديها علاقة تقليدية ومستقرة مع الدول الأعضاء في البريكس، منها الصين، كما يمكن أن تحقق مصالح مشتركة من خلال الانضمام الى مجموعة الأسواق الناشئة. و”بريكس” قوة اقتصادية صاعدة، إذ تمثل 25 % من إجمالي الناتج العالمي بقيمة 24.2 تريليون دولار. وتتصدرها الصين بـ17.7 تريليون دولار. كما أن انضمام الجزائر الى ” بريكس” التي تعتبر منظمة ذات بعد اقتصادي في المقام الأول، سيدفع بالتأكيد تنميتها الاقتصادية، خاصة في ظل ما يشهده النفط من ارتفاع في السعر مع الازمة الروسية الاكرانية. كما سيسمح لها بالتموقع في الساحة الاقتصادية العالمية، وهو منبر يسمح لها بجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية. وباعتبار الجزائر بلد استراتيجي في عالم يشهد تغيرات سريعة لم يشهدها من قبل، فإنه من المهم أن تعيد تموضعها بما يخدم مصالحها الخاصة. كما سيسمح لها ان تلعب دورا بارزا وسط متغيرات وتجاذبات على الساحة الإقليمية والدولية، خاصة وأنها تمتلك مقبولية كوسيك لحل الأزمات الإقليمية والدولية.
وتعمل ” بريكس” على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية تحت هذا التحالف، إذ تبنى أول اجتماع للمنظمة عام 2009، تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. ومقارنة مع مجموعة السبع الصناعية الكبرى تمثل دول “بريكس” 40 في المئة من سكان العالم، وما يزيد قليلاً على ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتستحوذ الصين على أكثر من 70 في المئة من اقتصاد المنظمة. وتنظر دول “بريكس” إلى الجزائر كدولة متحررة من الديون الخارجية، لها احتياطي جيد من العملة الصعبة يفوق الـ 44 مليار دولار، وهي ثالث دولة من حيث احتياطي الذهب عربياً بـ 173 طناً. ويتوقع أن تنضم الجزائر الى منظمة ” بريكس ” عام 2030.
*المصدر: صحيفة الشعب اليومية