بقلم يوان شا، الباحثة المساعدة في معهد الصين للدراسات الدولية.
في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد وما يترتب عليها من انزلاق الاقتصاد وتصاعد التوترات العنصرية داخل الولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فجأة عن انسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية. هذا القرار سيجلب تأثيرات سلبية على كل من الولايات المتحدة والعالم، كما أنه أثار معارضة قوية من خبراء الأمراض المعدية والمجموعات الطبية الأمريكية، التي حثت ترامب على إعادة النظر في موقفه.
فحثت الجمعية الطبية الأمريكية، وهي أكبر مجموعة للأطباء في الولايات المتحدة، ترامب بـ”أقوى العبارات الممكنة” على إلغاء هذا القرار. وقالت رئيسة الجمعية الدكتورة باتريس هاريس في بيانها إن “هذا القرار لا معنى له، وسيجلب تداعيات ضارة خطيرة خاصة في الوقت الذي تقود فيه منظمة الصحة العالمية العالم في تطوير اللقاحات وإجراء تجارب الأدوية لمكافحة الوباء”.
كما دعت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى التضامن والتعاون في هذه المعركة العالمية قائلة إنه “لا يمكننا التغلب على هذا الجائحة العالمية إلا بواسطة استجابة دولية منسقة مع احترام العلم والبيانات”، مضيفة أن “هذا القرار خطير وغير قانوني وسيواجه التحديات بسرعة”.
منظمة الصحة العالمية.. كبش فداء
مع تجاوز عدد الوفيات في الولايات المتحدة 100 ألف بسبب فيروس كورونا الجديد، شن ترامب جولات جديدة من الهجوم على منظمة الصحة العالمية مما يظهر نيته في إلقاء اللوم على الآخرين.
جعل ترامب منظمة الصحة العالمية كبش الفداء لفشل إدارته في احتواء فيروس كورونا، متهما المنظمة بعدم إصدار الإنذار المبكر، كونها تحت سيطرة الصين، وفشلها في إجراء الإصلاحات حسب إرادته. ولكن مزاعمه هذه لا تصمد أمام أي تدقيق. في الحقيقة، صرفت الحكومة الأمريكية النظر عن تحذيرات المنظمة ورفضت مجموعات الكواشف المقدمة منها أيضا.
ترامب يحاول الحصول على تنازلات من منظمة الصحة العالمية بواسطة تهديدها، إنه معتاد على استخدام التهديدات لخلق النفوذ في المفاوضات. كان يهدد المنظمة بتعليق تمويلها مؤقتا لفرض الضغوط على الهيئة الدولية. وقد يعمل ذلك في مجال التجارة، ولكن ذلك غير مناسب في العلاقات الدولية التي تتعلق بالحياة والموت.
كما يعتبر ترامب منظمة الصحة العالمية وسيلة لإجراء منافسة استراتيجية مع الصين. والوحدانية القطبية في الولايات المتحدة قد تخلق المظاهر الخادعة لسياسييها بسهولة تطبيق سياسة “أمريكا أولا” في المنظمات الدولية. كما أنها تبدو مجنونة دائما في البحث عن الأعداء لتدميرهم، والآن تعتبر الصين منافسا محتملا لها، فهي مستعدة لإنكار أي تأثيرات الصين على العالم.
التأثيرات السلبية على الولايات المتحدة
من المتوقع أن تصبح مكافحة الولايات المتحدة ضد فيروس كورونا معركة فردية بعد انسحابها من منظمة الصحة العالمية. إن إلقاء اللوم لتحقيق مكاسب سياسية قد تكون أمرا مغريا، ولكنها ستشتت الانتباه والموارد القيمة في المهمة الملحة لاحتواء الفيروس. الولايات المتحدة عضو لا يستغنى عنه في منظمة الصحة العالمية، كما أنها تحتاج إلى المنظمة لتبادل المعلومات المتعلقة بالفيروس وإجراء الأبحاث المشتركة وتنسيق السياسات.
هذا سيضر سمعة الولايات المتحدة كشريك موثوق به، وقرارها هذا يهدف إلى تخريب منظمة الصحة العالمية التي تعمل على قيادة العالم للتغلب على الجائحة بدلا من تقديم الدعم التي هي في حاجة إليه، مما يدل على أن الولايات المتحدة لا ترغب في الوفاء بالالتزامات الدولية والقيام بدورها القيادي في العالم.
كما أنه سيقود الولايات المتحدة إلى المسار الخاطئ نحو الأحادية. مع عدم الثقة بالتعددية وازدرائها، قام ترامب بانسحاب من الاتفاقيات المتعددة الأطراف بما فيها الشراكة العابرة للمحيط الهادئ واتفاق باريس للمناخ والاتفاق العالمي للهجرة والاتفاق النووي الإيراني إضافة إلى هيئات الأمم المتحدة مثل اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان. وهو أيضا منتقد للأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة حلف شمال الأطلسي وأجهزة ومنظمات أخرى. فمنظمة الصحة العالمية ليست سوى الضحية الأخيرة.
التأثيرات السلبية على العالم
هذا القرار سيجلب تأثيرات سلبية على المجتمع الدولي أيضا، إذ إنه أثار انتقادات واسعة النطاق من العلماء والمتخصصين الصحيين وقادة العالم.
كما أنه سيقوض الجهود العالمية المبذولة لمكافحة الوباء. الولايات المتحدة بصفتها أكبر مساهم في تمويلها، لا شك أن يضر بقدرتها على مكافحة الوباء. وحتى يتحدث ترامب عن إنشاء مؤسسة صحية بديلة للمنظمة، الأمر الذي سيضر بالوحدة والمعنويات العالمية أيضا.
إنه سيؤدي إلى تفاقم العجز في الحوكمة الصحية العالمية. وقد كشف هذا الوباء عن ضعف البلدان في البنية التحتية للصحة العامة، وضعف المجتمع البشري تجاه أمراض جديدة. وفي مواجهة مهام أكثر تعقيدا ومشقة، تواجه منظمة الصحة العالمية نقصا مزمنا في الأموال والموارد والموظفين.
ومن أجل الاستعداد والاستجابة للأوبئة المستقبلية بشكل أفضل، تحتاج منظمة الصحة العالمية إلى الإصلاح أيضا. ولكن الاعتبارات السياسية الضيقة وما يسمى “سياسات القوى العظمى” لن تجلب إلا تفاقم معضلة العمل الجماعي وتدهور عجز الحوكمة العالمية.
وفي هذا العالم المترابط، لا دولة تعيش وحدها في جزيرة. حان الوقت للعودة إلى العقلانية وتحمل المسؤولية وإظهار التضامن لتجاوز هذه الأزمة الإنسانية. كل أزمة تقدم دروسا وخبرات قيمة للبشرية، ونحتاج إلى تفكير شامل حول كيف وصلنا إلى هنا، وإلى أين نذهب؟