تكيّف الصينيون مع العالم المعاصر والعولمة والعالم الغربي تجاوز حتى الغرب نفسه ليس فقط من حيث الصناعات والتطور التكنولوجي بل حتى من حيث الاستهلاك والحياة اليومية للصيني بما فيها اللباس والفن والموسيقى والأكل…ولكن ضمن ووفق المحافظة على المحتوى الحضاري والوطني الصيني على غرار ما فعلوا مع الاشتراكية بتصيينها وفعلوا مع الغرب بتصيينهم لليبيرالية والرأسمالية كذلك.
13- الصين، حضارة عريقة
إنسانياً وقوة كبرى بناءة: نظرياً تتوافق معظم الدول الكبرى في الخطاب السياسي
والإعلامي الإنساني وتتضمن دساتيرها والتزاماتها الدولية مبادئ وقيم سلمية
وإنسانية، ولكن ميدانياً يظهر الخلاف بل التناقض.
تشكل الدول الغربية نموذجا حياً لذلك في العصر الحديث. خطابها السياسي لا
ينسجم مع ممارستها في الملفات والقضايا الإنسانية الكبرى، خاصة محاربة الفقر،
التهميش، كبح مقاومة الشعوب المناهضة للهيمنة، الازدواجية في العلاقات الدولية
وممارسة القوة على حساب قوة الحق. بريطانيا مصدر الثورة الصناعية وعميدة
الديمقراطية في العالم، ونس الوضع ينطبق على فرنسا أين الثورة الفرنسية أنتجت ثاني
قوة إمبراطورية استعمارية في العالم . أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية،
تصارعت فيها قوى كبرى، ودمرت فيها شعوب ودول بمختلف الأسلحة بما فيها الأسلحة
الكيماوية والنووية، صراع حول من يستفيد أكثر من التوسع والاستغلال في العالم.
احتلت الولايات المتحدة الأمريكية الموقع الأكبر في التوسع والهيمنة أثناء وبعد
الحرب العالمية الثانية. يكفي التذكير بضرب الولايات المتحدة الأمريكية بالقنابل
النووية للسكان المدنيين بهيروشيما (06 أوت 1945) وناجازاكي (09 أوت 1945) والتي
أدت إلى أكثر من 200 ألف قتيل، وتدمير 80 % من المباني والهياكل العمومية، إضافة
إلى الآثار الخطيرة التي مازال يعيشها اليابانيون إلى يومنا هذا.
خـــلافاً لذلك ورغم توفرها باستمرار على مؤهلات القوة فإن الصين عبر تاريخها لم
تمارس سياسة التوسع والاحتلال. بل عكس ذلك فقد كانت هي نفسها ضحية لذلك، انطلاقاً
من بريطانيا وحرب العفيون على الصين (1840) إلى احتلال بريطانيا لـ «هونغ كونغ» واحتلال
البرتغال لمنطقة ماكاو، وعزل تايوان عن الأرض الأم. كما واجهت الصين حصاراً
وتهديداً على سواحلها الشرقية مباشرة بعد قيام جمهورية الصين الشعبية، ومازالت
الصين محطة محاولات حصار وتهديد إلى يومنا هذا بما فيها استمرار تحريض انفصال
تايوان عن الصين، ومحاولة اختراق الوحدة الوطنية من خلال سكان التبت، والتحريض
للمس بسيادة الصين على بحر الصين الجنوبي.
سياسة
الصّين الدّولية منذ 1949
شكّلت القيم، الممارسات، المحطات والانجازات المذكورة أعلاه مرجعية صلبة ومنطلق
بنّاء للصين الحديثة. منذ البداية، بعد الثورة الصينية (1949) تبنّت الصين أربعة
أولويات في توجهاتها وممارساتها السياسية والاقتصادية: الوحدة الوطنية باسترجاع
الأراضي المحتلة أو التي تم فصلها عن الصين الأم، العدالة الاجتماعية القائمة على
الاشتراكية بالمفهوم الصيني (تصيين الاشتراكية: ليبرالية اجتماعية في الاقتصاد
واشتراكية مركزية في السياسة)، العمل من أجل نهضة صناعية وتكنولوجية ودعم
الإستقرار والأمن الإقليمي والعالمي.
أولا: الوحدة الوطنية:
خرجت الصين بمقاربة وتوجه قائم على أولوية استرجاع أراضيها المحتلة وتحقيق وحدتها
الوطنية. وتم ذلك باسترجاع هونغ كونغ من بريطانيا ومكاو من البرتغال (1998) وهي
تعمل الآن لاسترجاع تايوان المنفصلة عنها وجزرها المحتلة الأخرى.
