*صحيفة الدستور الأردنية/
الأكاديمي مروان سوداح*
«الوطنية الأردنية» ليس كياناً بيولوجياً ولا جواز سفر فقط أو مكان سكن وتجوال سياحي في الدولة، وهي ليست وظيفة أو مكسب لموقع ما، إنما هي هوية تاريخية مُتميّزة، وسِمات وخصائص تحملها في عقلها ومشاعرها جماعة بشرية أصيلة، تتميز بلغة قومية ونظام فكري وسلوكي إنساني يَنتمي لتراب الوطن ولا يبتعد عنه قيد أُنملة.. وهي كذلك معتقدات وعادات وتقاليد متوارثة وراسخة في نجيعنا.. وليس أخيراً، «الوطنية الأُردنية» هي نهج حياة وانتماء فتضحية تعرف شيئاً واحداً فقط: الشهادة في سبيل الجماعة الأُردنية التي أقامت وطناً وصدّت بمنعتها وصلابتها «شياطين صهيون» ممن تطلعوا للتمدّد إلى شرقي النهر، منذ أوائل الاحتلال الإنجليزي للبلد، مروراً بكل أشكال الهيمنات والضغوط الغربية والصهيونية التي تنازعت فيما بينها على ترابنا، ولم ولن تتمكن منه أبداً.
استهداف الأُردن لا يتوقف عند صفقة الشياطين الجديدة، فقد سبقها صفقات شياطين كُثر استقرت في مزابل التاريخ حيث اتخذت منها مقرات أبدية، بعدما قَبرتها شعوبنا بتكاتفها ونضالها المُستميت. صفقات «اليهود الصهاينة» مع دول الغرب الاستعمارية كانت متواصلة ومتلاحقة لاسترقاق فلسطين والأُردن. نهج الغرب والصهيونية لاستعباد فلسطين والأُردن لم تكن بدايته مع بريطانيا غير العظمى، بل يَعود تاريخه إلى عهد الإمبرطور الهالك نابليون بونابرت، الذي لاحقته القوات القيصرية الروسية إلى عقر داره في باريس ونالت منه.. نابليون هذا حاول استغلال وتوظيف «اليهود» لإقامة دولة تحت سيادته في فلسطين، ولهذا وافق على تمدّد «اليهود» من حولنا لتعزيز هيمنته على العالم العربي، ابتداء من الساحل الفلسطيني، الذي أراد تحويله إلى قلعة أمامية لجيوشه، وهي مُخطّطات مُطابِقة تماماً لِمَا رسمهُ لمنطقتنا زعيم الصهيونية بنيامين زئيف (هرتزل)، الذي «طمأن» أسياده الأنجلوسكسون، بأن صحبه الاقتلاعيين سيكونون (حَرساً متقدماً لحماية الحضارة من هجمات «البرابرة»)، كما وصفنا نحن العرب، وكما نقلت هذا الوصف إلينا لتبصيرنا بخطر التوسعية الصهيونية، تلك المناهج الدراسية الرسمية التي نشأت وطنيتنا الفتية بين ثنايا وريقاتها، وشَحذَت فينا قِيم ومبادىء الوطنية الأُردنية.
كان شرق الأُردن محط استهداف صهيوني وغربي، وينقل التاريخ إلينا أن أوّل من دعا إلى استيطان اليهود في بلادنا هو ضابط سلاح الهندسة البريطاني، السير «تشارلز وارن» الذي أعد مجموعة أبحاث عن شرق الأردن وغربه، و»أوصى» «بضرورة الشروع بالاستيطان اليهودي في منطقة «جلعاد»، كموقع «أمثل» له في «غرب الأردن» (فلسطين)، تبِع ذلك محاولة تصفية إمارة (شرق الأُردن) على يد (الوكالة اليهودية) التي سعت لتثبيت وجودها في وطننا من بوابة الاستثمار و»التطوير!»، لكنها طُردت شر طَردة.
ستُحبِط الوطنية الأُردنية صفقة الشياطين، وسيبقى شعبنا العربي الأُردني ودولتنا وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، في مقدمة الصفوف للذود عن حِمى الوطن بوجه كل المؤامرات التصفوية، وسيستمر الأُردنيون بالتضامن مع الشعب الفلسطيني يتصدون لها لقبرها وللجم النهم الصهيوني ولتأكيد مكانتنا المحورية تحت شمس العالم المتحضّر.
* صحفي وكاتب أردني.