استثمار الصينيين من تايوان يتزايد بالصين الأم بحكم التواصل الثقافي واللغوي
والعمق الحضاري والوطني للصينيين أينما وجدوا. في حالة غياب التدخلات الدولية في
تايوان سوف يجد الصينيون من تايوان أنفسهم تلقائيا بالأرض الأم سياسيا واجتماعيا
واقتصاديا سواء في إطار سياسة الصين لدولة بنظامين على غرار هونغ كونغ. سياسة
الصين الحالية والمستقبلية سوف تستقطب كل الصينيين والأراضي الصينية في إطار دولة
بنظامين ما دام أن الدولة الصينية لها توجه اقتصادي قائم على اقتصاد السوق
على المستويين الوطني والعالمي وتمارس سياسة وطنية لتعزيز وحدتها الترابية مثل بحر
الصين الجنوبي، والعمل على استرجاع باقي الأراضي والجزر الصينية المحتلة، وتعزيز
سيادة الصين على بحر الصين الجنوبي.
ثانيا:
العدالة الاجتماعية أو الاشتراكية الصينية:
خرج الشعب الصيني من الحرب العالمية الثانية من معاناة اجتماعية واقتصادية ودمار
واحتلال، وحرب أهلية شنها حزب الكومنتانغ بقيادة تشان كاي تشك بدعم من القوى
الاستعمارية الغربية ضد الثورة الصينية بقيادة ماو تسي تونغ. فكان على الصين تبني
سياسات اقتصادية واجتماعية خطّط لها ومارسها الحزب الشيوعي الصيني قبل الثورة
قائمة على تجسيد العدالة الاجتماعية للشعب الصيني، ونجحت الصين في ذلك عبر المراحل
التي عاشتها منذ انتصار الثورة الصينية وتأسيس جمهورية الصين الشعبية. المخطط
الصيني الحالي، أنه بعد 10 سنوات سوف يعيش الشعب الصيني مستوى متقدم من الرخاء في
إطار عدالة اجتماعية من خلال نمو اقتصادي طبيعي يعكس أولويات المجتمع المرتبطة
بالحياة والتوازن الاجتماعي، العمل والرعاية الصحية، التربية والتعليم، تعزيز
التوازن الجهوي، الصناعة والتكنولوجيا الإنسانية والاجتماعية البعيدة عن تهمش
أهمية الإنسان في العمل والإنتاج.
ثالثا:
النّهضة الصّناعية والتّكنولوجية:
كما سبق ذكره أن حضارة الصين عمرها أكثر من 5000 سنة وسبّاقة في المكاسب الصناعية
والتكنولوجية، تعزز ذلك عقب الثورة الصينية وتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
بعد الثورة الصينية، وجدت الصين الجديدة نفسها في وضع يتمثل في إدارة اقتصاد متأزم
تطلب وضع الإنسان الصيني في أولويات اهتماماتها. في مدة قصيرة قبل نهاية
الخمسينيات من القرن الماضي كسبت الصين الرهان بإنتاج آليات اقتصادية لتنمية
بنّاءة. التعبئة والعمل والإنتاج هم الرهانات التي وظفتها الدولة الصينية لإدارة
الوضع الاقتصادي وتحققت الخطوة الأمامية الكبرى لتنطلق محطة أخرى لتعزيز هذه
المسيرة وهي الثورة الثقافية لتنتهي سنة 1967 بحيازة الصين للقنبلة الهيدروجينية
وتصبح قوة نووية في مواجهة التحديات والتهديدات الدولية.
وضع وتطور دفع بالعالم للانفتاح على الصين والاعتراف بها (1971) في المجتمع الدولي
والعضوية الدائمة في مجلس الأمن بحق الفيتو رفقة الأربعة الكبار الآخرين في
العالم. وضع دولي مكّن الصين أكثر بإقامة علاقات ثنائية ودولية قائمة على تبادل
اكتساب التجارب والمكاسب الإقتصادية والصناعية والتكنولوجية، وتصل الصين إلى القوة
الإقتصادية الثانية والسوق العالمية الأولى في هذا القرن وتصبح الدائن الأول
للولايات المتحدة الأمريكية بمبلغ يتجاوز 2000 مليار دولار، ويعتبر الاقتصاد
الصيني الأول في العالم (الصين سوق العالم) وبها أكبر احتياطي مالي من الدولار في
العالم.
استفادت كل من إفريقيا والعالم العربي من التكنولوجية والخبرة الصينية رغم الحصار
العالمي على الصين قبل السبعينيات من القرن الماضي. من بين هذه المكاسب الإفريقية
والعربية خط السكة الحديدية الرابط بين تنزانيا وزامبيا بطول 1860 كلم (الإنجاز:
1970-1975)، مصانع خزف، صناعات خفيفة ومتوسطة، صناعة الدراجات، بناء السدود،
المستشفيات بدول عربية وإفريقية متعددة. لتصبح الصين النموذج الاقتصادي الأمثل
لمبدأ وسياسة المنفعة المتبادلة واكتساب التكنولوجيا.
لقد جسّد الصينيون ميدانيا مبدأ المعاملة بالمثل والهدف الأسمى لاكتساب
التكنولوجيا في التعامل مع العالم العربي وإفريقيا. مدخل ذلك في المرحلة الحالية
هو مضاعفة التعاون والتبادل القائم على المصالح المشتركة والتفاهم الحضاري
والتعاون الإنساني القائم على مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ (2013) المتمثلة
في إحياء طريق الحرير (الحزام والطريق) للتواصل الاقتصادي والتجاري والثقافي في
العلاقات العربية الصينية قبل أكثر 2000 سنة.
في هذا الإطار أصدرت الصين في جانفي 2016 وثيقة تحدد آليات تعزيز التعاون الصيني
العربي معتبرة العالم العربي شريك أساسي للصين من خلال التعاون والكسب المشترك
والمنفعة المتبادلة، تبادل التجارب والخبرات العلمية والتكنولوجية، التعاون
الإستراتيجي، دعم الصين للاستقرار والتنمية في العالم العربي، دعم تسوية القضايا
والأزمات بالوسائل والطرق السلمية وتعزيز توثيق التواصل الإنساني والثقافي وكل ما
يعزز التفاهم والصداقة بين الشعب الصيني والشعوب العربية.
رابعا:
دعم الإستقرار والأمن الإقليمي والعالمي:
من منطلق أن الصين في موقع استراتيجي متميز جعلها محط أطماع الغزاة وتاريخ الشعب
الصيني حافل بالمقاومة ضد الغزاة والمحتلين، لدرجة أن الصينيون بنوا سور الصين
العظيم لحماية الصين من الغزو والاحتلال. المقاومة للغزاة والاحتلال الاستعماري
والتهديدات لسيادة الصين جعل الشعب الصيني حساس لأية محاولة للمس بأمن واستقرار
الصين ودفع بالصين لأن تكون في مقدمة الدول التي تؤكد على الأولوية القصوى للأمن
والسلم الإقليمي والدولي والعمل على تفادي الأزمات والحروب والبحث عن الحلول
السياسية، فلسفة المنظومة السياسية الصينية قائمة على تاريخ وحضارة إنسانية وواقع
جغرافي للصين بحدود 22147 كلم تطل على 14 دولة.
للصين مرجعية سياسية، وعوامل تاريخية وثوابت في سياستها الخارجية (الاستقلالية،
حماية استقلال وسيادة الصين، محيط دولي بنّاء قائم على إصلاح المنظومة الدولية من
أجل المنفعة المشتركة، السلم والأمن الدوليين، التنمية المشتركة…)، ومؤهلات
اقتصادية تؤهلها لأن تكون قوة إيجابية في علاقاتها الثنائية والإقليمية والدولية.
تشكل العلاقات الجزائرية – الصينية نموذجا لذلك: للجزائر ثوابت متجذرة في سياستها
الخارجية متمثلة في احترام الوحدة والسيادة الوطنية، عدم التدخل في الشؤون
الداخلية للدول (والعكس صحيح)، السلم والأمن الدوليين، التعاون الاقتصادي والتجاري
المتوازن وخاصة الاستثمار المبني على كسب التجربة والتكنولوجيا ودعم المشاريع
الإقتصادية الإستراتيجية للبنية التحتية من أجل التنمية المستدامة.
أثبتت الصين للجزائر بأنها في مستوى هذا التوجه والهدف والمسعى الإستراتيجي في
معظم المجالات والمشاريع الإقتصادية المبرمجة: البناء والتعمير، السدود والمياه،
الفلاحة والري، الطرقات والسكك الحديدية، اكتساب التكنولوجيا في مجال تكرير
البترول مثل ما هو منجز بأدرار، وصفقات أخرى مع الصين تمت (أكتوبر 2016 ) لبناء
مصانع تكرير البترول في مناطق متعددة بالجزائر. تعاون بناء ودعم صيني هادف أوصل
بالعلاقات الجزائرية – الصينية إلى المستوى الإستراتيجي (2014). أثبتت الصينيون
للجزائر أنهم كانوا في مستوى المقاييس والكفاءة العالية لإنجاز المشاريع.
وصلت العلاقات الجزائرية – الصينية إلى أكثر من 9 ملايير دولار سنويا في السنوات
الأخيرة، وإذا سارت على نفس الوتيرة يمكن أن تتضاعف في السنوات القليلة القادمة
ضمن استثمارات وتعاون مشترك في مشاريع اقتصادية متعددة. البرنامج المكثف للجزائر
للبحث عن اقتصاد بديل للنفط، يعتمد الاستثمار وكسب التكنولوجيا. أظهرت الصين
استعدادها للتجاوب مع هذا التوجه. يمكن للصين تجسيد هذا الهدف إذا كثفت من
استثماراتها بالجزائر في الفلاحة، الصناعة والسياحة. توجه الجزائر خاصة في السنوات
الأخيرة يعطي أولوية قصوى للبحث عن اقتصاد بديل للنفط، خاصة منذ (2013) انخفاض
أسعار البترول في السوق العالمية. ميناء شرشال بولاية تيبازة (شمال غرب الجزائر
العاصمة) باستثمار أكثر من 3 مليار دولار بشراكة صينية جزائرية يمكن أن يشكل نموذج
أمثل لضمان تضاعف العلاقات الإقتصادية الجزائرية الصينية. الميناء جد هام للبلدين
بحكم أنه سيصبح من أكبر المواني العربية والإفريقية للتصدير والاستيراد.
وصول العلاقات الجزائرية الصينية إلى المستوى الإستراتيجي لها خلفياتها التاريخية
ومرجعياتها السياسية. لقد كانت الصين دعما للجزائر أثناء حرب التحرير الجزائرية
(1954-1962) ضد الاستعمار الفرنسي المدعوم من طرف الحلف الأطلسي والمعسكر الغربي.
في نفس الفترة كانت الصين مستهدفة كذلك من طرف المعسكر الرأسمالي من خلال حصار
السواحل الشرقية الصينية انطلاقا من تايوان، أي أن الجزائر والصين كانتا في جبهة
مشتركة.
كما كانت الجزائر دعما للصين في استرجاع مكانتها داخل منظمة الأمم المتحدة وطرد
تايوان (1971). وبالمقابل في الوقت الذي كان للغرب مواقف لا ترقى لمستوى محاربة
الجزائر للإرهاب في التسعينيات من القرن الماضي بما فيها سحب كثير من الدول
الغربية لممثليهم الدبلوماسيين من الجزائر، بل الغرب ذهب لاتهام النظام السياسي
الجزائري أنه كان وراء الإرهاب، ولم يتغير هذا الموقف الغربي إلا بعدما ضرب
الإرهاب عمق الغرب (منذ 2001). بالمقابل كانت الصين دعما للجزائر في هذه الفترة في
مختلف المجالات الإقتصادية والتعاون البناء بين الدولتين.
كما أن للصين مواقف متكاملة مع الجزائر تجاه تسوية المشاكل الإقليمية، ومواجهة
التحديات الدولية الراهنة تحت شعارات ما يسمى بالربيع العربي، الديمقراطية وحقوق
الإنسان ومواقف مشتركة تجاه القضايا الإنسانية والدولية في إطار التوازن والعدالة
الدولية بما فيها إصلاح منظمة الأمم المتحدة ودعم حق الشعوب المستعمرة في تقرير
مصيرها وفق الشرعية الدولية. للصين والجزائر مواقف مشتركة ضد التدخلات الدولية في
شؤون الدول والمس بوحدة واستقرار الدولة الوطنية. للصين والجزائر مواقف متكاملة في
محاربة الإرهاب مهما كان مصدره ومكانه بعيدا عن الازدواجية في التعامل مع هذا
الملف الخطير على الإنسانية جمعاء، معتبرين أن أي دعم لتسليح أو تموين عناصر فرديا
أو جماعيا مرفوض مهما كان الهدف حتى ولو تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان على
غرار ما تقدمه الدول الغربية من دعم بالسلاح والمال لعناصر ضد النظام السوري أو
أنظمة أخرى. العنف واستعمال السلاح يؤدي إلى ضرب استقرار الدول والشعوب ويمس
بمصالح الجميع.
التعاون المتزايد بين الصين ودول عالم الجنوب، خاصة في العقد الأخير صاحبته حملة
إعلامية بالغرب ضد الإنتاج والسلع والاستثمارات الصينية. يتداول أحيانا إعلاميا أو
في محطات أو مجالات أخرى بنظرة سلبية، مصطلح أو عبارة «هذا إنتاج صيني»، أو «سلعة
صينية». والحقيقة غير ذلك، فهذه النظرة عبارة عن دعاية ممنهجة وبعيدة عن الواقع
الفكري والحضاري للسياسة والإنتاج الإقتصادية الصيني، فالصين حضارة عميقة متميزة
بالمكاسب النوعية في أعلى صورها معنويا وماديا. ما أنجزته الصين من تشييد عمراني
حضاري وهياكل ومؤسسات اقتصادية هي تعيش في الصين وخارجها لآلاف السنين، ويكفي
التذكير بسور الصين العظيم بحوالي 21.000 كلم، والابتكارات العلمية العريقة والمتميزة
من صناعة الورق إلى الطب الصيني المتميز إلى صناعة الحرير وصناعة القوارب ووسائل
النقل البحرية والبرية وغيرها من الإنجازات العريقة، وإلى المكاسب والإنجازات
الحديثة وفي مقدمتها السكة الحديدية، الصناعات الكيماوية، الإنتاج الكهربائي،
صناعات النقل والتنقل، تكنولوجيات الاتصال والإعلام الآلي، العمران الحديث….تباع
السلع الصينية بمختلف أشكالها ومجالاتها في أهم المراكز والأسواق العالمية الكبرى
وبعواصم الدول الغربية وتنافس إنتاج البلدان الغربية هناك.
المشكل هو ليس في السلع أو المنتجات الصينية، بل هو في الزبون في حد ذاته دولا أو
مؤسسات أو أفراد، فبمفهوم اقتصاد السوق، الصيني يعرض اختيارات منتجاته (Les choix- choices in English ) وللزبون الاختيار بين
المنتوج أو السلعة من الطراز الأعلى أو من الطراز الأدنى حسب الطلب والثمن المقدم.
عندما يتعامل بعض الزبائن، خاصة من دول عالم الجنوب فإنهم يختارون السلع أو
المنتجات الأقل ثمنا، وبالتالي يحصلون على منتوج أقل نوعية. فبعض الزبائن يشترون
السلعة الصينية بمواصفات دنيا حسب اختياراتهم وعندما يعودون بها يعرضونها على أساس
أنها من الطراز الأول. مثلا: تجد البذلة الصينية التقليدية في الأسواق الصينية
بقيمة مالية تعادل 400 دينار جزائري، وتجد نفس البذلة ولكن بنوعية أرقى بمبلغ
يعادل 40.000 دج، أي بزيادة تصل إلى 100 مرة مقارنة بين العرضين.
غير ذلك تكاد الصين أن تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تقدم إنتاجا أو سلعا أو
استثمارات بأعلى المقاييس العالمية، وبأقل تكلفة من الجميع لسبب أساسي أن تكلفة
الإنتاج أقل بالصين سواء من اليد العاملة أو من آلات الإنتاج. العامل في الغرب
بحكم غلاء المعيشة والاختلاف حول شروط الحياة التي يتجاوزها الصيني بالاعتماد على
النفس في تحسين مستوى معيشته من منطلق العمل الدؤوب، والجدية والانضباط والقدرة
الذاتية اللاّمتناهية.
المنظومة السياسية والاقتصادية الصينية تسيّر مليار و400 ألف صيني، وتحتل صدارة
الإنتاج والاقتصاد عالميا. القراءة الموضوعية والعلمية لمنطق الحياة الإقتصادية
السائد والسوق العالمية، يعكس الطلب المتزايد على الإنتاج الصناعي والتكنولوجي
الصيني من طرف أعرق الدول الغربية ومن أهم المراكز التجارية الكبرى ببون
(ألمانيا)، باريس (فرنسا)، لندن (بريطانيا)، نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا
(الولايات المتحدة الأمريكية)…..الاستثمارات الصينية مطلوبة ليس فقط من طرف دول
عالم الجنوب بل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا (دولا وشركات
اقتصادية وتجارية عالمية كبرى).
الصين هي سوق أساسية للعالم وإن لم نبالغ فهي سوق العالم، وذلك ناتج عن العمل
والانضباط المسؤول والجدية وتقديم الكفاءة والنوعية العالية، ويتوقف على الزبون
الاختيار.